عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Oct-2025

هل يعيد الشرق الأوسط.. «سخريته» من نهاية التاريخ*محمد صابرين

 الدستور

في معظم الأحيان يربك الشرق الأوسط الكثير من الخبراء، وكلما لاح في الأفق أن ثمة نهاية للتاريخ، تصدم المنطقة الكثيرين بأن ما شاهدوه مجرد نهاية فصل، وليس نهاية التاريخ.
ولطالما ابتلعت رمال الشرق الاوسط المتحركة أوهام جامحة، وذلك من عينة نصر حاسم، وتحالفات متينة سوف تغير الشرق الأوسط. وكثيرا ما حمل اليوم التالي أو الأيام والشهور بل والسنوات التالية حقيقة مرة.
 فالانتصار لم يكن كاسحا، ورغم هزيمة 1967 عادت مصر والعرب «الجثة الهامدة» لتحقيق نصر أكتوبر 1973 العظيم، وتعيد القاهرة أرضها بالحرب والسلام.
ويبدو أن إسرائيل لاتدرك انها في مواجهة الخصم الذي لا يسقط، ولا يستسلم رغم الخسائر الجسيمة في صفوفه، والتحالفات مؤقتة فوق أرضٍ رخوة. وآخر من يبدو أنه سوف يتذوق كأس مرارة الواقع في الشرق الاوسط هو بنيامين نتنياهو.
ومن السخرية المريرة أن «الوجه الجديد» للشرق الأوسط الذي تحدث عنه نتنياهو كثيرا بغطرسة، وفقا لرؤية إسرائيل، وجرى رسمه بالحديد والنار، هو في الواقع شرق أوسط أكثر تسلّحًا وتوترًا، تتسارع فيه وتيرة سباقٍ نووي محتمل، فيما يتضاءل رصيد الردع الإسرائيلي.
ومن الواضح الآن بعد عامين على هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023، أن نتنياهو يجد نفسه أمام واقع مغاير تمامًا لِما وعد به. وذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أنه بينما بشّر نتنياهو في أكثر من مناسبة بأن الحرب في غزة «غيّرت وجه الشرق الأوسط»، تكشف الوقائع أن ما تغيّر فعلًا هو موقع إسرائيل داخل هذا الشرق الأوسط الجديد؛ من محورٍ يُفترض أنه منتصر، إلى دولةٍ محاطة بجبهاتٍ متوترة وتحالفاتٍ مائعة، وبيئةٍ إقليميةٍ يُنظر إليها اليوم كمصدر تهديد لا كشريك محتمل.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في ديسمبر 2024، قال نتنياهو متفاخرًا: «لقد غيّرنا وجه الشرق الأوسط، سوريا ليست كما كانت، ولبنان ليس كما كان، وحتى إيران لم تعد كما كانت؛ لكن بعد مرور أكثر من 600 يوم من الحرب، تبدو إنجازاته الميدانية أقرب إلى مكاسب مؤقتة على رقعة شطرنج مضطربة، لا إلى تحولات جذرية في معادلة القوة.
وفي ذات الوقت تفاخر نتنياهو بأن إسقاط نظام بشار الأسد نهاية 2024 كان من أبرز «انتصارات إسرائيل الإستراتيجية»، لكن المشهد السوري الراهن يكشف عن هشاشة هذا الادعاء.
 كما بدأت القوى التي دعمت قيام هذا النظام، من واشنطن إلى الرياض وأنقرة، تمارس ضغوطًا متباينة عليه، في وقت تحاول فيه إسرائيل الحصول على ترتيبات أمنية جديدة تضمن لها عمقًا في الجولان وتقيّد تحركات إيران جنوب دمشق.
لكن الطموح الإسرائيلي يصطدم برؤية مختلفة لدى شركاء التحالف العربي – الغربي، الذين يريدون سوريا موحّدة ذات سيادة، لا دولة مُقسّمة إلى كانتونات عرقية كما يرغب نتنياهو، وهو ما يجعل «النصر الإسرائيلي» في سوريا أقرب إلى شيك سياسي مؤجل الصرف قابل للسقوط بمجرد أن تتبدّل التحالفات أو أن يتفجّر التوتر الداخلي.
ويري الخبراء أن في لبنان، في لحظة ما بدت عملية اغتيال حسن نصر الله نهاية «دولة حزب الله» بمثابة إنجازٍ إستراتيجي لإسرائيل؛ فقد انقطع الخط الإيراني الممتد من طهران إلى بيروت، وتراجعت قدرات الحزب العسكرية والتنظيمية، بينما أعلنت الحكومة اللبنانية الجديدة التزامها بنزع سلاح الميليشيات.
لكن خلف هذا المشهد المتفائل، تكمن معادلة هشّة؛ فحزب الله، رغم فقدانه رأسه السياسي والعسكري، لا يزال متجذرًا في البنية الاجتماعية والسياسية اللبنانية، وأي محاولة لعزله بالقوة قد تشعل حربًا أهلية جديدة.
 إلى جانب ذلك، يرزح لبنان تحت انهيار اقتصادي غير مسبوق، لا يمكن تجاوزه دون استقرار أمني حقيقي. وهنا يظهر التناقض الجوهري في الحسابات الإسرائيلية: فإضعاف حزب الله لم يُنتج لبنان أكثرَ استقرارًا، بل بلدًا على حافة انفجارٍ جديد.
ومن ناحية أخرى تعتبر إسرائيل والولايات المتحدة أن ضرب المنشآت النووية الإيرانية كان ذروة حرب «الجبهات السبع»؛ لكن التقييم الواقعي يظهر أن التهديد الإيراني لم يُزَل بل تحوّل، وصحيح أن نفوذ طهران تراجع في سوريا ولبنان، إلا أنها لم تُهزم إستراتيجيًّا، ولا تزال تمسك بأوراق ضغط إقليمية مؤثرة.
وبالرغم من أن إيران، خسرت جزءًا من نفوذها، فقد أعادت التموضع بمرونة؛ فهي تواصل دعم الحوثيين الذين أصبحوا فاعلًا مستقلًّا في اليمن، وتحتفظ بنفوذها السياسي داخل العراق رغم ضعف أدواتها العسكرية، وتصرّ على حقها في تخصيب اليورانيوم رغم العقوبات.
ومع تصاعد الحديث عن إعادة تفعيل آلية «الزناد» لإعادة فرض العقوبات، تبدو طهران مستعدة للمواجهة الدبلوماسية وربما الأمنية، حتى لو أدى ذلك إلى انسحابها من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وتبقى قمة السخرية هي كيف بدأت إسرائيل من قمة الزهو بقربها من سلام بدون إرجاع الأرض، وعالم بدأ يعود نفسه على إلحاح القضية الفلسطينية، والذهاب بعيدا في عملية تطبيع مع دول الجوار بدون أثمان. وقبل أيامٍ من هجوم «طوفان الأقصى»، قال نتنياهو من على منبر الأمم المتحدة إن إسرائيل «على أعتاب سلامٍ تاريخي» سيُنهي الصراع العربي الإسرائيلي.
وبينما كان نتنياهو يسعى إلى «خريطة فرص» تكرّس إسرائيل محورًا للأمن الإقليمي، أسفرت الحرب الطويلة عن خريطة تهديدات جديدة، في مقدمتها: تراجع مكانة إسرائيل الدولية، واعتبارها دولة منبوذة في المحافل الأكاديمية والثقافية.
وتظهر السنوات التي أعقبت السابع من أكتوبر أن ما سمّاه نتنياهو «تغيير وجه الشرق الأوسط» لم يكن سوى إعادة تدوير للأوهام القديمة؛ فالشرق الأوسط لم يتغيّر لصالح إسرائيل، بل ضدها؛ حيث إن تحالفاتها المؤقتة تتآكل، وخصومها يعيدون التموضع، والدعم الغربي يتآكل تحت ضغط الرأي العام العالمي. وبدلا من التطبيع فقد انطلقت بقوة إلى العزلة. ولا يتبق سوي رحيل نتنياهو من فوق المسرح السياسي إلى السجن في إسرائيل أو القبض عليه كمجرم حرب، ومحاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية. قد تبدو النهايات غريبة، ولكن هكذا عودنا الشرق الاوسط.