الغد
تبدو الحرب التي توقفت أنها نهاية المشهد في فلسطين، أو المنطقة، لكنها بالتأكيد نهاية لحظة صعبة، وما تزال النهايات مفتوحة.
السبب في ذلك ليس بث التشاؤم بل إن ملف غزة ذاته هو الأصعب، وهي التي تحتاج إلى أكثر من ثمانين مليار دولار لإعادة الإعمار، فيما سيعيش أغلب الناس فوق الأنقاض، بلا مشاريع أو فرص عمل، أو تعليم أو حياة، حتى ينتهي الإعمار الذي بحاجة إلى عقود، وسوف تتسلل خلالها مبادرات التهجير الطوعي، لتفريغ القطاع من أهله.
يضاف إلى ما سبق أننا أمام أجيال ستأتي غاضبة أمام كل هذه الخسائر ولن تكون مهزومة أو مستسلمة كما يظن كثيرون، بل سترث كل هذا الغضب، وتعيد إنتاجه لاحقا، في ظل استشهاد أكثر من 60 ألف شخص، وتوقع استشهاد 200 ألف شخص إضافي وفقا للتقارير الدولية، بسبب نقص الرعاية الطبية وأمراض القلب والسكري والكلى وبقية الأمراض الخطيرة، وهي أمراض فتكت بحياة الناس، وستؤدي إلى ارتفاع نسبة الوفيات، ومعهم مئات آلاف الجرحى والمتضررين صحيا ومعنويا، ولا ننسى هنا الآثار الاجتماعية للفقد واليتم وما تتعرض له العائلات من ألم وتشظية.
هذا يعني أن ملف القطاع لن يتم إغلاقه بمجرد وقف الحرب، وهو يأخذنا إلى ملفات الضفة الغربية والتخطيط الإسرائيلي للضفة والقدس، والعمليات التي ينفذها الاحتلال طول سنينه، بما فيها سنين الحرب، وتأثيرات ذلك على وجود السلطة أصلا، ومدى اعتراف إسرائيل بدورها الأساسي، في ظل رفض قيام دولة فلسطينية، وما يعنيه ذلك من تفرغ الاحتلال الآن للضفة الغربية، بشكل مختلف.
ربما غالبية الناس تريد وقف الحرب، لتخفيف الكارثة، لكن الوجه الآخر لما فعله الاحتلال خلال الحرب، سيتضح الآن، بعد أن يخرج الغزيون من الصدمة بعد إحصاء الخسائر والأضرار، بما يثبت أن جرائم الاحتلال كان تأثيرها إستراتيجيا وليس مجرد عمليات يومية.
الجانب الآخر وراء الاحتفاء بوقف الحرب، يرتبط بملفات الإقليم التي يتحدث عنها الجميع، من لبنان، إلى سورية، مرورا بالعراق وإيران واليمن، وهي ملفات قيد التصفية الإسرائيلية، ولا يبدو أن أحدا سيردع الاحتلال أصلا، الذي مارس الجرأة على المدنيين في فلسطين المحتلة، ويريد إكمال مخططه من أجل شرق أوسط جديد.
كل هذا يعني أن الحرب لم تنته فعليا، توقفت فقط مرحليا في معركة غزة، وستثبت الأيام أن الاحتلال بمجرد التقاط أنفاسه سيعود إلى بقية الجبهات، خلال الفترة المقبلة، بدعم أميركي وسكوت غربي على مستوى الحكومات، بما يفرض علينا ألا نكون أبناء اللحظة الحالية فقط، ونقرأ الخريطة بشكل عميق، على أساس أن الاحتلال أمام مشروعه التوسعي يريد تحقيق مستهدفات لم يكملها.
الاستخلاص هنا يقول إن الحرب العسكرية في غزة ربما توقفت وربما بطبيعة الحال ستعود لأي سبب، لكن النتيجة الارتدادية ستتمثل في كون الاحتلال سيعود إلى بقية الجبهات المجدولة في المنطقة، دون أن يوقفه أحد، ولا يعترض عليه أحد بعد جرائم غزة.