نتنياهو وحربه على غزة.. حين تصبح الإبادة وسيلة للبقاء بالسلطة
الغد
حيفا- قالت أوساط صهيونية بأن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، يطيل أمد حرب الإبادة على قطاع غزة لمصالح وحسابات شخصية وأخرى تتعلق بائتلافه الحاكم، فضلاً عن زعزعته بعض الأسس التي قامت عليها "إسرائيل" وتخليه عن المحتجزين، وإضعاف مؤسسات الدولة، والتعلّق بنرجسيته، فيما يحتار الكثيرون كيف تكون أطول حروب إسرائيل أمام فصيل فلسطيني في منطقة جغرافية صغيرة ومحدودة.
وإذا كان دافع الانتقام رداً على عملية "طوفان الأقصى" التي نفّذتها حركة حماس في السابع من تشرين الأول واستعادة الردع الصهيوني، هو ذريعة حكومة الاحتلال في بداية العدوان، الذي اعتبره نتنياهو حرباً وجودية وحرب نهضة، فقد تكشّف مع الوقت، من خلال تصريحات ومواقف، وجر العدوان على مدار عامين، وما يحدث على أرض الواقع في غزة، وإحباط مقترحات الصفقة المتعاقبة، أن الإبادة والتهجير وجرائم الحرب، ومخططات احتلال غزة، هي أهداف بحد ذاتها، تحرّكها أيديولوجيا راسخة لدى الكثير من المسؤولين الإسرائيليين، وإلا كيف يمكن تفسير استشهاد أكثر من 67 ألف فلسطيني معظمهم من المدنيين، وجرح عشرات الآلاف، وتجويع مئات الآلاف، وتدمير القطاع؟ ويتحكم نتنياهو بزمام الأمور ويوظفها لصالحه ومصالحه، مستغلاً كذلك ظروفاً داخلية، منها المعارضة الهشّة التي تشظّت مع الوقت لتفرز المزيد من الأحزاب، والصراعات على قيادتها.
ورغم إدراك الكيان، حتى وفق محللين ومسؤولين، بأنها قضت منذ فترة طويلة على معظم قدرات حماس العسكرية، وأن الحركة لم تعد قادرة على إدارة قطاع غزة، إلا أن دولة الاحتلال تواصل الإبادة. ومن هنا كثيرة هي الأصوات الصهيونية التي ترى أن الحرب كان يجب أن تنتهي منذ عام أو أكثر. ومن هؤلاء من يشير إلى العزلة الدولية، ونبذ مواطني الكيان الصهيوني في أماكن كثيرة، والرأي العام المتصاعد في العالم ضد "إسرائيل". ورغم الاتهامات لنتنياهو، فإن حرب الإبادة شهدت شبه إجماع صهيوني، خاصة في بدايتها، قبل أن يتصاعد في مرحلة متأخرة أكثر الحراك الداعي لإعادة المحتجزين، ولاحقاً الأصوات التي دعت لإنهاء العدوان، بالأساس بسبب تضرر المصالح الصهيوني.
في غضون ذلك، أعاد العدوان المستمر منذ عامين إلى الواجهة حالة الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي. ومن بين القضايا التي برز فيها ذلك ترتيب أولويات حرب الإبادة منذ بدايتها، ما بين من يرى أن إعادة المحتجزين أولوية قبل مواصلة العدوان، ومن يرى أولوية الحسم العسكري. كما طفت قضية تجنيد الحريديم، التي سببت أزمة حتى داخل الحكومة نفسها، بين من يلح على تجنيدهم كسائر القطاعات، ومن يسعى لقانون يعفيهم من ذلك. وليس أقل درجة قضية تتفاعل وقد تتصاعد أكثر بعد انتهاء حرب الإبادة، بشأن تعريف إسرائيل وهويتها، يهودية ودينية أكثر أم ديمقراطية وليبرالية، في ظل ما يحوم حول الأخيرة من تساؤلات بدأت قبل الحرب بخطة الحكومة لتقويض القضاء وسعي الحكومة لإضعاف المؤسسات، واكتسبت زخماً إضافياً خلالها، فيما قد تكون قدرة "الدولة" على إدارة الصراعات الداخلية موضع اختبار، خاصة مع تعيين شخصيات مع أيديولوجيا متطرفة في مواقع حساسة، من قبيل رئيس الشاباك الجديد دافيد زيني. وهناك مسألة أخرى أثيرت في مرحلة سابقة في العامين الأخيرين، وتعود للواجهة من جديد، حول مدى استقلالية إسرائيل في علاقتها بالولايات المتحدة في ظل فرض الولايات المتحدة إرادتها عليها في بعض المواقف.
ومهما فعل نتنياهو وتحدّث عن انتصارات وإنجازات في مختلف الجبهات، من لبنان إلى اليمن إلى إيران وحتى سورية، فإن "عار" السابع من أكتوبر بات مسجّلاً على اسمه. وفي وصف ما حدث، كتب الصحفي والكاتب في صحيفة معاريف العبرية بن كاسبيت، بمناسبة مرور عامين، أن "الهزيمة التي مُنيت بها إسرائيل في السابع من أكتوبر هي الأقسى والأكثر إيلاماً وإذلالاً في تاريخها. حتى في أسوأ كوابيسنا لم نتخيل أن شيئاً كهذا يمكن أن يحدث لنا. أن يتمكن تنظيم من شلّ فرقة من الجيش الإسرائيلي تقريباً دون جهد يُذكر، وأن يحتل بلدات إسرائيلية وقواعد عسكرية... ويتصرف داخل الكيبوتسات والمدن وكأنها ملكه، ويختطف مئات المدنيين والجنود، ويُذلّ الجيش الأقوى في الشرق الأوسط، ويترك خلفه أرضاً محروقة. لا شيء مما حدث بعد ذلك يمكنه أن يمحو هذا الحدث، أو يشفي الجرح، أو يخفف من الصدمة. بعد خمسين عاماً ويوم واحد من نجاح جيوش مصر وسورية النظامية والضخمة في مفاجأة الجيش الإسرائيلي، وعبور القناة، واجتياح هضبة الجولان، حدث لنا الأمر ذاته تماماً، ولكن بمفعول مضاعف. هذه المرة، ليس الجيش فقط من تلقى الضربة، بل أيضاً المدنيون. دولة إسرائيل، التي أُنشئت فقط لتكون المكان الوحيد في العالم الذي يمكن لليهود أن يشعروا فيه بالأمان، فشلت في أداء مهمتها".-(وكالات)