مع قرب "التوجيهي".. امتحان الأهل يبدأ باحتواء الأبناء نفسيا ومعنويا
الغد-تغريد السعايدة
كما في كل عام، تعيش العائلات الأردنية حالة من الترقب والقلق مع اقتراب امتحانات الثانوية العامة، حيث يستعد الطلبة لخوض نحو عشرين يوما من الامتحانات، وسط تحليلات وتكهنات حول طبيعة الأسئلة، وتكرار عبارة: "هذه آخر نسخة من نظام التوجيهي القديم.. وننتظر مصير أبنائنا".
تنطلق أولى جلسات الامتحانات يوم الخميس التاسع عشر من حزيران الحالي، وتستمر حتى العاشر من تموز المقبل. وهي فترة تراها كثير من الأمهات "عصيبة وحساسة"، تتطلب متابعة مستمرة، وجهدا مضاعفا، واحتواء نفسيا ومعنويا لأبنائهن، خاصة أن هذا العام يشكل المحطة الأخيرة لنظام الثانوية العامة المعمول به منذ سنوات، ما يضيف عبئا نفسيا على الطلبة وأهاليهم، ويزيد من حالة الترقب والقلق تجاه شكل الامتحانات.
لا يتوقف رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن تداول التحليلات والتوقعات حول امتحانات هذا العام، إذ يرى بعضهم أن الأسئلة قد تكون "أسهل" من المعتاد لتمرير النسخة الأخيرة من النظام الحالي، بينما يعتقد آخرون أن الحكومة ستكون أكثر جدية، وأن الامتحانات ستكون بمستوى أعلى من السنوات السابقة. وبين هذا الرأي وذاك، يجد الطلبة وذووهم أنفسهم في حالة من الترقب والقلق، تؤثر بشكل مباشر على أجواء البيت وتنعكس نفسيا وسلوكيا على الطالب نفسه.
في المقابل، تؤكد وزارة التربية والتعليم في أكثر من تصريح صحفي أن الامتحانات هذا العام لن تختلف عن سابقاتها، وستراعي الفروقات الفردية بين الطلبة، مشددة على أن كونها النسخة الأخيرة من نظام "توجيهي العام الواحد" لا يعني وجود أي تغييرات جذرية على نمط الأسئلة.
والدة الطالب لؤي الشرفا، لا تخفي قلقها من هذه المرحلة، رغم إشارتها إلى أن توقعاتها إيجابية نسبيا. لكنها تدرك أن الأجواء المشحونة على مواقع التواصل، وتعدد الآراء حول صعوبة الامتحانات أو سهولتها، قد تترك أثرا سلبيا على ابنها، لذلك تحاول إبعاده عن كل هذه الضغوط، على أمل أن يركز فقط على دراسته، ويؤدي ما عليه من مسؤوليات، كما تقول.
يقول منذر واصف إن عائلته هذا العام تعيش تجربة استثنائية مع امتحانات الثانوية العامة، إذ تضم نسختين من التوجيهي؛ ابنه من جيل 2007، الذي سيتقدم للنسخة الأخيرة من النظام الحالي، وابنته من جيل 2008، والتي تخوض تجربة النسخة الجديدة للمرة الأولى.
هذا الواقع، كما يصفه زاد من الأعباء النفسية والمادية على الأسرة، ما بين متطلبات الدروس الخصوصية، وحالة القلق والترقب التي يعيشها الأهل مع أبنائهم على المستويين. ويشير منذر إلى أن ابنه يشعر بقلق مضاعف من أن تكون "النسخة الأخيرة" أكثر صعوبة، رغم محاولات المعلمين طمأنته بأنها ستكون سنة عادية، وربما أسهل من سابقاتها.
أما ابنته، فتستحوذ على اهتمام الأسرة بشكل أكبر، نظرا لأنها تتقدم لامتحان غير مسبوق، لا يعرف أحد حتى الآن تفاصيله الدقيقة أو نمطه الكامل، مما يزيد من توترها.
ورغم هذا التوتر، يحرص منذر على أن يكون مصدر طمأنينة لأبنائه، ويحاول أن ينظر للأمر بإيجابية، مؤكدا أن القلق أمر طبيعي، بل صحي أحيانا، حين يكون دافعا للمثابرة والإصرار، خاصة إن كان الطالب ملتزما بدراسته ومستعدا جيدا، فـ "في النهاية، هو امتحان عادي، وليس نهاية المطاف"، كما يقول.
وفي هذه الأيام والساعات الأخيرة قبيل انطلاق امتحانات التوجيهي بنسختيه، تؤكد الاستشارية التربوية الدكتورة سعاد غيث، في حديثها لـ"الغد"، أهمية دور الأهل في هذه المرحلة الحساسة، قائلة: "يجب أن يكون الأهل مصدر الأمان والاحتواء لأبنائهم، لا مصدر ضغط وخوف. هذه مرحلة مراجعة واستعداد نفسي، ويفترض أن نمنح أبناءنا شعور الطمأنينة والثقة قبل تقديم الاختبارات".
لذا، ترى الدكتورة سعاد غيث أن أهم ما يمكن أن يقدمه الأهل في هذه المرحلة هو الدعم النفسي الحقيقي، والابتعاد قدر الإمكان عن الانتقاد أو استحضار إخفاقات سابقة. كما تشدد على ضرورة تجنب تضخيم الأمور وتهويلها، وأن يتحول الأهل إلى مصدر للطاقة الإيجابية والتفاؤل، يشعر الأبناء من خلالهم بأنهم ليسوا وحدهم، بل إنهم محاطون بالدعم والاحتواء مهما كانت النتيجة.
ويتفق كثير من أولياء الأمور، من خلال منشوراتهم وتعليقاتهم عبر مواقع التواصل، على أن للأهل دورا محوريا في تهدئة الأجواء داخل البيت. فالحديث المتكرر أمام الأبناء، والاندماج في تحليلات غير دقيقة لا تستند إلى مصادر رسمية، يساهم بشكل مباشر في مضاعفة التوتر، وقد يؤدي إلى تشتيت الطالب وصرف تركيزه عن الاستعداد الحقيقي، لينشغل بالخوف من المجهول، وهو ما يكون سببا بالإخفاق.
من جهتها، تحاول ميسون ملحم أن تساند ابنتها بطريقتها، من خلال متابعة المواقع التعليمية وصفحات التواصل المتخصصة، بحثا عن نماذج لأسئلة السنوات السابقة. وتعتقد أن الاطلاع على هذه الأسئلة وحلها يساعد الطالبة في التعرف على نمط الامتحان، ويمنحها نوعا من الثقة خاصة في ظل ما يتداوله بعض المعلمين.
تقول ميسون ملحم إنها قامت بجمع ما يقارب 150 صفحة من الأسئلة والنماذج، بعد بحث مكثف عبر المواقع التعليمية وصفحات التواصل، وبدأت تزود ابنتها بها ومراجعتها معها بشكل يومي في الأيام الأخيرة قبيل الامتحان.
ورغم اعترافها بأن هذا الجهد مرهق ومتعب، إلا أنها ترى أن النجاح في هذه المرحلة يستحق هذا العناء، وتتمنى أن يحقق طلبة "توجيهي 2007"، النسخة الأخيرة من النظام الحالي.
من جانب آخر، تؤكد الاستشارية التربوية الدكتورة سعاد غيث أهمية الانتباه لتفاصيل أخرى لا تقل أهمية عن الدراسة، مثل نوعية الغذاء والنوم. وتشير إلى ضرورة أن يحرص الأهل على متابعة نمط حياة أبنائهم خلال هذه المرحلة، بما يضمن حصولهم على قسط كاف من الراحة، وتحقيق التوازن بين الدراسة والاستراحة. ووفق غيث هنالك أهمية للدعم اللفظي وغير اللفظي الذي يقدمه الأهل، فطريقة الكلام ونبرة الصوت وحتى تعابير الوجه تؤثر في نفسية الطالب. وتشير إلى أن بث الطمأنينة والسكينة داخل البيت من شأنه أن يسهل هذه المرحلة على الأبناء، ويمنحهم طاقة إيجابية تعينهم على تجاوز التوتر.
وتنصح الأهل بتجنب العبارات السلبية أو اللوم على ضياع الوقت، بل على العكس، أن يعبروا لأبنائهم عن ثقتهم بهم، ويشعروهم دائما بأنهم قادرون على الإنجاز والتركيز وتحقيق أفضل النتائج.