عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Jun-2025

تفكيك النظام الإيراني: من تحييد الأذرع إلى اختراق العمق*د.عامر سبايلة

 الغد

صحيح أن استهداف إيران من قبل إسرائيل لم يكن مفاجئًا من حيث التوقيت أو النية، إلا أن طبيعة العملية الأخيرة تشير إلى مرحلة جديدة تتجاوز كونها ردًا عسكريًا محدودًا. نحن أمام إستراتيجية واضحة تهدف إلى تفكيك النظام الإيراني من الداخل، بعد سنوات من العمل الاستخباراتي المعقّد وطويل الأمد. ما يجري هو نسخة متقدمة من استخدام "عامل المفاجأة" الذي طُبّق سابقًا في لبنان، في تفجير "البيجر" الشهير ضد حزب الله، لكن مع تطور نوعي في التنفيذ والتخطيط، عبر تصفيات دقيقة تثير تساؤلات عميقة حول حجم الاختراق الإسرائيلي في الداخل الإيراني، وهوية الأطراف المتعاونة معه من داخل المنظومة الأمنية الإيرانية.
 
 
بداية هذا المسار تعود إلى الوفاة الغامضة للرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، والتي شكلت بداية اهتزاز داخلي تزامن مع انهيار متسارع للمنظومة الإيرانية في الإقليم، بدءًا من لبنان وصولًا إلى سورية. لذا، لا يمكن النظر إلى ما تقوم به إسرائيل اليوم كحادثة عابرة، بل كنتاج تراكمي لعملية طويلة بدأت بتحييد الأذرع الإيرانية في محيط إسرائيل: من غزة والضفة الغربية، إلى حزب الله في لبنان، وصولًا إلى استهداف العمق اللوجستي للحرس الثوري في سورية، والذي كان يشكل العمود الفقري لفكرة "وحدة الساحات" التي كانت إيران تراهن عليها كوسيلة لردع إسرائيل.
 
أما التحول الأبرز، فيتمثل في استهداف العمق الإيراني مباشرة، في خطوة تعكس قناعة إسرائيلية بأن قدرة إيران على تصدير أزماتها إلى الجغرافيا المحاذية لإسرائيل قد وصلت إلى نهايتها. هذا التحول الإستراتيجي جاء في ظل انسحاب الولايات المتحدة من بعض جبهات المواجهة، خصوصًا في اليمن، ما أعطى إسرائيل فسحة أوسع للتحرك وتنفيذ عمليات نوعية وصلت إلى المجال الجوي الإيراني، الذي كانت قد اخترقته سابقًا في أكثر من مناسبة.
المرحلة الحالية يمكن تسميتها بـ"مرحلة تفكيك الحرس الثوري في الداخل"، بعد أن جرى تحييد أذرعه الإقليمية. ومع ذلك، فإن وتيرة ودقة هذه العمليات تفتح الباب لتساؤلات حول طبيعة الضربات المقبلة، ومدى قدرة النظام الإيراني على الصمود في وجهها، لا سيما أن عنصر المفاجأة لم يعد في صالح طهران، بل بات أداة فعّالة بيد إسرائيل.
الخيارات المتاحة أمام إيران تبدو محدودة جدًا. فبعد تفكيك أدواتها في الخارج، تواجه الآن ضغوطًا داخلية قد تفسّر على أنها محاولة لدفع الشعب الإيراني إلى التحرك، ما يفتح احتمال انتقال الأزمة إلى الداخل. ولهذا لم يكن مستغربًا أن يدعو الرئيس الإيراني الشعب للالتفاف حول النظام، مستثمرًا فكرة "العدوان الخارجي" كوسيلة لضبط الداخل، رغم أن مفاعيلها تبدو أضعف من أي وقت مضى.
إسرائيل، من جهتها، تبدو قد حققت تفوقًا استخباراتيًا غير مسبوق، لا على إيران فقط، بل حتى على حلفائها وخصومها في آن معًا. هذا التفوق يُستثمر اليوم في ظل مناخ سياسي دولي مناسب: تعثر في مفاوضات النووي، تحذيرات من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتصريحات أميركية تعكس أن إيران قد تكون أمام آخر فرصة للتفاوض قبل مواجهة "رد غير تقليدي"، كما وصفه الرئيس السابق دونالد ترامب.
هذا الهجوم الإسرائيلي يمكن اعتباره نقطة قص الشريط لفكرة إنهاء النظام في إيران إما كاملاً أو بشكله القديم. فالرد الإيراني المحتمل بات موضع شك، خصوصًا مع انهيار أدوات المواجهة الإقليمية. لم تعد إيران قادرة على شن حرب شاملة، ولا على نقل المواجهة إلى داخل إسرائيل. المعادلة الآن واضحة: إما أن ترد إيران بشكل مباشر ومؤثر، أو أن تستمر في تلقي الضربات الإسرائيلية التي قد تذهب بعيدًا نحو تحييد النظام الإيراني بالكامل، من الداخل كما كانت قد حيدته سابقاً من الخارج.