عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Dec-2025

صخرة الأردن* رلى السماعين

الدستور -

ليس من المبالغة القول إن صورة جلالة الملك عبد الله الثاني في الوعي الدولي لم تعد محصورة في كونه ملكاً لدولة راسخة في قلب الشرق الأوسط، بل تجاوزت ذلك لتصبح صورة قائد يُستمع إليه في دول العالم الكبرى، ويُنظر إليه باعتباره صوتًا للعقلانية والاتزان في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطرابًا.

 

الاحترام الذي يحظى به جلالته بين القادة والدبلوماسيين وصنّاع القرار الدوليين هو نتاج مسار طويل من الحكمة في المواقف، والثبات في المبادئ، والدور المحوري في صناعة السلام والاستقرار، في ظل إرث هاشمي سياسي وتاريخي عميق. فقد أثبتت التجربة أن السلطة الحقيقية لا تُقاس فقط بما يُملَك من أدوات القوة، بل تتجسّد أساسًا في القدرة على بناء الثقة عبر الحدود، وصون الكرامة الوطنية، وتحويل التحديات الإقليمية إلى مساحات للحوار والتوازن.

 

وهكذا، ظهر الأردن، في ظل قيادته الهاشمية كجسر للتلاقي بين الشرق والغرب، ومساحة آمنة  للوساطة والتواصل في زمن الاستقطاب الحاد. وهو دور لم يكن نظريًا يومًا، بل تُرجم عمليًا في حضوره الدائم في ملفات شديدة التعقيد، من القضية الفلسطينية، إلى الأزمات الإقليمية، إلى دوره الإنساني في استضافة اللاجئين، ومشاركته الفاعلة في الجهود الدولية لمكافحة التطرف.

 

وخلال متابعتي لما كُتب وقيل في الآونة الأخيرة عن جلالة الملك، برزت إشادات متنوعة من زعماء ومحللين ومختصين. ففي المحيط العربي والإقليمي، غالبًا ما يُشاد بجلالته بوصفه صوت الاعتدال، والمدافع الثابت عن القضايا العربية، وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية والوصاية الهاشمية على المقدسات، وبأنه يوازن بين الموقف المبدئي ومتطلبات الاستقرار الإقليمي.

 

أما في الغرب، فتتقدّم صورة قائد يجمع بين الواقعية السياسية والرؤية الإنسانية، ويُنظر إليه كشريك موثوق في قضايا مكافحة التطرف، وحماية الأقليات، والحفاظ على الاستقرار في منطقة شديدة الحساسية. وقد وصفت تقارير في مراكز أبحاث وصحف دولية الأردن بأنه أحد «صمّامات الأمان الإقليمية» في لحظة اهتزاز غير مسبوقة تشهدها المنطقة.

 

وفي الصحافة العالمية ومراكز الدراسات، يُقدَّم الملك بوصفه من القادة العرب القلائل القادرين على قراءة التحولات الدولية مبكرًا، والتكيّف معها دون التفريط بالثوابت. فهو يتحرّك بهدوء، لكن بفاعلية عالية، في ملفات تتجاوز حجم الدولة جغرافيًا واقتصاديًا، مستندًا إلى رصيد من الاتزان السياسي والحكمة في إدارة التوازنات.

 

ومن هذه الشهادات، تتكرّر ثلاث سمات رئيسية وهي حكمة القيادة، وثبات الموقف، والدورالواضح العالمي والمحلي في ترسيخ السلام والاستقرار. وهي سمات تشكّلَت في ظروف صعبة، فرضتها أزمات الإقليم المتتالية، والضغوط الاقتصادية، والظروف السياسية المحيطة  بالاضافة إلى التحديات الاجتماعية والاقتصادية في الداخل.

 

وهكذا تكرّست صورة جلالة الملك بوصفه «الصخرة الثابتة» ؛ النقطة الصلبة التي يستند إليها الداخل في أوقات التحوّل والقلق، ويستند إليها الخارج بوصفها مرجعية للاتزان في منطقة تتغيّر خرائطها بسرعة مذهلة.

 

جاءت جولة جلالته الآسيوية الأخيرة لتجسّد البعد العملي لهذه الزعامة، بوصفها تحرّكًا استراتيجيًا واعيًا نحو مراكز الثقل الاقتصادي العالمي. فقد شملت الجولة محطات أساسية في باكستان، وسنغافورة، وإندونيسيا، وغيرها من الدول التي تمثّل اليوم محركات رئيسية للنمو العالمي.

 

وكان الملف الاقتصادي عنوانًا واضحًا في معظم اللقاءات من صناعة، واستثمار، وتكنولوجيا، وتعليم، وسياحة. إذ التقى جلالته بقادة دول، ورؤساء شركات كبرى، ومجالس أعمال، بهدف فتح أسواق جديدة للصادرات الأردنية، وجذب استثمارات نوعية تُسهم في خلق فرص عمل وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني. وفي كل محطة، كان الأردن يُقدَّم بوصفه بيئة مستقرة، وقاعدة آمنة للأعمال.

 

غير أن هذا الحراك الخارجي، بما يحمله من فرص، يضع أمام الداخل الأردني تحديًا لا يقل أهمية وهو تحويل الثقة الدولية إلى مكاسب ملموسة في حياة المواطن، في ظل ضغوط اقتصادية متراكمة، وارتفاع كلف المعيشة، وتحديات البطالة، وتطلعات شبابية مشروعة تبحث عن أفق أوسع.

 

الشهادات الدولية رسخت  صورة الأردن كدولة ذات استقرار ومنصة حوار بين الثقافات، وجسر بين دول العالم المختلفة، وهو دور لا يمكن أن يتحقق دون قيادة تحظى بالثقة والاحترام خارج حدودها.

 

ويبقى الملك عبد الله الثاني نموذجًا لزعامة هادئة وثابتة، يعرف متى يقول «لا»  بحزم، ومتى يمدّ اليد بحكمة. وهنا تحديدًا يكمن سرّ الاحترام الذي يحظى به، احترام تصنعه المواقف المتراكمة عبر ربع قرن من القيادة في أكثر مناطق العالم اختبارًا للصبر والحكمة. حمى الله الوطن.