المشهد الهش*أ. د. صلاح العبادي
الراي
في لبنان ملفات تتزاحمُ وتتشابك، وتصعيدٌ إسرائيلي لا يهدأ، وضغوطٌ دوليّة تتزايد لنزعِ سلاح حزب الله فيما تمويلٌ أميركي يتدفق؛ لدعم الجيش اللبناني وقوى الأمن.
الداخل اللبناني يشهدُ خلافًا مضبوطًا بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، فيما يزدادُ المشهد حشاشًة وتعقيدًا، ويضعُ البلاد أمام استحقاقات.
كيف سيتعاملُ لبنان أمام هذا المشهدِ المفتوح على كل الاحتمالات؟.
بعد مرور نحو عامٍ على اتفاقِ وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، تواصل إسرائيل تصعيد عملياتها وغاراتها على الأراضي اللبنانيّة؛ إذ شنّت إسرائيل سلسلة غاراتها العنيفة على أطراف المرتفعات الجبليّة في بلدة علي الطاهر جنوب لبنان؛ بعد إعلان الجيش الإسرائيلي مقتل ثلاثة عناصر من حزب الله في غارة إسرائيليّة على بلدة كفرا، بينهم علي قاروني الذي قالت إسرائيل إنّه كان يعملُ ممثلًا محليًا لحزب الله، وإنّ المستهدفين الآخرين خرقوا التفاهمات بين إسرائيل ولبنان.
على وقعِ هذا التصعيد الإسرائيلي دعت كتلة حزب الله المسؤولين النيابيّين لبذلِ الجهود لمواجهة الهجمات الإسرائيليّة على الأراضي اللبنانيّة وعدم إشغال الرأي العام بأمورٍ جانبيّة ناتجة عن حساباتٍ خاطئة وانفعالات تسببُ أزماتٍ داخليّة وفقَ كتلة حزب الله.
وبينما تراقبُ واشنطن الوضع اللبناني تجاه الحكومة لنزعِ سلاحِ حزب الله، فإنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وافقت على تقديم حزمة مساعدات ماليّة كبيرة قيمتها مئتان وثلاثون مليون دولار لقوات الأمن اللبنانيّة في إطار سعي واشنطن لنزعِ سلاحِ حزب الله.
التمويل الأميركي يشملُ مئة وتسعين مليون دولار للجيش اللبناني وأربعين مليون دولار لقوات الأمن الداخلي.
الأرقام تشير إلى أنّ الجيش اللبناني يحتل المرتبة 115 بين 145 جيشًا حول العالم، ويضمُ نحو 60 ألف جندي نظامي و35 ألفًا في الاحتياط.
وتضم قواته البرية نحو 4538 آليّة مدرعة، و116 دبابة و353 مدفعًا ميدانيًا. ويتكون أسطوله البحري من 64 قطعة منها 61 سفينة دورية.
وتقدّر ميزانية الجيش اللبناني بنحو 768 مليون دولار. وتشكّل المساعدات الأميركية نحو تسعين بالمئة من منظومة تسليحه.
الاتحاد الأوروبي كان قد أقرّ في شهر يناير الماضي دعمًا له بقيمة ستين مليون يورو.
المساعدات الأميركيّة تأتي في هذا التوقيت في ظل ما حدث على صعيد المشهد اللبناني وزيارة المبعوثين الأميركيين المتكررة للدولة اللبنانيّة، فمن الواضح أنّ الإدارة الأميركيّة اتخذت قرارًا بمحاولة دعم الجيش من خلال عنوان واضح عبر عنه توم برّاك وهو العمل على نزع السلاح.
هذهِ الخطوة تأتي في سياق المشروع الأميركي القديم المتجدد قبل الحرب ما بين إسرائيل من جهة وحزب الله من جهة أخرى، وما بعد وقف إطلاق النار، وهو ما ينسجم مع الهدف الأميركي المتمثل في نزعِ سلاحِ حزب الله والإجراءات العمليّة التي اتخذتها الحكومة اللبنانيّة.
الهدف الأميركي واضح بالعلن ويتمثل في نزعِ سلاحِ حزب الله، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانيّة، ومن ثم الواقع اللبناني الذي أحاط بهذهِ المشهديّة منذُ شهرين تقريبًا أظهرت وجود عراقيل على المستوى الداخلي تحول دون الوصول إلى هذا الهدف، في وقت أكّد رئيس الجمهورية منذ البداية أنّ سقف التعاطي مع سلاح الحزب يتطلب الحفاظ على السلم الأهلي وفتح الحوار مع الحزب ويخضع للخصوصية اللبنانية، وهو ما أدى اليوم إلى هذهِ الإرهاصات التي يشهدها لبنان على مستوى التركيبة والسلطة السياسيّة، بمعنى أنّ الاختلاف بين رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس الحكومة هو تعبير عن المشهد اللبناني فيما يتعلق بمسألة نزع السلاح.
اليوم تأتي هذهِ الخطوة من قبل الإدارة الأميركية لدفع العمل قدمًا على مستوى هذا الأمر.
الخطوات التي حدثت في الداخل اللبناني من قبل السلطات اللبنانيّة أكّدت التزام لبنان في وقف إطلاق النار، بالمقابل لم تلتزم إسرائيل بذلك.
كما أنّ الخطوة الأميركية جاءت في سياق السعي للوصول إلى الهدف المتمثل في نزع السّلاح.
مع كل هذهِ المواقف السياسيّة فإنّ رد حزب الله المتوقع قد لا يحمل ما هو جديد عن خطابه السابق المتمثل في رفض تسليم السلاح، والاكتفاء بتنفيذ الاتفاق رقم 1701 والذي وقع عليه حزب الله برعاية أميركية ورعاية الدولة اللبنانيّة مع إسرائيل.
حزب الله يتهرب من مسؤولياته وكأنه يريد أن تواجه الدولة اللبنانيّة إسرائيل، وهو يتجاهل مهمات ومسؤوليات الجيش اللبناني المتعلقة في الحفاظ على السيادة على الحدود وبسط النفوذ.
الحزب يتعين عليه الموافقة على تنفيذ قرارات الدولة التي هو مشارك بها في المجلس الوزاري اللبناني، في إطار المسؤوليّة والالتزام بقرارات الدولة.
من حق الدولة اللبنانيّة بسط نفوذها على المناطق التي تتعرض إلى استهداف من قبل إسرائيل، حتى لا تبقى مستباحة من قبل الطرف الآخر الذي يبحث عن ذرائع لانتهاك السيادة.
كما أنّ من واجب الحزب أن يكون شريكًا للدولة اللبنانيّة في تحمل المسؤوليّة والانصياع لقراراتها، لتفويت الفرصة أمام إسرائيل التي اعتادت على استغلال الذرائع لاستهداف الجنوب اللبناني.
أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، وفي تصريحات
صحفية له الأربعاء الماضي، قال إنّ حزب الله "قادر على قلب الموازين في لبنان"، وذلك بعد زيارته للعاصمة اللبنانيّة بيروت يوم السابع والعشرين من أيلول الماضي للمشاركة في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الأمينين العامين لحزب الله حسن نصر الله وهاشم صفي الدين بغارات إسرائيليّة كانت قد شنّتها على الضاحية الجنوبيّة.
لاريجاني الذي التقى رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري في عين التينة، أكّد خلال مؤتمر صحفي عقب الاجتماع، أنّ حزب الله لا يحتاج إلى تزويده بالسلاح من مكان آخر. في وقت يعيش لبنان حالة من التوتر والانقسام الداخلي، بعد تحدي حزب الله لقرار الحكومة، وإقامة فعاليّة يوم الخامس والعشرين من أيلول في محيط صخرة الروشة التي أضيئت بصور لقادة حزب الله، وهو ما يعكس إصرار الحزب للاستقواء على الدولة، بما يخدم أجنداته المصدرة له من إيران. رغم أنّ مجلس الوزراء اللبناني قد أقرّ في شهر آب الماضي خطّة وضعها الجيش لحصر السّلاح بيد الدولة، وتسليم سلاح حزب الله، وهو مطلب تضغط الولايات المتحدة من أجل تنفيذه.
مسألة حصر السّلاح بيد الدولة كانت وردت في اتفاق وقف النار بين حزب الله وإسرائيل، الذي بدأ سريانه في 28 تشرين الثاني 2024. وجاء هذا الاتفاق بعد مرور نحو عامٍ من المواجهات بين الجانبين، خرج على إثرها حزب الله أضعف من أي وقت مضى، بعد خسارة العشرات من كبار قادة العسكريين والسياسيين على السواء، ما أدى إلى تراجع نفوذه السياسي في البلاد.
تصريحات لاريجاني تؤكّد أنّ الحزب يعمل ضمن الأجندة الإيرانيّة، وهي تصريحات مرفوضة؛ لأنّها تشير إلى تحدي الدولة والمجتمع الدولي برمته.
وهو يريد للحزب أن ينخرط في الصراع الإسرائيلي وفقًا لما تتطلبه إيران.
حديث لاريجاني هو الأخطر بحد ذاته، خصوصًا وأنّ من شأنه أنّ يدخل لبنان في أزمة حقيقيّة، وكذلك تعطيل أي مساعدات أوروبيّة، في وقت يسعى الحزب إلى تثبيت نفوذه من جديد وإعادة بناء قدراته العسكريّة والدفاعيّة.