الاحتفاء بالمسنين.. "كنز" من الحكمة وخبرات الماضي تثري الأجيال
الغد-تغريد السعايدة
"تزداد الحكمة مع تقدم العمر"؛ يؤمن كثيرون بهذه المقولة، ما يدفع كثيرون لأخذ العبر من كبار السن، والموعظة والاستشارة في تفاصيل الحياة اليومية، الأمر الذي يعكس أهمية أن يكون في "بيتنا وعائلتنا كبير، مرجع للأسرة كبيرها وصغيرها".
وفي هذا العام، كما في كل عام، في الأول من تشرين الأول، يحتفي العالم باليوم الدولي للمسنين، لما فيه من تذكير في أهمية الرعاية المتبادلة، وأهمية لوجودهم في حياتنا بحكمتهم وخبرتهم التي تعني لهم وللمحيط الكثير.
موضوع الاحتفال باليوم الدولي للمسنين في هذا العام، يأتي تحت شعار "القيادة من كبار السن للعمل المحلي والعالمي: تطلّعاتُنا، رفاهُنا، وحقوقُنا"، والتي تعني مدى أهمية أن يتم استثمار خبرة كبار السن في مختلف المحافل الدولية والمحلية وعلى مستوى العائلة الممتدة، في مجالات القيادة على اختلافها، حتى وإن كانت على مستوى البيت.
وجاء في بيان الأمم المتحدة لهذا العام العام أن "اليوم الدولي للمسنين يبرز الدور التحويلي الذي يضطلع به كبار السن في بناء مجتمعات عادلة وقادرة على الصمود، فهم ليسوا مجرد متلقين سلبيين، بل هم قادة للتقدم، يسهمون بمعرفتهم وخبراتهم في مجالات مثل الإنصاف في الصحة والرفاه المالي، وصمود المجتمع، والدفاع عن حقوق الإنسان"، كما جاء في البيان.
وتسعى العديد من المجتمعات الدولية والعربية، ومن بينها الأردن، على تقدير كبار السن على اختلاف أماكن تواجدهم، وبكل السُبل المتاحة"، بيد أن هذا الاهتمام يعتمد على الأسرة التي تضم كبار السن في بيئة كلها احترام وتقدير واحتواء يحفظ لهم كرامتهم و"مكبرهم"، كما يُقال.
من جهته، يرى المختص في علم الاجتماع الأسري مفيد سرحان أن الإنسان يمر بمراحل عمرية متعددة منها الطفولة والنضج والشباب والشيخوخة، ولكل مرحلة خصائصها، ومعرفة الإنسان بهذه المراحل يدفعه إلى تفهم حاجات الآخرين، فالشاب يدرك أنه سيكون بعد سنوات شيخا، وعليه أن يستعد لذلك نفسيا واجتماعيا.
والتقدم في السن هو امتداد لتاريخ طويل أمضى الإنسان فيه حياة حافة بالعمل والإنجاز والتضحيات، ومنها جهد كبير من أجل تربية الأبناء ورعايتهم وإعالتهم، ومن هنا فإن الاهتمام بكبار السن ورعايتهم والبر بهم من واجباتنا الدينية، والأخلاقية والاجتماعية، والعناية بكبار السن لا يعني المكافأة أو رد الجميل.
وهنا يقول سرحان إن مسؤولية الأبناء كبيرة تجاه كبار السن من رعاية واهتمام واشعارهم بأهميتهم، وذلك بإشراكهم في أمور الحياة كلها والاستفادة من خبراتهم الزاخرة، وتلمس حاجاتهم الضرورية وإدخال السعادة على قلوبهم، ويجب على الأبناء أن يتذكروا دائماً أن آباءهم كانوا يعتنون بهم وهم في قمة السعادة، ومهما فعل الأبناء من منغصات كانت بالنسبة للآباء مقبولة.
وتحتفي بعض المؤسسات الرسمية والأهلبة بهذا اليوم بأشكال مختلفة، كأن تقوم بعض الجمعيات بتخصيص هذا اليوم لزيارة كبار السن في أماكن إقامتهم، خاصة في دور المسنين التي تضم عددا منهم لم يبق لهم من يأويهم، ربما لظروف عائلية أو صحية أدت إلى أن يعيشوا في مثل تلك الأماكن.
لذا، يبادر عدد من المتطوعين إلى أن يكونوا جزءًا من هذه الفرق التي تتوزع لزيارد كبار السن، وتنظيم الاحتفالات لهم وتقديم الهدايا، وإيجاد حالة من المودة والأجواء السعيدة التي يستذكرونها لأيام عديدة، بالإضافة إلى زيارة بعض المرضى منهم على أسرة الشفاء.
وفي ذلك، كتب عصام عيسى يقول "إن كبار السن هم من أجدادنا وآبائنا وأمهاتنا الذين كان لهم دور كبير في حياتنا، وما هذا اليوم إلى تذكير للاحتفاء بهم بطرق جميلة ترسم الابتسامة والفرحة في قلوبهم، وهي فرصة لنسأل أنفسنا عن الدور الذي يجب أن يقوم به كل منا اتجاههم، وهو يعيشون بيننا.
وقد يكون الاحتفاء بهذا اليوم خلال تذكير أنفسنا بأهمية الدور الذي يجب أن نقوم به لكبار السن، وإعادة تقييم دورنا في حياتهم في الوقت الذي يكونون بأمس الحاجة لنا في بعض الأيام، وتخصيص جزء من وقتنا للاستماع لهم ولما يكنونه من مشاعر بحاجة للبوح بها.
وأيضاً على المستوى العالمي، وفي السياسات العالمية، يسعى أصحاب القرار في المجال التنموي إلى "تمكين كبار السن، والوصول العادل إلى الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية والقضاء على التمييز، على اعتبار أن ذلك يساهم بطريقة ما في تحقيق التنمية المستدامة في العالم"، ليكون هذا اليوم منبراً لهم للتعبير عن تطلعاتهم، المطالبة بحقوقهم وصيانة كرامتهم".
ووفق سرحان، فإن على الأبناء أن يضعوا أنفسهم مكان الآباء، وأن هذا الحال سيعود عليهم، فسيكبرون وسيكون لديهم أبناء، فحسن معاملة الأبناء لآبائهم ورعايتهم يعلم الأحفاد أصول البر والتراحم والاحترام، وينشأون في بيئة تؤهلهم للعناية بآبائهم في المستقبل، كما أن وجود كبار السن في الأسرة والاعتناء بهم يضفي الدفء والحميمية على العلاقات داخل الأسرة ويحقق الوئام والمحبة والتكافل بين أفراد الأسرة كافة.
ومن السمات التي تميز غالبية أسرنا هي تلك الحميمية المتأصلة بين أفراد الأسرة كباراً وشباباً وصغاراً، فنجد التقدير والاحترام للكبير، والعطف على الصغير والحنو عليه، وكما نلاحظ ، بحسب سرحان، فإن الصحة النفسية لكبار السن المتواجدين بين أفراد أسرهم أفضل دائماً والشعور بالرضا الواضح في حديثهم ومحياهم.
ويؤكد سرحان أنه من الأهمية بمكان أن يدرك الأبناء أن اهتمامات الإنسان تختلف مع تقدم العمر وكذلك نفسيته وتعامله مع الآخرين، فعلى سبيل المثال، يحب الحديث عن الماضي وفترة الشباب بكل تفاصيلها، كما يكرر ذكر الأحداث والقصص الماضية في الجلسات، واستماع الأبناء والأحفاد يشعر الكبير بالراحة والاهتمام والرضا، وهي وسيلة للتعبير عن الذات، استماع الأبناء لأحاديث الآباء والأجداد هو نوع من البر، وليس من العدل أن يربي الآباء الأبناء وأن يقدموا لهم كل ما يستطيعون، وتكون النتيجة زجهم في الملاجئ ونسيانهم، وإن كان هناك حالات فردية، مثل عدم وجود معيل لكبير السن أو فقر المعيل أو مرضه، وفي هذه الحالة وإن اضطررنا إلى اللجوء إلى دار المسنين، فإننا يجب أن نعترف بأنها آخر الحلول.
ويشير سرحان إلى أن كل الثقافات على مدى عصور ترى في كبار السن كنز من الخبرة والتجربة والمعرفة، ومن المهم الاستفادة منها، من خلال "الاستماع إلى نصائحهم وحكمتهم، فكبار السن يمتلكون حصيلة من التجارب الحياتية، ويمكن الاستفادة من الدروس والعبر من نجاحاتهم ومعرفة أخطائهم لتجنبها، فالتجارب العملية غنية ولا تقدر بثمن، وكبار السن موسوعة من الثقافة والمهارات العملية التي غالبا لا يعرفها الأبناء، ويمكن تعلم مهارات عملية كثيرة قيمة من كبار السن.
كما يمكن أن يتيح الحديث مع كبار السن ومحاورتهم فرصة للاطلاع على أحداث تاريخية ووقائع اجتماعية وحصيلة ثقافية عاشوها، مما يساعد الأبناء على فهم الماضي والاستفادة منه، ومع اختلال منظومة القيم، والانفتاح العالمي وما ينتج عنه من إيجابيات وسلبيات، فإن من أهم ما يمكن أن يستفيده الجيل من كبار السن هو دورهم في تعزيز وترسيخ منظومة القيم والأخلاق والمحافظة عليها من الاختلال أو الاندثار مع كثرة المؤثرات وسرعة وتيرة الحياة الحديثة.
ومن الأمور الأخرى التي تأتي مع التطلعات العالمية للاحتفاء بالمسنين، كما يقول سرحان، هو أهمية استشارة كبار السن في أمور الحياة، مما يعين الشباب على اتخاذ قرارات أكثر واقعية والاستفادة من حصيلة عشرات السنين، والاستفادة من خبرات كبار السن يساهم في تقليل الفجوة بين الأجيال وبناء مجتمع متماسك يقدّر خبرات الأجيال ويحفظ لهم قدرهم.
ومن مجالات الاستفادة من كبار السن إشراكهم في العمل التطوعي والخيري، فهم أصحاب تخصصات مختلفة ولديهم خبرات في ميادين متعددة، مما يؤدي إلى إفادة المجتمع ومساعدة كبار السن على الاستفادة من الوقت وعدم الشعور بالملل، وإدراك الأفراد أن معاملة الأبناء لآبائهم ورعايتهم يعلم الأحفاد أصول البر والتراحم والاحترام، فينشأون نشأة صحيحة تؤهلهم للعناية بآبائهم في المستقبل.