الغد
لقد وصلت البشرية إلى درجة تتقبل معها كُل شيء، فمثلًا لن يستغرب أحد في حال تم قصف أو تدمير دولة كاملة أو إحدى مُدنها بالقنبلة القذرة، أكانت نووية أم هيدروجينية، ولن يكون هُناك تعجب إذ ما أقدمت دولة مُعينة على عمل زلزال "مُصطنع" لأُخرى مُنافسة لها، أو ذات موقع جغرافي مُهم، فقد وصلت البشرية إلى إيمان بأن كُل قذارة باتت مقبولة، وقابلة للتصديق.
أما أن تصل تلك القذارة، والانحطاط والذل والهوان، أن يُصدر الكيان المسخ أوامر لدولة شقيقة (سورية) بأن مناطقها الجنوبية يجب أن تكون منزوعة السلاح، وكأن هذه المنطقة أو البلدة تابعة له بطريقة أو أُخرى، بينما وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، يُلطف الأجواء بمُطالبة الحُكومة السورية بـ"منع وصول الجهاديين إلى جنوب البلاد".. سبحان الله آلآن أصبح أسمهم "جهاديين"!، ثم ما معنى الجهاديين بنظر مسؤولي إدارة البيت "الأسود"، أم هي مُسميات تُطلق حسب المزاج العام لدى ساكن ذلك البيت.
تلك قرارات، أو بمعنى أصح "أوامر"، يجب على العرب جميعًا بشكل خاص، والمُسلمين بشكل عام، كُل في مكانه، أن يقفوا عندها جيدًا، وأن لا تمر هكذا، بلا أي ردة فعل، ولو على مُستوى التخطيط لقادم الأيام، فالآن يُطالب الصهاينة الغاصبين بأن تكون المنطقة الجنوبية لسورية "منزوعة السلاح"، بحجة المُحافظة على السلم الأهلي في منطقة السويداء، ولا أحد يدري أو يعلم، ماذا ستكون المُطالبة، أو بمعنى ثان الأوامر، الثانية أو الثالثة أو الرابعة، والتي حتمًا ستكون إحدى مراحلها التفتيت والتقسيم، إن لم يكن حصل بالفعل ذلك.
يُطالبون بأن تكون سورية موحدة وشاملة وسلمية، وفي الوقت نفسه يزرعون الفتنة بين أبنائها حسب أهوائهم ومُخططاتهم وإستراتيجياتهم الشيطانية، فتارة يعزفون على لحن الطائفة العلوية، وأنهم مُضطهدين، وثانية "يدندنون" على وتر الخوف على "إخوانهم" الدروز.. آلآن أصبح الدروز أخوة للصهاينة الحاقدين!.
مرة ثانية، الكيان المسخ حتمًا سيتطاول ويُطلب من دول أُخرى، في المُستقبل القريب، جعل بعض مناطقها القريبة من حدوده، منزوعة السلاح، وقد يصل الأمر إلى المُطالبة بالابتعاد عنها لثلاثين أو أربعين كيلومترًا، وذلك يعني "ذبحًا بطيئًا"، إن لم تجتمع الدول العربية أو تتوحد، على الأقل في هذا الشأن، وإلا سيصل الأمر إلى احتلال جديد لبعض المناطق، كما فعلت وتفعل حاليًا دولة الاحتلال بأراضي سورية، فلا يظنن أحد بأن تهديد الكيان المسخ باحتلال دمشق هو كلام عابر.
نقطة ثانية في غاية الأهمية، تتعلق بوزير خارجية أميركا روبيو، والذي كان "أسدًا مغوارًا" عندما طالب، وبكل وقاحة وتكبر، الحُكومة السورية بـ"مُحاسبة أي شخص مُذنب بارتكاب الفظائع، وتقديمه إلى العدالة، بمن فيهم من هم في صفوفها"، في حين كان في أدنى مراتب الجُبن، لا بل وبمعنى أدق أعلى مراتب المُجرم الحقيقي، الداعم الأبرز، عندما ساعد وساند الاحتلال الإسرائيلي بتجويع مليون طفل غزي، وقبل ذلك ذبح الغزيين على مرأى العالم أجمع، فضلًا عن تدمير كُل ما هو موجود على أرض غزة.
عُلمنا في الجامعة على أيدي أساتذة مهرة، مُتمرسون في السياسة ودهاليزها وتعرجاتها، بأنه لا حرب بغير مصر، ولا سلام من غير سورية.. إلا أن الوضع مُختلف تمامًا هذه الأيام، فالأولى تُعاني أوضاعًا اقتصادية صعبة، والأنظار عليها من كُل جدب وصوب، والثانية تئن أنين الطير المذبوح، إما بفعل الصهاينة ومن قبلهم الشيطان الأكبر، وأدواتهم المُختلفة، وقبل ذلك وعلى مدى أربعة عشر عامًا عانت جراء ما يُسمى ربيعًا عربيًا.