عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Nov-2025

هيمنة «يوتيوب» على المحتوى تجدد الكلام عن «أزمات» منصات التواصل مع ناشرين

 الشرق الاوسط-القاهرة: إيمان مبروك

أثارت «هيمنة يوتيوب» على المحتوى الترفيهي والإخباري مخاوف من تكرار «أزمات» المنصات الكبرى مع ناشرين؛ كما حدث مع «غوغل» و«فيسبوك» حين تحولتا إلى وسيط متحكم في وصول المحتوى إلى الجمهور عبر خوارزمياتهما، ما أدى إلى تراجع كبير في الزيارات المباشرة للمواقع الإخبارية.
 
مراقبون يرون أن منتجي المحتوى الترفيهي يواصلون إمداد «يوتيوب» بالمحتوى «السهل»، الذي تستغله المنصة الآن لتكريس سيطرتها على سوق الترفيه العالمية. ولا يقتصر الأمر على شركات الترفيه فقط، بل دخلت المؤسسات الإخبارية هي الأخرى على الخط. فيما أكد خبراء لـ«الشرق الأوسط» أن عواقب هذا الاتجاه خطير على صناعة الترفيه والأخبار.
 
كان تقرير نُشر في «بريس غازيت»، أخيراً، قد ذكر أنه خلال السنوات القليلة الماضية عمّقت جهات كبرى منتِجة للمحتوى الإخباري والترفيهي، مثل «هيئة الإذاعة البريطانية» (البي بي سي) والـ«آي تي في» وديزني وباراماونت ووارنر براذرز ديسكفري، شراكاتها مع «يوتيوب» تحت «ضغط الحاجة للوصول إلى الجمهور، لا سيما الشباب».
 
المنطق ذاته جذب الصحف ومحطات البث في مختلف أنحاء العالم، إذ تنشر هذه المؤسسات مقاطع ومقتطفات من محتواها على «يوتيوب» أملاً في الوصول إلى جمهور أصغر سناً، غير أن ذلك يحدث غالباً على حساب «التنازل عن السيطرة على توزيع المحتوى والعائد الإعلاني».
 
لكن خبراء أشاروا إلى أن سيطرة شركات التكنولوجيا الكبرى على أسواق الإعلان كانت قد ألحقت أضراراً جسيمة بالصحافة المحلية قبل ذلك، وتركت المؤسسات الصحافية معتمدةً على المنصات نفسها التي قوّضت نماذج أعمالها. ومن هنا، تبدو العودة إلى الاعتماد على «يوتيوب» محاولة خطيرة في نظر كثيرين، إذ إن تنامي سيطرة المنصة على «أين وكيف» يعيد إلى الأذهان ما فعلته «غوغل» و«فيسبوك» بالصحف، لجهة استثمار محتوى الناشرين وتحقيق الأرباح منه، مع حرمان الصحف من نصيب عادل من عوائد الإعلانات.
 
نجم متولي، مدير الهوية البصرية للفيديو والإنفوغراف في مؤسستي «العين الإخبارية» والـ«سي إن إن الاقتصادية»، قال لـ«الشرق الأوسط» معلقاً إن «ثمة تأثيرات جذرية متوقع حدوثها في ساحة إنتاج المحتوى بشكل عام»، وأوضح أن «يوتيوب» عزّز المحتوى القصير بخدمة «شورتس» ما ألقى بظلاله على ذوق الجمهور وتفضيلاته من جانب، وعلى الخوارزميات من جانب آخر.
 
وأضاف: «لأن منصة مثل يوتيوب باتت متحكِّمة في الترشيحات للجمهور، فإنها تميل إلى المحتوى الترفيهي على حساب المحتوى الإخباري والجاد، بينما يقف الناشرون في انتظار السلطة التي تملكها المنصّة... ومن ثمّ، عليهم مجاراة الأمر للحاق بالسباق من خلال تخفيف المحتوى والعزوف عن المحتوى الطويل التحليلي، لأنه مُكلف وقد لا يُرى من قبل جمهور المنصة، ما سيشكل خسارة ضخمة على المؤسسات وكذلك الجمهور».
 
متولي أشار أيضاً إلى أن «الاستمرار في نهج الهيمنة لن يتوقف إلا بثلاثة مسارات متوازية: شراكات بين صُناع الأخبار من ناحية ومنصة يوتيوب من ناحية لأخرى، واتفاقيات منظمة لاستغلال المحتوى، وتشريعات صارمة لتنظيم الحقوق». وتوقع لهذه المسارات أن تتحقق، و«بالنظر إلى أزمة غوغل مع عدة ناشرين خلال السنوات الماضية، فإن الحلحلة لم تتحقّق إلا بالمسارات الثلاثة السابقة... ولنا في أستراليا مثال حي».
 
وأردف: «العلاقة بين شركات التكنولوجيا والناشرين ستستمر ولن تنقطع، لأن كلاً من الطرفين بحاجة للآخر وإلا توقفت الصناعة، لكن العلاقة ستشهد تطوّراً بحيث تغدو الخوارزميات منصفة، وكذلك سياسة توزيع أرباح الإعلانات... ونحن بحاجة لمزيد من الشفافية المحمية بموجب القانون والتشريعات».
 
من جهة أخرى، حذرت هيئة تنظيم الإعلام «أوفكوم» في بريطانيا ومعها عدد من قادة الصناعة من أن هيمنة «يوتيوب» باتت تهدد «ظهور» المحتوى الإخباري والمحتوى ذي المصلحة العامة وتمويله... وشددوا على «ضرورة إبراز هذا النوع من المحتوى داخل تطبيق يوتيوب نفسه، في محاولة لتفادي تكرار حلقة الأزمات بين المنصات الرقمية والناشرين مرة أخرى».
 
وهنا يرى رامي المليجي، مستشار الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي في مصر، أن أزمة الناشرين مع «يوتيوب» تختلف عن تلك المتعلقة بتجربة «غوغل» و«فيسبوك». ولقد أوضح أن «يوتيوب منصة فيديو، ومعظم الناشرين ليست لديهم منصات فيديو خاصة بهم». ومن ثم، «تمثّلت الأزمة الأساسية مع غوغل وفيسبوك بتراجع الزيارات إلى مواقعهم. أما مع يوتيوب فكانت المشكلة مختلفة قليلاً؛ إذ إنها تتعلق بالسياسات والخوارزميات التي صارت المنصات تفرضها بشكل كبير وجائر، وتتحكّم عبرها في عدد المشاهدات وطبيعة المحتوى، وأيضاً في السياسة التحريرية للمؤسسات الإعلامية».
 
وعدّ المليجي من ملامح الأزمة أن «الناشرين باتوا مقيّدين بضوابط خارج ضوابطهم الإعلامية والشخصية والمؤسساتية... وأن هذه الأزمة تفاقمت بفعل دخول الذكاء الاصطناعي، ما وضع هذه المؤسسات في منافسة مباشرة مع أفراد ومنصات أخرى غير موثقة». إلا أنه رأى أن «الأزمة الكبرى تعود إلى منافسة مجحفة بين الأفراد والمؤسسات الصحافية... وبسبب هذه المنافسة اضطرت بعض الصحف إلى تقديم محتوى قصير، وبدت أكثر اهتماماً بالشكل وعوامل الجذب على حساب المحتوى».
 
وتابع، من ثم، أن اعتماد المؤسسات الصحافية على الدخل من «يوتيوب» جعلها معتمدة على مصادر دخل خارجية لا تملك السيطرة عليها، إن «يوتيوب لا تقدم خطة ربحية واضحة، فهي لا تخضع لقواعد السوق المحلية وسوق جمهورها نفسها ولا للمنطق الاقتصادي المعروف. وعوائد المشاهدات تختلف من دولة لأخرى، ومن حساب لآخر بشكل غير مفهوم، وغير معلن عنه، وغير قابل للقياس الدقيق».
 
واختتم بالقول: «... ومع التغير الدائم في الخوارزميات والتحديثات التي تجريها المنصات، بات من شبه المستحيل بناء استراتيجية طويلة المدى تضمن دخلاً ثابتاً من يوتيوب، وهذا ما جعل يوتيوب تتحوّل إلى مصدر تهديد بدلاً من مصدر دخل».