الدستور
في الوقت الذي يُحاصر فيه قطاع غزة حتى آخر قطرة ماء، يقف العالم متفرجا على مشهد التجويع الجماعي، الذي لم يعد كافيا للقتل، فجاء دور التعطيش لتكتمل دائرة الموت البطيء، بينما تُمنع قوافل الإغاثة، وتُغلق المعابر أمام الوقود والأدوية، تواصل حكومة الكيان الصهيوني تضييق الخناق، مدعومةً بصمت دولي مريب، وتواطؤ أمريكي معلن عبر ما يُسمى بـ»مؤسسة غزة الإنسانية» التي تُستخدم كغطاء لتجميل الحصار الايذان بالقتل اليومي لطالبي المساعدات.
يبدو ان اساليب القتل الممنهجة تأتي بنتائج جيدة بالنسبة للحكومة لاصهيونية وراعيتها واشنطن، فامريكا تريد ولو غصبا اقناع العالم بأنها راعية للسلام، تهدد هذا وتتوعد ذاك، فالسلام الذي لا يأتي بالقوة يأتي بمزيد من القوة، وترجمة نهج ترامب-نتنياهو مرضي لكلا الطرفين، فاساليب القتل الوحشية على اشدها في القطاع والمجاعة تحققت على ارض الواقع حتى وان لم ترق بعد للمتطلبات منظمة الاغذية العالمية، والقصف والاحزمة النارية وضرب الخيام والتجمعات السكانية كفيل بها الجيش النازي الصهيوني المعد امريكيا ليضرب برا وبحرا وجوا، وانقطاع الادوية، قتل الاطباء والطواقم الطبية واعتقالهم على اشده، وانتشار الاوبئة، والان جاء التعطيش ابتداء من مناطق شمال القطاع، لضمان اكبر عدد من النازحين وان لم يكن فالموتى.
وعلى اعتبار ان العالم بنظر ترامب ونتنياهو ثلة من الاغبياء وانهما يمتلكان القدرة على تنفيذ ما يريدان، فان وحشيتهم تتصاعد يوما بعد الاخر، والهدف المعلن المخفي دائما هو رغبة «ترامب» في جعل القطاع ان لم يكن كله فيكفي شماله الان، لافراغه لمشاريعه الهامة، لتمارس ادارته وبكل صفاقة المماطلة لايقاف الحرب النازية هناك بل وتتماهى لأبعد حد مع رغبات الفاشي نتنياهو.
المؤسف هذا الصمت العالمي الذي يحاول البعض كسره، وعلى رأسهم الاردن الذي لايزال حتى اللحظة يحاول ان يدخل المساعدات الانسانية للقطاع ولم يتراجع خطوة واحدة برغم الاعتداءات التي تواجهها القوافل الانسانية التي يسيرها، لكن الى متى سيبقى شبه وحيد في الساحة فهل من مستجيب لدعواته للوقوف معه صفا واحدا امام هذه العمليات الوحشية المتعطشة للدم الفلسطيني، وهل للدول الكبرى على رأسها بريطانيا التي اصدرت بيانا امس ومعها 24 دولة يدعون فيه لانهاء الحرب فورا على القطاع والتأكيد على أن مؤسسة غزة الانسانية خطيرة وتحرم سكان القطاع كرامتهم الانسانية!
هذه المواقف التي لا تتعدى الشفاه ولا تساوي قيمة الحبر الذي كُتبت فيه، فكيف تستقيم نداءاتهم مع عُددهم التي تصل بانتظام الى دولة الكيان الصهيوني بل ومعززة احيانا بدعوى القضاء على المقاومة الفلسطينية وحماية امن الدولة الصهيونية المزعومة.
ان ما يحدث في «غزة» تجاوز المحاولات الدبلوماسية لإثناء العدو الصهيوني وداعمته واشنطن عن فعل المجازر المرتكبة فيه، حيث أُعمل فيه ما لا يتصوره عقل ولا يُطيقه ضمير، فهل يكفي بيان متأخر بعد أن بلغ الموت مبلغه، وهل يُغني القلق الدبلوماسي عن الوقود الذي تحتاجه سيارات الإسعاف والمستشفيات ومضخات المياه؟ إن ما يحدث في القطاع ليس مجرد أزمة إنسانية، بل اختبار صارخ لضمير العالم، وعلى رأسه الولايات المتحدة التي اختارت الاصطفاف مع القوة بدلا من العدالة.
غزة تختنق، والعالم يراقب، والموت فيها قرار سياسي، ونحن هنا لا نطرح موضوعا للنقاش او إبداء لآراء او قراءة لموقف، بل نُحمِّل المسؤولية لكل من صمت وتواطأ، وبرر الحصار باسم الأمن أو التنمية والرفاه، لأن ما يحدث الآن ليس حربا، بل إبادة بطيئة بصيغة دبلوماسية.