عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Jul-2025

واشنطن بلا متسولين!* بشار جرار
الدستور - 
الناس أحرار فيما يقررون وإن كان التسكع أو التسول! تلك بعض الإجابات التي سمعها زوار واشنطن وعواصم أخرى في دول ثرية، كلما شهدوا أفرادا بلا مأوى أو متسولين.
في ولايته الأولى لم يخف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب امتعاضه من أي مظهر لا يعزز مكانة أمريكا وصورتها أمام العالم، سيما أن في المشهد قرب البيت الأبيض ووزارات سيادية ومعالم العظمة الأمريكية ما يتعدى ظاهرة التشرد والتسول والتوسل، اضطرارا أو اختيارا.
ما من زائر أو مقيم في واشنطن ونيويورك ولوس أنجليس ومدنا كبرى أمريكية إلا وشهد ما يثير القلق وأحيانا الخوف، حيث تزايدت شرائح الفئة الموصوفة عموما ب «هومْ لِسْ» -تلك التي لا مسكن أو مأوى لها- إلى شرائح فرعية، لنقُل أن جميعها تستحق التعاطف، لكن بعضا منها يستحق ما هو أبعد من مجرد تقديم وجبة طعام  أو شُربة ماء أو بضع دولارات أو قسيمة شراء من مطاعم الوجبات السريعة لضمان عدم صرف الصدقات على نحو آخر، سيما شراء السموم المسماة المخدرات أو الكحول والسجائر بأنواعها.
دراسات ميدانية وأخرى أكاديمية زادت -وعلى مدى عقود- من الضغوط على صناع القرار، بمن فيهم المتبرعون من ذوي الضمائر الحية، إلى ضرورة الوقوف على الحجم الحقيقي للمشكلة بشكل تفصيلي، يفرّق بين من تقطعت بهم أسباب الحياة كفقدان مصدر الدخل أو الإعاقة أو المرض، من جهة، وأولئك الذين يعانون مشاكل الإدمان أو الانحراف السلوكي بأنواعه ودرجاته أو المرضى النفسيين والعقليين، من جهة أخرى.
أكثر ما حرك مشاعر الراصدين لتلك الظاهرة صور المحاربين القدامى ومنهم من خاض عدة جولات في حروب للدفاع عن أمريكا ومصالحها وحلفائها وقد تقطعت بهم السبل، في الوقت الذي قامت فيه مدن بإدارات ديموقراطية بتفضيل تقديم العون المالي والمادي وحتى المعنوي لمهاجرين شرعيين وغير شرعيين، منهم من اقترف جرائم بحق المواطنين الأمريكيين والسياح والمقيمين والمهاجرين القانونيين، كما سجلت حالات مرتفعة في مدن نيويورك ولوس أنجليس وشيكاغو وبوسطن.
بأمر تنفيذي، يريد ترمب إقفال الملف برمته، على أن يبدأ من العاصمة واشنطن، رغم أن عمدتها من الحزب الديموقراطي ومن مناوئيه منذ الولاية الأولى وحملته الانتخابية الرئاسية الثانية. بعد تعاونها في إزالة ميدان «حياة السود مهمة» من قلب واشنطن دي سي، يأمل ترمب بالتعاون مع مورييل باوزر بإخلاء جميع المشردين والمتسولين بحيث يتم تقديم المسكن والرعاية اللازمة لمستحقيها، فيما يتم إيداع المرضى النفسيين والعقليين والمدمنين في الأماكن اللائقة برعايتهم صحيا واجتماعيا، ريثما تتم إعادة تأهيلهم على نحو يحفظ كرامتهم الإنسانية أولا، ومن ثم أمن وصورة واشنطن كعاصمة لأمريكا التي تعهد بأن يجعلها «عظيمة مجددا» في حملته الانتخابية الرئاسية الأولى.
حتى القرار من هذا النوع، وجد من يعارضه باسم حرية الاختيار! وكأن كرامة الإنسان وأمنه تتعارض مع ذلك، اللهم إلا إن كان في الأمر دوافع ومصالح أخرى تدخل في إطار المماحكة والنكاية السياسية والانتخابية.
للأسف، بعض الإجراءات الحاسمة قاسية في طبيعتها، وحتى تنجح -أي إدارة- لا بد من حسن الإعداد لها وتهيئة المزاج والرأي العام ليس فقط لقبولها، وإنما للانخراط بها.
لتتضح الصورة، نتحدث عن ثلاثة أرباع المليون نسمة تقريبا في بلاد العم سام حتى نهاية العام الماضي. كانوا هؤلاء ذكورا وإناثا، شيبا وشبابا، بلا مأوى رغم توفر الخدمات الفدرالية والمحلية على مستوى الولاية والمقاطعة، لتقديم ما يكفل لهم حياة كريمة.
محرج لأي صاحب قرار ومالك أي شكل من أشكال السلطة أو النفوذ أن يتجاوز هذا المشهد قبل أن يخلد إلى النوم..