عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Nov-2025

الشتاء في غزة

 الغد

كاثي كيلي* - (كومون دريمز) 12/11/2025
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
بينما يقيمون في أماكن مكتظة وغير صحية؛ وينامون بلا فراش تحت أغطية بلاستيكية ممزقة؛ ويفتقرون بشدة إلى المياه -ما يزال الآلاف من الغزيين في حاجة ماسّة إلى الإمدادات التي تساعدهم على تهيئة مساحات عيشهم لمواجهة الشتاء ولتجنيب أنفسهم خطر أن يموت أطفالهم أو يموتوا هم أنفسهم بسبب انخفاض حرارة الجسم. وتتطلب المهمة الأكثر إلحاحًا لإنهاء الإبادة الجماعية تغطية إعلامية عالمية صادقة لجرائم الحرب الإسرائيلية.
 
 
*   *   *
في يوم السبت، 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2025، كتب دان بيري في صحيفة "جيروزالِم بوست" الإسرائيلية عن الرفع المتوقع للحصار الإعلامي المفروض على غزة. ويأسف بيري على أن الرقابة الإسرائيلية تركت جميع تغطيات الفظائع في أيدي الفلسطينيين الذين يرفضون أن يكونوا صامتين. وقد اغتالت إسرائيل، حتى هذه اللحظة، أكثر من 240 صحفيًا فلسطينيًا.
كتب بيري: "قضت المحكمة العليا الأسبوع الماضي بأن على الحكومة أن تنظر في السماح للصحفيين الأجانب بدخول غزة، لكنها منحت أيضًا تمديدًا لحظر دخولهم لمدة شهر بسبب الوضع غير الواضح بعدُ في القطاع". ويؤكد بيري أن إسرائيل لم يكن لديها في السابق -ولا لديها الآن- أي دافع لاستبعاد الصحفيين الأجانب سوى الحرص على حمايتهم وسلامتهم.
في مقاله، يطرح بيري مناشدتين. الأولى هي المطلب المخادع بأن على إسرائيل أن تستغل فترة الشهر التي منحتها المحكمة لإخفاء الأدلة على الفظائع التي ارتكبتها. ويكتب: "قريبًا سيدخل الصحفيون والمصورون إلى غزة... وسوف يجدون مشاهد مروّعة. ولذلك، فإن المهمة العاجلة لإسرائيل هي التوثيق بأثر رجعي لتحضير التفسيرات في نهاية المطاف، لإظهار... أن ’حماس‘ كانت تعمل من المستشفيات والمدارس ومخيمات اللاجئين". وبكلمات أخرى، دفن الحقيقة مع الجثث.
أما المطلب الثاني فكان كالتالي: بما أن إسرائيل في هذا الصراع لم تفعل مطلقًا أي شيء يمكن أن تتمنى إخفاءه، فإن عليها أن تتعلم ألا تفرض تعتيمًا إعلاميًا مطلقًا والذي من المرجّح كثيرًا أن يثير الشكوك.
في الحقيقة، لا يسعني سوى أن أشعر بشتاء بارد وقاسٍ يخيّم على أرواح أولئك المتحالفين مع منظور دان بيري.
الآن، ثمة شتاء قاسٍ وبارد يقترب من غزة. ما الذي سيواجهه الفلسطينيون في غزة بينما تنخفض درجات الحرارة وتصل عواصف الشتاء؟
وفق ما ذكرته وكالة الأناضول التركية: "يواصل الفلسطينيون في قطاع غزة المعاناة من الجوع تحت سياسة تجويع جديدة هندستها إسرائيل، والتي تسمح بدخول السلع غير الأساسية فقط إلى القطاع بينما تمنع الإمدادات الأساسية من الطعام والدواء... وتخفي رفوف المتاجر المكدسة ببضائع استهلاكية غير أساسية أزمة إنسانية خانقة قامت إسرائيل بتصميمها عمدًا لتجويع الفلسطينيين".
تقول آية أبو قمر، وهي أم فلسطينية لثلاثة أطفال من غزة، لوكالة الأناضول: "لم أعثر على البيض أو الدجاج أو الجبن منذ بدأ دخول الإمدادات الغذائية إلى قطاع غزة. كل ما أراه هو الشوكولاته والمأكولات الخفيفة والقهوة سريعة التحضير. هذه ليست احتياجاتنا اليومية"، وأضافت: "نحن نبحث عمّا يُبقي أطفالنا على قيد الحياة".
في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2025، أطلق "المجلس النرويجي للاجئين" إنذارًا مشابهًا بشأن القيود الإسرائيلية التي تمنع بقسوة دخول لوازم الشتاء إلى القطاع. وتؤكد أنجيليتا كارِدّا، المديرة الإقليمية للمجلس: "بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على وقف إطلاق النار، كان ينبغي أن تتلقى غزة تدفقًا كبيرًا من مواد المأوى، ولكن لم يدخل سوى جزء بسيط مما كان يجب أن يدخل".
وجاء في التقرير: "هناك الملايين من مواد الإيواء والمواد غير الغذائية ما تزال عالقة في الأردن ومصر وإسرائيل بانتظار الموافقات، مما يترك نحو 260,000 عائلة فلسطينية، أي ما يقرب من 1.5 مليون شخص، مكشوفين أمام ظروف تزداد سوءًا. منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في 10 تشرين الأول (أكتوبر)، رفضت السلطات الإسرائيلية ثلاثة وعشرين طلبًا من تسع وكالات إغاثية لجلب لوازم إيواء عاجلة مثل الخيام ومواد اللحام والتأطير، والفراش، وأطقم المطبخ والبطانيات، التي تصل كميتها إلى ما يقرب من 4.000 منصة شحن. وتحذّر المنظمات الإنسانية من أن نافذة توسيع وصول المساعدات الشتوية تنغلق بسرعة". ويلاحظ التقرير أنه، على الرغم من وقف إطلاق النار، واصلت إسرائيل مذابحها الممكننة وتشديد الخناق على المساعدات.
كتب محمد شحادة في مجلة "972+" الإسرائيلية: "بفرضها ما يسمّى بـ’الخط الأصفر‘، قسمت إسرائيل القطاع إلى قسمين: غزة الغربية، التي تشكل 42 في المائة من مساحة القطاع حيث ما تزال ’حماس‘ مسيطرة، ويحتشد فيها أكثر من مليونَي شخص؛ وغزة الشرقية، التي تشمل 58 في المائة من أراضي القطاع، وقد تم إفراغها بالكامل من المدنيين الفلسطينيين وتسيطر عليها القوات الإسرائيلية وأربع عصابات وكيلة" -في إشارة إلى أربع ميليشيات مدعومة من الجيش الإسرائيلي تطرحها إسرائيل باعتبارها بديلًا "شرعيًا" لحركة "حماس".
إذا ما تم إحصاؤها يومًا، قد يرفع عدد الجثث المدفونة تحت مباني غزة المدمّرة حصيلة قتلى هذه الإبادة إلى ستة أرقام. وتقدّر الأمم المتحدة أن كمية الركام في غزة يمكن أن تبني 13 هرمًا من أهرامات الجيزة.
يكتب بول آدامز لـ"هيئة الإذاعة البريطانية" (بي. بي. سي) أن "الحجم الهائل للتحدي مذهل. تقدر الأمم المتحدة تكلفة الأضرار بـ53 مليار جنيه إسترليني (70 مليار دولار). وقد تضرر أو دُمّر ما يقرب من 300.000 منزل وشقة، وفقًا لمركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة (يونوسات)... ويمتلئ قطاع غزة بـ60 مليون طن من الأنقاض المختلطة مع القنابل غير المنفجرة والجثث المتحللة".
لا أحد يعرف كم هو عدد الجثث التي تتعفن تحت الركام. وتحوم هذه الجبال من الركام فوق الإسرائيليين الذين يعملون -استباقًا لعودة الصحافة العالمية- على صياغة رواياتهم المضادة؛ لكنها تحوم أيضًا فوق الغزّيين الناجين الذين يكافحون، وسط بؤس لا ينقطع، من أجل تأمين احتياجات أحبّائهم من الناجين.
بينما يقيمون في أماكن مكتظة وغير صحية؛ وينامون بلا فراش تحت أغطية بلاستيكية ممزقة؛ ويفتقرون بشدة إلى المياه -ما يزال الآلاف من الغزيين في حاجة ماسّة إلى الإمدادات التي تساعدهم على تهيئة مساحات عيشهم لمواجهة الشتاء ولتجنيب أنفسهم خطر أن يموت أطفالهم أو يموتوا هم أنفسهم بسبب انخفاض حرارة الجسم. ويوجد الحل الأسهل والأوضح لمأساتهم في مكان قريب بطريقة تبعث على الغواية: المنازل التي يحتجزها مضطهدوهم الإباديون.
في الدول الغنية، قد يرتجف المراقبون من أمثال دان بيري خوفًا على سمعة إسرائيل، ويتوقون إلى الاندفاع إلى هناك لإخفاء جرائم إسرائيل وتغطيتها بمبررات تدّعي الصلاح الذاتي. لكنّ هذه بالطبع هي جرائمنا نحن أيضًا.
لا يمكن لقلوبنا أن تفلت من عويل الشتاء إلا إذا أخذنا، بقدر أكبر بكثير من الجدية، جحيم الشتاء واليأس الذي نواصل إخضاع الفلسطينيين في غزة له.
ليس ثمة سلام في غزة. وعسى أن لا نجد نحن السلام حتى نقوم بإصلاح ذلك. 
 
*كاثي كيلي Kathy Kelly: كاتبة وناشطة سلام أميركية بارزة، كرّست حياتها لمناهضة الحروب والدفاع عن حقوق الإنسان في مناطق النزاع حول العالم. شاركت في تأسيس حركة "أصوات من أجل لاعنف خلاق" (Voices for Creative Nonviolence)، وقامت بمهام ميدانية متعددة في العراق وأفغانستان وغزة وغيرها، حيث وثّقت آثار الحصار والقصف والإفقار على المدنيين، كما تعرضت للاعتقال مرارًا نتيجة مشاركاتها في أعمال عصيان مدني احتجاجًا على السياسات العسكرية الأميركية. تشغل كيلي منصب رئيسة مجلس إدارة منظمة "عالم تجاوَز الحرب" World BEYOND War، وتُعدّ من أحد أبرز الأصوات الأخلاقية التي تدعو إلى إنهاء الحروب، وتفكيك صناعة السلاح، ومحاسبة الأنظمة المتورطة في جرائم الحرب، وقد ساهمت في إطلاق "محكمة جرائم حرب تجار الموت" Merchants of Death War Crimes Tribunal بهدف مساءلة شركات الأسلحة عن دورها في الدماء التي تسيل حول العالم.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Winter in Gaza