عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Oct-2025

نوبل وجدل أبوة الإنجاز *د.عاصم منصور

 الغد

اندلع جدل واسع على مواقع التواصل بعد الإعلان عن فوز العالم عمر ياغي بجائزة نوبل في الكيمياء.
فقد تسابق مواطنون ووسائل إعلام من دول عربية شتى يحمل ياغي جنسياتها أو يعود أصله إليها، إلى نسب «أبوة» الإنجاز إلى بلدانهم، متسلحين بصورة هنا أو تصريح هناك، فجميعهم يدعي وصلا بليلى فهل تقر لهم ليلى بذاك؟
 
 
تتوارى خلف هذا السجال العاطفي أسئلة أعمق حول من يحق له الاحتفاء بالمبدعين العرب الذين أنجزوا في الغرب بعد أن لفظتهم أوطانهم أو لم تستطع أن توفر لهم مقومات الإبداع والحياة الكريمة، فلمن تنسب الثمرة حين تقطف في الحقل الذي تعهدها بالرعاية ووفر لها سبل النماء لا في الحقل الذي شهد ميلادها لكنه لم يوفر لها البيئة المناسبة لكي تزهر وتنضج.
القاعدة البسيطة تقضي بنسب المنجزات إلى من وفر شروط تحققها، وفي حالة ياغي وزويل وغيرهما من العلماء العرب، جاءت البيئة البحثية الحاضنة في الـجامعات والمختبرات الغربية، التي وفرت لهم التمويل، والمعامل المتقدمة، والعدالة في الفرص من خلال شبكة تقييم صارمة، ووقت محمي للإبداع. ومن هنا تبدو أحقية المؤسسات التي احتضنتهم في الاحتفاء واضحة؛ فهي التي زرعت ورعت ووفرت الأدوات، ولا غرابة أن تنسب لها الثمرة على مستوى الإنجاز البحثي والسمعة الأكاديمية.
 لكن هذا لا ينفي البعد الرمزي للانتماء، فالشعوب تفرح بمن يشبهها ويمثلها، خاصة حين تقل النماذج الملهمة في الداخل، ويضمحل دورها الحضاري، غير أن الفرح الشعبي شيء، والاستثمار السياسي الرسمي شيء آخر؛ إذ لا يستقيم أن تتباهى حكومات لم تؤمن مختبرا لائقا ولا مناخا أكاديميا نزيها بإنجاز صنع خارج منظومتها.
في هذه الحال، يصبح الاحتفاء الرسمي غطاء لعطب بنيوي. لقد كان أولى بحكومات الدول النامية أن تقرن احتفالاتها بإنجازات مواطنيها ببرامج إصلاح واضحة، تحتوي على آليات للتمويل البحثي المستدام، واستقلال الجامعات والمؤسسات البحثية وشفافية التعيينات، وتطوير المناهج، ومد جسور تعاون حقيقية مع مراكز التميز العالمية.
الجدل على وسائل التواصل كشف طبقة أخرى من التوقعات: مطالبة المبدعين باستخدام المنابر العالمية للحديث عن قضايا شعوب المنطقة، فالبعض وأنا منهم لام علماء ومشاهير لغياب مواقف صريحة لهم من الحرب على غزة مستحضرين نماذج غربية قاطعت فعاليات رسمية ارتبطت بالاحتلال أو اتخذت منها مواقف حادة. فثمن الكلام في البيئات الأكاديمية المعقدة قد يكون باهظا على مسار الباحث وفرصه البحثية وربما سلامته. والحل ليس في إعفائه من مسؤولية الانحياز للحق ولقضايا الشعب الذي ينتمي إليه ولا في تحميله ما لا يطيق؛ بل في توفير مظلة مؤسسية عربية قادرة على توفير جوائز ومنح بحثية عربية تحظى بسمعة عالمية تقدم لهم بديلا عن بعض الجوائز والمنح التي لا بد لها من ثمن سياسي قد يكون باهظا.
ويبقى سؤال «طريق نوبل» حاضرا في النقاش الدائر، حيث يتكرر نمط مرور بعض الأسماء العربية الفائزة بالجائزة عبر جوائز ومؤسسات ترتبط بدولة الاحتلال ولا يخفى على متابع طابعها السياسي أو استغلالها لتحقيق مآرب سياسية، ومنها جائزة ولف في الكيمياء؛ ما يغري بتأويلات سياسية، حول حتمية محطة تل أبيب في الطريق إلى نوبل.
يحق للشعوب أن تفخر بأبنائها، لكن الفضل يجب أن ينسب للمؤسسات التي احتضنتهم، وعلى الحكومات الطاردة أن تراجع نفسها عوض تبني منجز لم تصنع شروطه، فحين نحول الفخر بالإنجازات إلى سياسات تعليم وبحث جادة، ستتراجع حدة السجال حول «أبوة» الإنجاز؛ لأن الثمر سينضج على أشجارنا.