عمون
د.علي النحلة الحياصات
في خطوة لافتة ضمن الحراك الحزبي الأردني، حضرت بالامس إطلاق مركز عزم للدراسات الاستراتيجية، وذلك خلال حفل أقامه حزب "عزم" بدعوة من أمينه العام المهندس زيد نفاع. الحدث، في رمزيته، يندرج ضمن محاولات جادة لتفعيل أدوات العمل الحزبي ومأسسته ضمن الإطار العام لمنظومة التحديث السياسي.
قدّم المهندس زيد نفاع حزب "عزم" بوصفه حزبًا "يمينيًا وسطًا" في القضايا الاجتماعية، و"ليبراليًا يساريًا" في الشأن الاقتصادي، في محاولة للجمع بين أبعاد متعددة داخل هوية سياسية واحدة. ورغم أن هذا الطرح يبدو متماسكًا ظاهريًا، إلا أنه يفتقر إلى مرجعية أيديولوجية واضحة كما هو الحال في التجارب الحزبية الراسخة عالميًا. ما يُحسب له هو سعيه لمواءمة الخصوصية الأردنية مع متطلبات التحديث، غير أن غياب البرامج التفصيلية، وعدم وضوح الرؤية حول آليات الحكم والمشاركة، يترك تساؤلًا مشروعًا: كيف سيكون أداء الحزب إن وصل إلى موقع تشكيل حكومة برلمانية ذات ولاية عامة حقيقية؟
أما في كلمة دولة السيد سمير الرفاعي، رئيس اللجنة الملكية للتحديث السياسي، فقد غابت المراجعة النقدية لحصيلة عمل اللجنة، وبدا الخطاب أقرب إلى المجاملة السياسية منه إلى قراءة حقيقية لمخرجات المشروع. كذلك، فإن مشاركة معالي المهندس موسى المعايطة، رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب، جاءت بصفة إدارية تنفيذية أكثر منها سياسية، وهو مؤشر آخر على غياب الدور الحزبي العميق حتى في لحظات التقييم.
إطلاق مركز دراسات حزبي، رغم أهميته، ليس كافيًا إن لم يُبنَ على أساس علمي مستقل، ويُدار من قبل خبراء يمتلكون الكفاءة والمصداقية. فنجاح أي مركز بحثي لا يُقاس بعدد الفعاليات أو الأسماء، بل بمدى قدرته على إنتاج معرفة تسهم في توجيه القرار الحزبي، وتحليل البيئة السياسية والاجتماعية التي يعمل ضمنها.
وبنظرة شاملة، فإن منظومة التحديث السياسي، رغم الجهود المبذولة، لم تُحقق بعد النقلة النوعية المأمولة. فالمشهد الحزبي لا يزال هشًّا، والثقة المجتمعية محدودة، والبرامج غائبة أو غير ناضجة. وحتى اللحظة، لم تستطع المخرجات إقناع الشارع الأردني بأن التعددية الحزبية هي رافعة إصلاح حقيقية وليست مجرد واجهة تجميلية.
إن تحديث الحياة السياسية في الأردن يتطلب ما هو أكثر من التعديلات التشريعية. نحن بحاجة إلى: إرادة سياسية جريئة تؤمن بالتعددية كأداة للبناء، لا كعبء على الاستقرار.
أحزاب تمتلك عمقًا فكريًا وبرامجً قابلة للتطبيق. مراكز دراسات فاعلة تُنتج رؤى، لا مجاملات بالاضافة الى نخب سياسية جديدة قادرة على تمثيل الشارع لا الالتفاف عليه.
دون ذلك، سيظل التحديث شعارًا فضفاضًا، وستبقى الأحزاب مجرد أسماء تتكرر في المؤتمرات دون أثر حقيقي في المشهد السياسي الوطني.