الدستور
البيوت ليست مقفلة تماماً، فقد تكون كالجرار الفخارية يرشح منها ما يدل على ما تخفيه بين جدرانها. فكم من رجال نحسبهم ملائكة ونسّاكاً بررة تأكل القطة العمياء عشاءهم، رجال من ذوي ربطات العنق اللامعة والبدلات الرفرافة رقيقين كلوح شوكولا، يسوحون خجلاً مع الزميلات والصديقات و الذوبان عذوبة، وفي بيوتهم يكونون صخوراً جلاميد وعنيفين قساة.
هؤلاء لو أفصحت نساؤهم عن سلوكياتهم العدوانية السادية، وعن فنونهم في العنف والتعنيف، وعن براكينهم حين تثور، وزلازلهم إذ يكشرون عن أنيابهم، لتقززنا، وهربنا غير مكتفين بكتم أنوفنا، وعيوننا وأسماعنا!.
أول أمس انطلقت حملة «ال16 يوماً لمناهضة العنف» وهي حملة عالمية تمتد من اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة وحتى يوم حقوق الإنسان (10 كانون الأول). هذه الحملة العابرة للقارات تذكرنا أن العنف ضد النساء والفتيات هو قضية حقوق إنسان أولا وأخيرا.
في أيام الحملة سنحظى بنشرات غسيل لأرقام وحالات مرعبة عن عنف موجه (لنصف الحياة الذي يرعى نصفها الآخر). ودون أن نخرج من حدودنا وتوقعاتنا، فما زالت معدلات العنف ضد المرأة تسجل ارتفاعا مقلقاً ومخجلاً ومثيرا ومحزنا في مجتمع جل أهله متعلمون. فالأمم المتحدة تؤكد على أن امرأة واحدة من كل ثلاث نساء وفتيات تتعرض للعنف الجسدي أو الجنسي خلال حياتها.
ولنتذكر دائماً، أنه ما خفي أعظم، فلا يظهر من جبل الجليد الطافي في الماء إلا ثلثه أو أقل قليل، فلو كشفت بعض من النساء اللواتي يتخذن القاعدة الشعبية (غلب بستيره ولا غلب بفضيحة)، لو كشفن عن البقع الزرقاء لظلال اللكمات، والكدمات، والصفعات، التي علقت بصفحات جلودهن إثر موجات ضرب صاعق من لدن أزواجهن المغاوير؟ وماذا لو قالت كل امرأة عن هذا الذي يبدو وديعاً مطيعاً مع كل نساء العالم، وينقلب ذئباً هصوراً مع شريكته، وأم أولاده؟
ما زال هناك من يعتقد أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وستظل عوجاء، ومهما قومتها، ولن تستقيم إلا بالضرب والعنف، وينسى صاحب هذه النظرة القاصرة الرجعية أن مهمة الضلع، أن يكون منحنياً وحادباً ومعوجاً؛ كي يحمي القلب في قفص الصدر، ويحمي الإنسانية من عوجها. فاستقامة الضلع في إعوجاجه الحاني.
وينسى كذلك أو يتناسى أن المرأة لربما تتحمل إلى حد ما عوج الرجل وهمجيته وعنجهيته، كي تستقيم الحياة. ولكنها ستنكسر في لحظة ما. ربما على هؤلاء أن يتذكروا أكثر أن ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم.