عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Oct-2025

تاريخ من الخداع: الاتفاقات الأميركية – الإسرائيلية ومقترح غزة

 الغد

 ترجمة: علاء الدين أبو زينة
رمزي بارود – (كاونتربنش) 10/10/2025
بينما كانت عشر دول تعلن اعترافها بدولة فلسطين وسط التصفيق في "الجمعية العامة للأمم المتحدة" في الفترة بين 21 و23 أيلول (سبتمبر)، كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تستعدان للكشف عن استراتيجيتهما الكبرى، بمساهمات أساسية من رون ديرمر، وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي في ذلك الحين.
 
 
كان تاريخ الصهيونية دائمًا، في جوهره، تاريخا من الخداع. وهذه الحقيقة المؤكدة مهمة بشكل حاسم اليوم لأنها تضع في السياق ما يسمى بـ"مقترح ترامب لغزة"، الذي يبدو أنه ليس أكثر من استراتيجية مموهة لهزيمة الفلسطينيين وتسهيل التطهير العرقي لجزء كبير من سكان غزة.
منذ بداية الصراع الحالي، كانت الولايات المتحدة الحليف الأكثر إخلاصًا وتحمسًا لإسرائيل، والتي ذهبت بعيدًا إلى حد تأطيرها المجازر الصريحة التي تُرتكب بحق المدنيين الفلسطينيين على أنها "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". ويقوم هذا الموقف على التجريم الشامل لكل الفلسطينيين -مدنيين ومقاتلين، ونساءً وأطفالًا ورجالًا على السواء.
مرة تلو المرة، ثبت أن أي أمل ساذج في أن إدارة ترامب قد تقوم بضبط سلوك إسرائيل وكبح جماحها هو بلا أساس. كانت كلٌّ من إدارة الديمقراطي جو بايدن، وإدارة الجمهوري الذي خلفه دونالد ترامب، شريكتين مباشرتين في تنفيذ المهمة المسيانية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. وكان الفرق بينهما في الغالب خطابيًا بشكل أساسي: كان بايدن يغلّف دعمه المطلق لإسرائيل بخطاب ليبرالي؛ بينما يتحدث ترامب بلغة أكثر صراحة ومباشرة، مستخدمًا لغة التهديدات العلنية.
وقد اتبعت كلتا الإدارتين استراتيجيات تهدف بوضوح إلى منح نتنياهو انتصارًا، حتى بينما فشلت حربه في تحقيق أهدافها الاستراتيجية. من جهته، استخدم بايدن وزير خارجيته، أنتوني بلينكن، كمبعوث للتوسط في وقفٍ لإطلاق النار كان مصممًا بالكامل ليتوافق مع أولويات إسرائيل. وبالمثل، استخدم ترامب صهره، جاريد كوشنر، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير -من بين آخرين- لتدبير خدعة مشابهة.
وقد استغل نتنياهو بدهاء كلتا الإدارتين. لكن حقبة ترامب شهدت اللوبي الإسرائيلي وإسرائيل وهما يمليان السياسة الخارجية الأميركية كما يبدو. وكان من العلامات الواضحة لهذه الدينامية المشهد الشهير في نيسان (أبريل) الماضي، أثناء زيارة نتنياهو للبيت الأبيض، حين سحب الرئيس الذي يرفع شعار "أميركا أولًا" الكرسي ليهيئه لجلوس نتنياهو بنفسه. كما أن استدعاء بلير -الذي ترأس ذات مرة "اللجنة الرباعية للسلام" الخاضعة للسيطرة الأميركية- إلى البيت الأبيض إلى جانب كوشنر في آب (أغسطس)، كان إشارة مشؤومة أخرى. كان واضحًا أن إسرائيل والولايات المتحدة تخططان لحياكة مؤامرة أكبر بكثير: مؤامرة لا تهدف إلى سحق غزة فحسب، وإنما أيضًا إلى تقويض أي محاولة لإعادة بعث القضية الفلسطينية جملة وتفصيلًا.
بينما كانت عشر دول تعلن اعترافها بدولة فلسطين وسط التصفيق في "الجمعية العامة للأمم المتحدة" في الفترة بين 21 و23 أيلول (سبتمبر)، كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تستعدان للكشف عن استراتيجيتهما الكبرى، بمساهمات أساسية من رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي في ذلك الحين.
ثم تم الإعلان عن مقترح ترامب لغزة في 29 أيلول (سبتمبر). وعلى الفور تقريبًا، أعلنت عدة دول -بما فيها دول داعمة بقوة لفلسطين- عن دعمها له. وتم التعبير عن هذا الدعم من دون إدراك لحقيقة أن النسخة الأحدث من الخطة التي أعلنها ترامب كانت قد عُدّلت بشكل كبير عما تم مناقشته بين ترامب وممثلي العالمين العربي والإسلامي في نيويورك في 24 أيلول (سبتمبر).
أعلن ترامب أن إسرائيل وافقت عل قبول المقترح، وهدد "حماس" بأنها إذا لم تقبله خلال "ثلاثة أو أربعة أيام"، فإنها "ستكون هناك نهاية حزينة جدًا". ومع ذلك، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي فشل هو والمنظمة التي يقودها إلى حد كبير في محاسبة إسرائيل على جرائمها، عن دعمه لمقترح ترامب، وصرح بأنه "من الضروري الآن أن تلتزم جميع الأطراف بالاتفاق وبتنفيذه".
شعر نتنياهو بنشوة جديدة، معتقدًا بأن عبء الضغط الدولي شرع في الزوال أخيرًا، وأن اللوم أصبح ينتقل إلى الفلسطينيين. وذُكر أنه صرّح بأن "العالم بأسره، بما في ذلك العالمان العربي والإسلامي، يضغط الآن على حماس لتقبل الشروط". ومع الشعور بالارتياح لفكرة أن الكفة مالت لصالحه، أعاد التأكيد مجددًا وعلنًا على أهدافه التي يريد تحقيقها في غزة في 30 أيلول (سبتمبر)، وقال: "تحرير جميع رهائننا، الأحياء منهم والأموات، بينما يبقى جيش الدفاع الإسرائيلي في معظم أنحاء القطاع". وحتى عندما احتجت الدول العربية والإسلامية على التعديلات التي تم إدخالها على خطة ترامب الأصلية، لم يتراجع نتنياهو ولا ترامب؛ واصل الأول مجازره، بينما واصل الثاني تكرار تهديداته.
والدلالة واضحة تمامًا: بغضّ النظر عن الموقف الفلسطيني، سوف تواصل إسرائيل الدفع باتجاه التطهير العرقي للقطاع، باستخدام كل من الوسائل العسكرية وغير العسكرية على السواء. ويتصور المخطط أن تُدار غزة والضفة الغربية ككيانين منفصلين، بحيث تقع غزة تحت السيطرة المباشرة لما يسمى "مجلس سلام" ترامب، الذي يجعل من بلير وكوشنر فعليًا الحكام الاستعماريين الجدد لفلسطين.
وهنا يكتسب التاريخ أهمية قصوى -خاصة تاريخ الخداع الإسرائيلي. منذ بدايته، برر الاستعمار الصهيوني سيطرته على فلسطين بسلسلة من الأكاذيب: زعم أن المستوطنين الأوروبيين يمتلكون صلات تاريخية أساسية بالأرض؛ والادعاء الزائف بأن فلسطين كانت "أرضًا بلا شعب"؛ والتأكيد على أن السكان الأصليين كانوا غرباء متطفلين؛ والتصوير النمطي للعرب بأنهم معادون للسامية بطبيعتهم. وبناءً على ذلك، تم تسويق دولة إسرائيل -التي أُنشئت على الأراضي الفلسطينية التي تم تطهيرها عرقيًا- زورًا على أنها "منارة للسلام والديمقراطية".
تعمق هذا النسيج من الأكاذيب والتزوير وتم تكراره بكثافة أكبر بعد كل مذبحة وكل حرب. وعندما كانت إسرائيل تتعثر في إدارة عملياتها العسكرية أو حربها الدعائية، كانت الولايات المتحدة تتدخل على الفور وفي كل حالة. أحد أبرز الأمثلة كان غزو إسرائيل للبنان في العام 1982، حيث تم فرض "اتفاق سلام" على "منظمة التحرير الفلسطينية" تحت الضغط الأميركي. وبفضل جهود المبعوث الأميركي فيليب حبيب، غادر المقاتلون الفلسطينيون بيروت إلى المنفى، على أساس أن هذه الخطوة ستنقذ أرواح الآلاف من المدنيين. لكن ما حدث، للأسف، كان العكس تمامًا، حيث مهد ذلك الترتيب الطريق مباشرة لمجزرة صبرا وشاتيلا، وللاحتلال الإسرائيلي المطول للبنان حتى العام 2000.
اليوم، يتكرر هذا النمط التاريخي نفسه في غزة، ولو أن الخيارات اليوم أكثر ضيقًا. الآن، يواجه الفلسطينيون خيارًا بين الهزيمة المؤكدة لغزة -يرافقها تباطؤ مؤقت لعمليات الإبادة الجماعية بلا أي ضمانات وقفها على الإطلاق- وبين استمرار المذبحة الجماعية الشاملة. ولكن، على النقيض من الخديعة الإسرائيلية في لبنان قبل أربعة عقود، لا يبذل نتنياهو أي جهد لإخفاء نواياه الخبيثة هذه المرة. فهل سيسمح العالم له بالإفلات بهذا الخداع وهذه الإبادة؟
د. رمزي بارود Ramzy Baroud: صحفي ومؤلف ومحلل سياسي فلسطيني، ورئيس تحرير صحيفة "ذا بالستاين كرونيكل" الإلكترونية. وهو مؤلف لستة كتب، من بينها كتابه القادم "قبل الطوفان" Before the Flood، الذي سيصدر عن دار (سفن ستوريز بريس). من مؤلفاته الأخرى "رؤيتنا للتحرير" Our Vision for Liberation؛ و"أبي كان مقاتلًا من أجل الحرية: قصة غزة التي لم تُرو" My Father Was a Freedom Fighter: Gaza’s Untold Story؛ و"الأرض الأخيرة: حكاية فلسطينية "The Last Earth. و"هذي السلاسل سوف تُكسر" وThese Chains Will Be Broken. وهو زميل بحث أول غير مقيم في مركز الإسلام والشؤون العالمية (CIGA).
 
*نشر هذا المقال تحت عنوان: A History of Deception: US-Israeli Pacts and the Gaza Proposal