عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Jun-2025

عدو عدوي صديقي،،،*سائد كراجة

 الغد

قدم الباحث المتميز الدكتور وليد حباس، الباحث الأول في المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية محاضرة نظمها معهد السياسية والمجتمع حول الأبعاد الاستراتيجية للحرب الإيرانية الإسرائيلية الدائرة الآن، وفيها طرح عرضا تاريخيا شاملا للعلاقة بين إيران والكيان الصهيوني ومراحل تطور تلك العلاقة. 
 
 
 تعود جذور العلاقة بين البلدين إلى حقبة ما قبل الثورة الإسلامية، فقد بدأت في إطار تحالف غير معلن عُرف باسم «تحالف المحيط»، جمع بين شاه إيران، وتركيا، وإثيوبيا، ونسّق سريًا مع إسرائيل في مواجهة ما كان يُنظر إليه كمحيط عربي عدائي لهم. إيران، وفي خطوة سبقت أغلب دول العالم الإسلامي، اعترفت رسميًا بإسرائيل عام 1950، ثم تراجعت عن ذلك في عهد رئيس وزراءها محمد مصدق، قبل أن يعيد الشاه محمد رضا بهلوي تفعيل العلاقة بسرية، وتمثلت هذه العلاقة بمشاريع استراتيجية مشتركة مثل خط أنابيب «إيلات – أشكلون»، والمشروع الصاروخي المشترك «زهرة»، وحتى زيارات شبه علنية لبن غوريون إلى طهران! 
 لكن هذا التحالف – بالرغم من كونه في جوهره مصلحيًا على مستوى النظام –لم يحظَ يومًا بقبول شعبي في إيران؛ فبعد نكسة 1967، بدأت النخب الإيرانية المثقفة والطلابية تربط بين المشروع الاستعماري الغربي والمشروع الصهيوني، مما مهّد لتحول جذري في المزاج العام، تُوّج بالقطيعة التامة بعد الثورة الإسلامية عام 1979، حين وصفت طهران الإسلامية إسرائيل بـ»الشيطان الأصغر»، والولايات المتحدة بـ»الشيطان الأكبر»، لتبدأ مرحلة من العداء المعلن للحركة الصهيونية والدعم المفتوح لحركات المقاومة الإسلامية، كحماس وحزب الله. 
 إلا أن سلوك الدول، كما أثبتت التجربة، لا يُختزل في خطابها العلني أو عقيدتها الأيديولوجية، بل يُعاد تشكيله وفقًا لضرورات الميدان. ففي خضم حربها الطويلة مع العراق، لم تتردد إيران في الدخول في صفقة «إيران – كونترا»، التي حصلت بموجبها على أسلحة من إسرائيل، بوساطة أميركية، في واحدة من أكثر المفارقات السياسية تعقيدًا وإثارة للجدل. 
 ومع حلول الألفية الثالثة، انقلبت المعادلة من تحالف سري يرعى المصالح إلى مواجهة مفتوحة شديدة باللفظ والأفعال، وتحوّلت سورية ولبنان إلى ساحات لحرب وكالة بين الطرفين، وبدأت إسرائيل تنفيذ ضربات نوعية استهدفت منشآت إيرانية، منها هجمات سيبرانية (كفيروس «ستوكسنت» الذي حاول ضرب المنشآت النووية الإيرانية)، ومرورا باغتيالات عسكرية لقيادات في الحرس الثوري والبرنامج النووي، وذلك داخل العمق الإيراني نفسه! وتدريجيًا، تحوّلت العقيدة الأمنية الإسرائيلية تجاه إيران من سياسة الاحتواء إلى استراتيجية الهجوم الوقائي والمواجهة الشبه مباشرة. 
 أما اليوم، ومع انتقال التوتر إلى هذه المرحلة الخطيرة، فقد باتت إسرائيل ترى في إيران تهديدًا وجوديًا يتطلّب الضرب الاستباقي، بل وإسقاط النظام باعتباره أصل التهديد. ومع أن اليهود يحملون للفرس، ممثلين بكورش الفارسي، امتنانًا تاريخيًا لإنقاذهم من السبي البابلي — بل يعتبرونه «بلفور الأول»، كما أشار بعض الباحثين — فإن إسرائيل تعمل على خلق انشقاق بين الشعب ونظام الملالي. ورغم وجود شريحة ليست صغيرة غير راضية عن الحكم، فإن الباحثين يستبعدون أن تتمكن إسرائيل من قلب النظام الإيراني أو محو برنامجه النووي.
من المبكر الحكم على نتائج الحرب الدائرة، لكن يبدو أن الكفة تميل عسكريًا لصالح إسرائيل، بدعم من نظام عالمي يحسب لها. ومع ذلك، قانونيًا وأخلاقيًا، ما زال يُقصف في غزة على مرأى ومسمع من العالم.
قد لا يبدو الوقت مناسبًا، لكن الخلاص لن يتحقق إلا بحكومات تتمتع بشرعية شعبية، ودول تملك منعة اقتصادية وسياسية وثقافية. وهذا لن يتأتى للعالم العربي، على اختلاف أحجام دوله وقدراتها المالية، من دون مشروع تكامل عربي: سياسي، اقتصادي، ثقافي، يقوم على ترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان. وبخلاف ذلك، سنبقى في نطاق التابع الخانع، الذي لا يملك من أمره شيئًا. أليس هذا ما نعيشه — كشعوب ودول عربية.
 إسرائيل معتديه على ايران ومقولات الدفاع عن النفس بدعوى وجود تهديد لا سياق لها، مع التحفظ الكامل على سلوك النظام الإيراني،  وعلو النظام نفس  وعلى فشله في بناء علاقات متوازنة مع جواره العربي، فإن ما يجري هو عدوان واضح، ويطرح علينا معادلة بسيطة ومعقدة في آن واحد وهي عدو عدوي صديقي”، واضحة جنابكم.