عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Oct-2025

«غو برو» غزة و «درونز» حنظلة!*بشار جرار

 الدستور

ليس المشتغلون في مهنة البحث عن المتاعب وحدهم الذين يعرفون قدر الصورة ومنزلة الصوت ومكانة المؤثرات الإلكترونية، بل المشاهدون أيضا وعلى اختلاف مواقفهم من المشهد وتفاصيله أو الحدث وأطرافه.
 
الصورة بألف كلمة. كانت هذه حالها عندما كانت تؤسس للصحافة الفوتوغرافية. صورة واحدة من فيتنام لتلك الفتاة العارية الهاربة من قذائف النابالم هزت ضمير أمريكا والعالم كله، وكذلك صورة من تحدي دبابة وجها لوجه في ميدان تيانانامين في بكين. الصورة كثيرة، الثابت منها والمتحرك في فيديو، وما تبعها من رسوم كاريكاتورية كلفت الفنان الثائر أو المعارض حياته أو حريته أو أصابعه، كالفلسطيني ناجي العلي مبدع الشخصية الأسطورية الأيقونية «حنظلة»، والسوري الكوردي المعارض، علي فرزات.
 
رغم عمق الخلافات الفلسطينية التي بلغت حد الاقتتال الدامي والقمع والإقصاء والهيمنة والتفرّد في القرار الوطني والحكم، إلا أن الإجماع مازال على رموز من بينها حنظلة، وربما أكثر من مبتكرها الذي ما زالت الأسرار تلف اغتياله الآثم في لندن عام 1987، بلثام وكفن.
 
لو بُعث حنظلة حيا كيف كان سيرى المشهد في غزة، بعيدا عن «حكي الجرايد» يوم رأى النور في 13 تموز عام 1969 في كنف صحيفة «السياسة» الكويتية العريقة. لم يغب عن بالي ذلك الرمز المجسد للصبر وآلام اللجوء والنزوح والشتات، وأنا أرى المشهد جانبي الحدود بين إسرائيل وغزة المنكوبة المكلومة، تحديدا تلك الصور التي تبارت فيها الفضائيات والمنصات. هذه تصوّر من الأعلى المشهد برمته لإظهار حجم الدمار الذي خلّفه القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي، وتلك تنزل إلى الأرض عبر مراسليها لتقرّب النظر إلى ما شهدناه من قوافل المشاة من الفلسطينيين، وقلة ممن وجد ركوبة من سيارة أو «بكب» متهالكا، محمّلاً فوق أضعاف طاقته، أو من ذوات الأربعة حوافر، الدواب القادرة على جر عربات محملة بمن بقي على قيد الحياة، وما تبقى من مَتاع سلِم من القصف والنزوح المتكرر بين المربعات «الآمنة» نسبيا، من مقتلة كبرى، استمرت حولين كاملين.
 
تذكرت حنظلة الصبي والفتى والرجل والطاعن في السن، بقدميه الحافيتين، كيف كان ليرى مشاهد الدرونز بعد التفريق بين مسيّرات تصوّر، ومسيّرات تقصف، ومَسيرات تحرّض لمزيد من تلك المغامرات العبثية المدانة عالميا، خاصة من الدول التي اعترفت بحل الدولتين، وقيام دولة فلسطينية بعد زهاء قرن من رفضها أول مرة.
 
الكلفة باهظة لا يحتملها حتى حنظلة، من تحالف الحاج أمين الحسيني مع هتلر، وتحالف يحيى السنوار وقيادات حماس الخارج والداخل قبل وبعد السابع من أكتوبر 2023 مع خامنئي، وقد خذل سلفه خميني ياسر عرفات عندما وعده بجيش من مئة ألف مقاتل لإنقاذه من حصار بيروت 1982!
 
شتان بين الكاميرات التي زودتها إيران ومحورها لعناصر حماس، المبتكرة أصلا للرياضة والسياحة، والمعروفة ب «غو برو»، شتان بين ما أظهرته من صور جلبت الإدانة لا التعاطف، وبين الصور الجوية والأرضية التي رأيناها بعد توقيع حماس على خطة ترمب ومرحلتها الأولى التي نسأل الله أن تنتهي على خير، علّ معاناة المدنيين من الجانبين تنتهي إلى الأبد لا إلى جولة أخرى من الصراع. الأمل متاح في ظل ظروف دولية وإقليمية وداخلية على الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية، لقيام سلام حقيقي دائم وشامل تستخدم فيها كاميرات «غو برو» والدرونز لاستخداماتها الطبيعية، استخدامات تحفظ حياة الإنسان وحرماته وحقوقه دون أي تمييز. ليس بعيد المنال أبدا أن تصبح غزة ريفيرا الشرق الأوسط أو سينغافورة الإقليم ولا أن تعود لبنان سويسرا الشرق الأوسط إن صلحت النوايا في إنجاح قمة شرم الشيخ الدولية بعد ربع قرن من قمة مماثلة كان عنوانها محاربة الإرهاب وصنع السلام. كانت تلك في عهد بيل كلينتون. فهل يتدارك ترمب أخطاء من سبقوه من الرؤساء الأمريكيين؟ وهل ترسخت قناعة قوية لدى الأغلبية على الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية بأن السلام العادل هو الضمانة الحقيقية لديمومته؟ السلام بالقوة العسكرية وعبر القوة الاقتصادية وقوى ناعمة أخرى من بينها الثقافة والإعلام والتربية والتعليم، قد يكون أجدى من قرن ونيف من الحروب والاضطرابات التي اكتوى بنيرانها الجميع.