100 شهيد.. «لا شيء يهدد الاتفاق»!*لما جمال العبسه
الدستور
في اللحظة التي أعلنت فيها دولة الاحتلال الصهيوني استئناف قصفها على قطاع غزة، بدا واضحاً أن اتفاق وقف إطلاق النار لم يكن سوى استراحة تكتيكية، لا نية حقيقية خلفها لبناء سلام أو حتى هدنة قابلة للحياة، فبينما كانت المقاومة تضبط نفسها وتطلب تدخل الوسطاء، كانت إسرائيل تعيد ترتيب أوراقها العسكرية والدبلوماسية، وتخطط لما تسميه «اليوم التالي» وهو يوم لا يحمل أي ملامح للسلام، بل نسخة معدّلة من اتفاق لبنان... اغتيالات، قصف، تحكم بالمعابر، وقتل ممنهج للمرحلة الثانية قبل أن تبدأ، اي اكتفاء بالمرحلة الاولى.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب راعي السلام في منطقة الشرق الاوسط وفي ردّه على التصعيد، بدا وكأنه المايسترو في أوركسترا لا تعزف سوى الفوضى، فبينما تتساقط القنابل، يصر على أن «لا شيء يهدد الاتفاق»، وكأن الضحايا مجرد مؤثرات صوتية في خلفية مشهد دبلوماسي هزيل، ودافع عن الاتفاق بينما بنوده تدفن تحت الانقاض، فهو لا يرى في الدماء سوى «تفاصيل غير مهددة لاستمرار الاتفاق».
لم يكتف بتبرير الغارات، بل قدّم رواية مشوّهة للواقع، قائلا إن ما حدث رد على «اعتداء من حماس»، هذا في وقت لم تخف فيه دولة الكيان الصهيوني أن الهجوم في رفح لم يكن من تنفيذ حماس، بل من أفراد يعارضونها، لكن ترامب، كعادته، لا يدقق في التفاصيل حين تكون الرواية الإسرائيلية جاهزة للتبني.
الأخطر في تصريحاته ليس فقط التبرير، بل التقزيم المتعمد للمقاومة، حين وصفها بأنها «جزء صغير من السلام»، هذا ليس مجرد خطأ لغوي، بل موقف سياسي يعكس رغبة أميركية في اختزال القضية الفلسطينية إلى ملف أمني، وإخراجها من معادلة الشرق الأوسط كركيزة أخلاقية وسياسية، فحين تُختزل فلسطين إلى «حماس»، وتُختزل حماس إلى «مشكلة صغيرة»، يصبح من السهل تبرير القصف، وتقديمه كـ»رد مشروع» على تهديد وهمي.
التصعيد الخطير الذي نجم عنه 100 شهيد في 12 ساعة، يعتبر أخطر انتهاك للاتفاق، ليس فقط من قبل الصهاينة بل من الموافقة الامريكية عليه فقد تم اخطار واشنطن بقرار القصف، لتظهر الان اهم اهداف زيارة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو للقاعدة العسكرية الأميركية الجديدة في إسرائيل، والتي على ما يبدو أنها تدشين رسمي لمرحلة ما بعد الهدنة، حيث تُدار العمليات من داخل غرف أميركية، وتُنفذ بأيدٍ إسرائيلية.
يبدو أن الكيان لا يسعى إلى تنفيذ الاتفاق، بل إلى إعادة تعريفه وفق مصالحه الأمنية، فخطة اليوم الثاني لانتهاء الحرب استمرار الاغتيالات والقصف تحت ذريعة الأمن، والإبقاء على الخط الأصفر كحدود نارية متحركة، مع التحكم الكامل بالمعابر، وتقييد دخول المواد الأساسية، وإدارة ملف الإعمار بما يخدم أهداف التطبيع الاقتصادي، لا إعادة الحياة للفلسطينيين، وهذه إشارة إلى أن المرحلة الثانية من الاتفاق تُدفن قبل أن تولد.
هذا النموذج لا يهدف إلى إنهاء الحرب، بل إلى إدارتها بشكل منخفض الكثافة، مع إبقاء غزة تحت السيطرة دون احتلال مباشر، ما يعني أن الاتفاق لا يمكن أن يصمد إذا استمر العدو الصهيوني في فرض شروطه بالقوة، بينما تُترك المقاومة في موقع الدفاع السياسي والإنساني.
في النهاية، السؤال ليس فقط عن صمود الاتفاق، بل عن النية الحقيقية وراءه.. هل هو خطوة نحو سلام عادل، أم مجرد هدنة تكتيكية تُستخدم لإعادة ترتيب أوراق الاحتلال؟ وهل يمكن لحماس أن تواصل ضبط النفس إلى ما لا نهاية، بينما تُقصف غزة وتُحاصر، ويُعاد تعريفها كـ»جزء صغير» من سلام لا يشملها؟