عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Oct-2025

تحذيرات بالخليج من التراخي في ضبط المحتويات المزيّفة

 تصاعد الاحتيال يثير دعوات لتشديد مسؤولية «التواصل الاجتماعي» ومحرّكات البحث

 
الشرق الاوسط-الرياض: مساعد الزياني
 
مع تنامي استخدام الشبكات الرقمية في دول مجلس التعاون، تشهد دول الخليج تصاعداً واسعاً في مكافحة عمليات الاحتيال عبر القنوات الرقمية، إذ يستغلّ المحتالون منصات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث لانتحال شخصيات عامة واستغلال أسماء مؤسسات معروفة؛ بغرض استدراج المستخدمين.
 
وعلى الرغم من الجهود التنظيمية والتقنية والتوعوية التي تبذلها الحكومات الخليجية، تتعالى تحذيرات من «تراخي» بعض المنصات في ضبط المحتوى المزيّف؛ ما يسهّل انتشار حملات التضليل وانتحال الهوية عبر حسابات مزيفة ونتائج بحث مضلِّلة.
 
وشدَّد الأمير خالد بن الوليد بن طلال، رئيس الاتحاد السعودي للرياضة للجميع، على ضرورة مشاركة شركات التكنولوجيا الكبرى بشكل أكبر في تلك المكافحة، وعلى أنَّ استمرار نشاط الحسابات والمواقع المزوّرة، رغم كثافة البلاغات، أمر «يبعث على القلق».
 
ثم قال: «شركات التواصل الاجتماعي تجني مليارات من هذه المنطقة، وعليها واجب واضح في حماية المستخدمين. الاستجابة البطيئة لإدارة المحتوى العربي ونتائج البحث الزائفة تعني ترك الناس عرضةً للاستغلال». قبل أن يشير إلى أنّ استغلال اسم العائلة ومؤسساتها الخيرية زاد من خطورة هذه العمليات «لأن الناس يثقون بالنية الطيبة ويرون جهة خيرية موثوقة، فيغدو بعضاً من فئات المستخدمين هدفاً للاحتيال».
 
 
ولفت إلى أنّ كثيراً من «الوزراء وأفراد الأسر الحاكمة وكبار الشخصيات في دول مجلس التعاون تعرّضوا لحملات مشابهة».
 
تكتيكات خداع
 
يبدأ كثير من هذه العمليات بحسابات على منصات التواصل، أو صفحات إلكترونية مُصمَّمة بإتقان لتماثل المواقع الرسمية، ويُبَثُّ عبرها محتوى مثير يتناول الحياة الخاصة لشخصيات عامة أو يروِّج لأخبار غير صحيحة لزيادة المتابعة والمشاهدة. ومع ازدياد التفاعل، تُحوَّل الدفة سريعاً إلى محادثات عبر تطبيقات مراسلة، لا سيما تطبيقات المحادثة المباشرة، أو إلى روابط خارجية تطلب «رسوم تسجيل» أو مشاركة في «سحب جوائز» أو «منح» مزعومة. وغالباً ما تستدرج المستخدمين لتحويل مبالغ صغيرة في البداية، قبل أن تتطور المطالبات إلى مبالغ أكبر تحت ذرائع «توثيق الهوية» أو «تسريع المعاملة».
 
وتسجِّل حملات الاحتيال نجاحها الأكبر عندما تقرن الإيحاءات العاطفية بالسلطة الرمزية، من خلال صور وشعارات لمؤسسات خيرية معروفة، أو أسماء شخصيات عامة، أو مقاطع «مؤثرة» مُنتَجة بمهارة.
 
ولقد روَّجت إحدى الحملات الزائفة أخيراً لادعاء غير صحيح عن «زواج» الأمير خالد بن الوليد بن طلال من مسؤولة تنفيذية، في محاولة لجذب الانتباه، ثم البناء على الزخم لخداع مزيد من المستخدمين مالياً.
 
وللعلم، هذه القصص المصنوعة تُبنى بعناية من خلال عنوان مثير، أو فيديو قصير عالي الإيقاع، أو وصف موجز يتضمّن وعوداً أو إيحاءات، ثم روابط خارجية تقود إلى عمليات الاحتيال.
 
الذكاء الاصطناعي يضاعِف حجم الخطر
 
يشدِّد الأمير خالد بن الوليد بن طلال على أنّ مكافحة هذه الظاهرة «تتطلب جهداً جماعياً من المنصّات ومحرّكات البحث؛ لتعزيز الوعي الرقمي ومواجهة المحتوى المزيف الذي ينتشر بسرعة هائلة بفضل الذكاء الاصطناعي»، لكون التطوّر في أدوات التوليد جعل الصور والفيديوهات والصوتيات قابلة للاستنساخ على نحو يضلّل حتى المستخدمين المتمرّسين.
 
ويضيف: «على المستخدمين تعلم التحقق ممّا يشاهدونه، لأن التكنولوجيا جعلت خلق واقع غير حقيقي أمراً سهلاً، ومن الطبيعي أن يكون نشر ثقافة التحقق جزءاً أساسياً من مسؤوليات المنصات نفسها، فهي تبني هذه البيئات وتستفيد منها مالياً».
 
وهنا تبرز فجوة ملحوظة تتمثل في أن الخليج من أكبر أسواق استخدام المنصات الاجتماعية عالمياً، غير أنّ قدرات الإشراف على المحتوى العربي في شركات التواصل الاجتماعي ما زالت محدودة قياساً بالحجم والنمو. ووفق الأمير: «نبلغ باستمرار عن الحسابات والمواقع المزيفة، لكن الردود بطيئة جداً. وكل ساعة من التأخير تسمح للمحتالين بإيقاع مزيد من الضحايا. وهكذا، على الشركات توظيف فرق محلية تعرف اللغة والسياق الثقافي، وتفهم كيف يُستغل الناس في هذه المنطقة».
 
تحدٍ تقني متجدّد
 
من زاوية تقنية، يرى مات سوش، المؤسِّس والرئيس التنفيذي لشركة «إنيدون» والمتخصص في الأمن السيبراني والتحقيقات الرقمية، أنّ المنصات «تواجه تحدياً معقّداً، لأنّ المحتالين لا يستغلون قنوات التواصل فحسب، بل يوظفون أيضاً المكالمات الهاتفية والبريد الإلكتروني وتطبيقات المراسلة. وأنَّ أنظمة الكشف، رغم تطوّرها، لا تستطيع رصد جميع الحالات».
 
ويضيف: «المهاجمون يطوِّرون أساليبهم باستمرار لتجاوز الدفاعات. ومع انتشار المحتوى المُنتَج بالذكاء الاصطناعي وتقنيات التزييف العميق، باتت طرائق الهجوم أعقد وتتحدّى قدرات الكشف التقليدية».
 
ثم يشير سوش إلى حجم السوق الهائل للحلول التقنية المضادّة، لافتاً إلى أنَّ أمن البريد الإلكتروني وحده يقدَّر بمليارات الدولارات، وأنَّ تقارير رسمية سجَّلت خسائر بمليارات جرَّاء «الاحتيال في البريد الإلكتروني التجاري»، لتأتي في مرتبة متقدمة بين الجرائم الإلكترونية من حيث التكلفة. ويفيد بأنَّ منع العائدين بحسابات جديدة بعد تعطيل القديمة «لا يزال تحدّياً قائماً»؛ بسبب الإفراط في مشاركة المستخدمين لبياناتهم الشخصية، والطبيعة المجزّأة للمنصات التي تُصعِّب التنسيق. ويتابع: «عندما تُحظر جهة على منصة، تنتقل ببساطة إلى أخرى - على حد وصفه – الأمر الذي يستدعي تعاوناً وتنسيقاً أوسع بين جميع أطراف النظام البيئي الرقمي».
 
«إرادة فعلية»... وقوانين رادعة
 
من جهة ثانية، يقول أشرف زيتون، الرئيس السابق للسياسات العامة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «ميتا»، إنَّ المنصات «تملك الموارد المادية والبشرية والتقنية الكافية للتعامل مع الأخبار المُضلِّلة، سواء عبر أدوات متاحة أو قابلة للتطوير... لكن ما ينقص هو عنصر الإرادة الفعلية». ويردف: «لا يبدو أنَّ إدارات المنصات معنيّة بما يكفي؛ فالنموذج الربحي يستفيد من سرعة انتشار الأخبار الزائفة ومدى التفاعل معها، وهو ما يُترجَم إلى إيرادات إعلانية».
 
ولذا، يقترح زيتون «سنّ قوانين صارمة بعقوبات مالية كبيرة على المنصّات التي لا تتعامل بفاعلية وسرعة مع الأخبار المضللة وانتحال الشخصية»، عادّاً أنّ هذه المقاربة «ستؤثر مباشرة في نموذج الأعمال، وتخلق حوافز داخلية للاستثمار في فرق الإشراف المحلية، وتطوير أدوات كشف أدقّ للغة العربية ولهجاتها، وتسريع الاستجابة لبلاغات المستخدمين».
 
بين التوعية والمسؤولية
 
يشار إلى أن التحذيرات تزامنت مع مسار تشريعي وتنظيمي خليجي آخذ في التشدد حيال المحتوى الرقمي والمعلومات المُضلِّلة. وبالتوازي، باتت التوعية بالحصول على المعلومات من الحسابات الموثّقة والمصادر الرسمية محوراً ثابتاً في الحملات التثقيفية. غير أنَّ غياب هذه القضية عن أولويات شركات التواصل ومحركات البحث - وفق تأكيدات المتابعين - يجعل الحدَّ من الظاهرة أكثر صعوبة.
 
ويرى خبراء أنَّ المعادلة الفعَّالة تقوم على بضع ركائز متكاملة، تتمثّل في: تعزيز الإشراف المحلي على المحتوى العربي، وتطوير الأدوات التقنية لرصد السلوك الاحتيالي، وتحسين الربط بين المنصات لتتبع الجهات نفسها عبر قنوات متعددة، بالإضافة إلى رفع كفاءة مسارات البلاغات، وإتاحة قنوات خاصة للحالات التي تتضمَّن انتحال شخصيات عامة أو مؤسسات خيرية، وبرامج توعية مستمرة.
 
اختبار الصدقية
 
وبالنسبة للمنصّات، تُشكِّل هذه الظاهرة اختباراً مباشراً لصدقيتها في أكبر أسواقها نمواً، إذ إن القدرة على التوفيق بين حرية التعبير، واعتبارات السلامة الرقمية، ومقتضيات نموذج الأعمال القائم على الإعلانات، تتطلّب قرارات استثمارية وإجرائية من توسيع فرق الإشراف المحلي، إلى تحسين نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة باللغة العربية، وصولاً إلى الإفصاح الدوري عن نتائج مكافحة التضليل والاحتيال بلغات المنطقة، وبشكل قابل للتدقيق.
 
وحقاً، يظل العالم التقني عالماً عميقاً يحتاج إلى ضبط إطار تنظيمي، حيث تتقاطع رسائل المسؤولين والخبراء عند نقطة واحدة، مفادها أنه «لا يمكن محاربة الاحتيال الرقمي بالمبادرات المتقطعة». وهذا بينما أصبح المطلوب إطار مستدام يجمع المنصات والجهات التنظيمية والمجتمع المدني، يوازن بين الابتكار والحماية، ويرفع تكلفة المخالفة على الجهات المُضلِّلة، ويعيد الثقة إلى الفضاء الرقمي.