الغد
لا يشك أحد بأن مصطلحي «التواطؤ» و»الخذلان»، اللذين في ظاهر المعنى يبدوان وكأنهما مختلفان، إلا أنهما على أرض الواقع مترابطان، ويكمل بعضهما البعض الآخر، لا بل ويعتبران قسمين أو جزأين من كل.
وقد يظن البعض بأن هاتين الصفتين تقتصران على الدول فقط، خصوصًا إذا ما تعرضت إحداها لحرب همجية، أو إبادة جماعية، أو أزمات طائفية، أو انقسامات عرقية وإثنية.. فالتخاذل والتواطؤ يتضمنان أنواعا عدة، جميعها يلفظه كل ما هو إنساني وأخلاقي.
النوع الأول هو ما يكون على مستوى الدول؛ حيث يكون هناك تخاذل وتواطؤ دولة أو مجموعة دول ضد دولة، والثاني يكون ما بين مؤسسة أو شركة ضد أخرى، والنوع الثالث قد تكون أطرافه شخص أو أشخاص عدة ضد قرين لهم.
وهناك دومًا تواطؤ وخذلان في كل أصقاع الأرض، لكن ما يهمنا، نحن كعرب، ما حصل من ذلك في منطقتنا، فالتاريخ شاهد على ما تعرضت له فلسطين منذ ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، ومن بعدها العراق وسورية ولبنان، وفي الكثير من البلدان العربية، وأخيرًا، وأتمنى أن يكون أخيرًا، ما تعرض له قطاع غزة من إبادة جماعية، رآها العالم أجمع، لكنه لم يحرك ساكنًا باستثناء بعض الدول ممن ما تزال الإنسانية والأخلاق متأصلة ومتجذرة فيها، ودائمًا تدعو إلى السلام، وعلى رأسها الأردن.
يمكن تلخيص «التواطؤ» و»الخذلان»، بأنهما «وجهان لعملة واحدة»، فهما وإن كانا يسلكان طريقين مختلفين ظاهرًا، إلا أن هدفهما أو جوهرهما واحد، فهما يقتسمان دور «البطل المزيف»، أو الذكي، أو من يصف نفسه بأنه يتقن فن الرقص على رؤوس الأفاعي.
ذلك «المتذاكي»، تراه تارة يقف في صف القوة القائمة، أيًا كانت مسمياتها استعمارية أم احتلالية، ضد الدولة المحتلة، أو تلك التي تتعرض لهزات، حتى لو كانت الأخيرة تمثل وطنه وأهله وأبناء جلدته، وتارة أخرى تراه يتقن دور «المتفرج» على حساب الضحية أو الحلقة الأضعف، وفي حال تجرأ، وأدلى بدلوه، تراه يضع الحق كله على الحلقة الأضعف، وتارة ثالثة، وهي الأخطر، تراه يسرف في الغلو، والمساهمة في تدمير أو إضعاف كل من لا يأتي على هوى «أسياده»، أو أولياء نعمته.
أيًا كان النوع الذي يتصف به «المتواطئ» أو «المتخاذل»، ويعمل به، لا بل تراه يبذل جهودًا مضاعفة لإتقانه، ويصبح ديدنه، فإنها كلها ضد العدل والمروءة والنخوة والشهامة والفروسية، وضد ما تربينا عليه من عادات وتقاليد وثقافة، كانت في يوم من الأيام تسود العالم، وتنصفه، وتلهف المظلوم، وتصد الظالم.
ما يدعو إلى الاستغراب والاستهجان أن المتخاذل أو المتواطئ، لا يتحصل على مغانم كثيرة، فتراه يكتفي بدراهم معدودة، أو الاستفادة من منفعة أقل ما يقال عنها بأنها عادية.. لكنه في المقابل يظل مكشوفًا للجميع، خصوصًا لتلك الفئة أو الدول التي يتبرع بتقديم خدماته إليها، وبالتالي ينطبق عليه المثل القائل: «معروف ديته».