عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Sep-2025

الصرامة الإيجابية بالتربية.. كيف تسهم في بناء جيل واثق ومتمكن؟

 الغد-تغريد السعايدة

"المقارنة ما بين التربية الحديثة للأبناء وتربية الأهل والأجداد التقليدية"؛ هو جدال يدور داخل العديد من الجلسات العائلية. حيث يتسيد تساؤل بأيهما أفضل؛ الأكثر صرامة وحدية، أم الخالية من ذلك.
 
 
هذا الحوار قد يكون "عقيما"، خصوصا مع وجود أجيال متفاوتة في العمر، والاعتماد على نماذج واقعية أو دراسات علمية، لينتهي هذا الجدال بأن "الأهل مقتنعون بجدوى التربية التقلدية، بينما يجزم صغار العمر واليافعين بأن التربية الحديثة هي الأجدى والأفضل للأبناء وذويهم.
دراسات عديدة تناولت هذا الجانب، بيد أن دراسة بريطانية أخيرة، أثبتت أن "الفتيات اللواتي أمهاتهن صارمات بوضع القواعد والتوقعات، هن أكثر ميلا لدخول أفضل التخصصات الجامعية وحصلن على وظائف برواتب أعلى"، حيث تلخص الدراسة التي أعدتها جامعة إسكس البريطانية، أن "الضغط الإيجابي من الأم لا يعتبر تحكم بقدر ما هو طريق لمستقبل أكاديمي ومهني أفضل"، وفق الدراسة.
وتبين ذات الدراسة كذلك، إن هذا الضغط يجب أن يكون باتجاه إيجابي وليس فقط من باب التحكم بالأبناء، في حين أن الدراسة ركزت في تحليلاتها على الفتيات، إلا أن كثيرين يعتقدون أن هذا ينطبق على كلا الجنسين، وخاصة إن كان هذا التحكم الإيجابي نابع من الوالدين والهدف منه المصلحة الفضلى للأبناء، في مجال علاقاتهم ودراستهم ومستقبلهم المهني.
كتبت منار موسى، في تعليقها على نتائج تلك الدراسة بقولها إن "هذه المعادلة غير سهلة بأن تكون الأم صارمة وصديقة بآن واحد، حازمة وحنونة بآن واحد، تهتم بالتربية ولا تنقص شيء من الدلال بآن واحد"، وترى أن من أهم نظرياتها أن الدلال هو إعطاء الجزء الأكبر من الوقت للتربية والتوجيه وأن الدلال ليس ترك الطفل يفعل ما يريد، وهو ما عايشته في حياتها مع والدتها في طريقة تربيتها المتوازنة، والتي أثرت على حياتها فيما بعد.
بينما ترى عبير وليد أن الأجيال اختلفت تماماً عما كانت عليه "أجيالنا" في السابق، ولا يمكن تعميم تلك التجارب، وتقول إن "الأجيال التي تسبق 2000، وما بعدها اختلفت الصورة والصرامة أصبحت سلاحا ذي حدين"، وهذا ما يجعل تعميم التجارب وأسلوب التربية يختلف من جيل إلى آخر.
استشارية نفسية أسرية وتربوية حنين البطوش، قالت إن في الماضي ارتكزت التربية غالبا على الطاعة المطلقة والصرامة الصارخة، حيث كان دور الابن أو الابنة يقتصر على تنفيذ ما يُطلب منهم دون مساحة كافية لإبداء الرأي، هذه الطريقة نجحت في غرس قيم مثل الانضباط، المسؤولية، والالتزام، لكنها في الوقت ذاته أفرزت تحديات نفسية، مثل الخوف من الخطأ أو ضعف القدرة على اتخاذ القرار باستقلالية، خصوصًا لدى الفتيات.
أما التربية الحديثة، فقد جاءت كرد فعل على هذه الصرامة، ففتحت الباب واسعا أمام الحرية والحوار والاختيار، هذه المقاربة ساعدت في تعزيز الثقة بالنفس والقدرة على التفكير النقدي، لكنها حين تُمارس بشكل مفرط قد تتحول إلى تساهل غير مسؤول، فينشأ الأبناء وهم يفتقرون للقدرة على ضبط ذواتهم أو الالتزام بأهداف طويلة المدى.
وهذا ما يتحدث عنه صهيب علان، الذي يرى أن التربية الصارمة أو كما يقال عنها "تقليدية" ليست بهذا السوء الذي يراه جيل هذا اليوم، بل كانت تربية تتواءم مع ظروف الأهل التي تتطلب نوعاً من الشدة حتى يخرج من البيوت شباب وفتيات متعلمات ولديهن طموح في المستقبل، وهذا كان ينطبق على كلا الجنسين.
ويقول صهيب أن والده ووالدته كانا صارمين ولكن "تغلفهم الحنيه من كل جانب"، على حد تعبيره، بيد أنه الآن قد يختلف في تربيته لأبنائه، مقتدياً بقول علي بن أبي طالب "ربوا أبنائكم لزمان غير زمانكم"، وفي ذلك إفادة من أن أساليب التربية قد تختلف من جيل لآخر، مع مرور الزمن، وهذا أمر يفرضه التطور الذي نلحظه في حياتنا.
ولا ينكر المستشار والخبير التربوي عايش النوايسة الدور الكبير في أسلوب التربية وتأثيرة على الأبناء من الجنسين، ومن الوالدين كذلك، خاصة في مراحل معينة من العمر، بما فيها مرحلة الدراسة والتعلم، فالصرامة في التعامل يجب أن تكون متوازنة وإيجابية ولا تؤثر على مسار حياة الابن، حتى يبتعد عاطفياً ونفسياً عن أسرته.
وبالتالي، يفقد الأهل بعد ذلك السيطرة على الابن أو الابنة، وهم الآن لديهم خيارات أخرى بديله عن الأهل، ويتوجهون إليه في حياتهم كل يوم، إذ يرى النوايسة أن العالم الافتراضي فرض نفسه على العائلات ولا يمكن أن يختلف أحد في مدى تأثير ذلك على الأبناء، وعليه يجب أن يختار الأهل أسلوب التربية المناسب للأبناء، بما يضمن وجود تفاعل وترابط في الأسرة، إذ لا يمكن أن تكون الحدة والصرامة طريقة ثابته في التربية.
وهنا، تقول البطوش، من أن الصرامة الإيجابية هي المفتاح والطريق الوسط، أي وضع قواعد واضحة، وتوقعات عالية، وحزم تربوي متوازن، إلى جانب مساحة من الحرية والحوار والاحتواء، حيث هذه الصرامة تمنح الأبناء إحساسا بالاتجاه لأنهم يعرفون ما هو متوقع منهم، ودافعية داخلية تنبع من ثقة الأهل بقدراتهم، وقدوة عملية في الانضباط وتحمل المسؤولية.
وتبين ذلك من خلال حديثها عن أحد تلك الصور من الماضي بقولها أن الأم كانت تفرض على ابنتها ساعات دراسة طويلة بلا نقاش، بينما اليوم قد تُترك الفتاة لتقرر كل شيء وحدها، والحل ليس في أحد النقيضين، بل في التوازن، فتحدد الأم جدولًا واضحًا للدراسة (حزم وانضباط) وتترك للابنة حرية اختيار أوقات الاستراحة أو أسلوب المذاكرة (مساحة حرية).
ويشدد النوايسة على فكرة أن الأجيال فعلياً تختلف من جيل لآخر، وعلى الأهل أن يعوا ذلك، ويحاولوا إيجاد طريقة مناسبة تزيد من حماس الابن للدراسة والنظر بطريقة إيجابية نحو المستقبل، وأن الدراسة هي بوابة الحياة لهم، والأهل ما هم إلى داعمين لهم وكل نصيحة وحديث منهم هو بمثابة تحفيز وتشجيع لهم، على أن يكون ذلك بطريقة ملائمة وفيها من الود والتقرب المناسب، مشيراً إلى أن الأهل هم الأقدر على تحديد الطريقة التي يتعملون فيها مع الأبناء، ولكن يجب أن تكون مقبولة خالية من الإيذاء بأي شكلٍ كان، ومراعاة فروق الأجيال والأدوات المتوفرة لديهم.
ووفق البطوش، فإن "التربية الناجحة اليوم ليست إعادة إنتاج للماضي بحذافيره، ولا انفتاحًا مفرطًا باسم الحرية، بل هي مزيج ذكي من الاثنين"، وتوضح أن الصرامة الإيجابية قائمة على القواعد والحزم، مع احتواء وحوار وحرية مسؤولة، فالأجيال الحالية تواجه تحديات تختلف جذريًا عن الأجيال السابقة، وهذا يفرض على الأمهات أن يكنّ أكثر وعيًا في الموازنة بين الحزم والاحتواء، حتى يخرجن بأبناء قادرين على التكيّف، النجاح، وتحمل مسؤولية مستقبلهم.