عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Jul-2025

عدسات الحياة: رحلة عبر الأفلام الوثائقية في "عمان السينمائي"

 الغد-إسراء الردايدة

يضيء مهرجان عمان السينمائي شاشاته العام الحالي بمجموعة استثنائية من الأفلام الوثائقية العربية الطويلة، تتنفس هموم المنطقة وتنبش في ذاكرتها وتتأمل حاضرها بجرأة وحساسية فنية عالية. كل فيلم منها يحمل عالماً خاصاً، قصة تروى بلسان الصورة والصوت، وزاوية نظر تفتح أبواباً للنقاش والتأمل.
 
 
وتتنوع في دورة مهرجان عمان السينمائي الدولي (أول فيلم) للعام الحالي قائمة أفلام وثائقية طويلة تأتي من مشهد عربي ودولي حيوي. تقوم هذه الأفلام بوصف وجوه الحياة والذاكرة والمعاناة من زوايا مختلفة، وتضيء على قصص إنسانية عميقة بعيدا عن النصوص السينمائية الجاهزة. تتميز معظم الأعمال الوثائقية هنا بحميمية المراقبة والتوثيق الدقيق للحظات عفوية، كما يعكس بعضها تجارب شخصية أو مجتمعية ذات بعد تاريخي أو سياسي.
 
هذ الأفلام الوثائقية تجتمع حول محورين رئيسيين: التوثيق الحميمي للذاكرة الجماعية، وصياغة المقاومة الفردية والجمعية عبر مواقع جغرافية متنوعة، من سجون أبو زعبل وحتى صالونات التجميل في بيروت، ومن مدارس السلط التاريخية إلى شوارع غزة المحاصرة (المصدر: السياق المقدم). تحمل الأفلام صوت الناجين والأمهات والأبناء، وتكشف عن طرق متعددة لمساءلة التاريخ وتفاعل الأفراد مع تحولات السياسة والثقافة والاجتياح.
ومن خلال رصد اللحظات العفوية وتقنيات المونتاج البسيطة واللقطات الثابتة والمقربة، يركز صناع هذه الوثائقيات على سرد بصري وصوتي جريء يحرر التفاصيل الصغيرة من طابعها الاعتيادي ليجعلها شاهدة على صراعات الهوية والحرية والكرامة، ويعكس الديناميات الاجتماعية التي تشكل حاضرنا ومستقبلنا.
أبو زعبل 89 (مصر - بسام مرتضى)
يعود الفيلم بالذاكرة إلى أحداث سجن أبو زعبل الشهيرة العام 1989، ليس كسردية تاريخية جافة، بل كغوص في ذاكرة الناجين وآلامهم. يركز على التجربة الإنسانية العميقة داخل جدران السجن، وكيف تشكلت حيوات من دخلوها أو خرجوا منها.
تعتمد الكاميرا لقطات متواضعة في البيت والأرشيف العائلي، مع حوارات بين الأب والابن تتداخل فيها أنغام تسجيلات صوتية قديمة وصور فوتوغرافية. تتجلى قوة الفيلم في أسلوبه الصريح والبسيط؛ فهو يخلو من المؤثرات الدرامية المبالغ فيها ويكتفي بمونتاج حذر يتتبع التفاصيل الصغيرة التي تعكس كلفة الصراع السياسي على حياة الفرد العادي.
"نحن في الداخل" (لبنان - فرح قاسم)
يرصد فيلم "نحن في الداخل" للمخرجة اللبنانية فرح قاسم حوارات طويلة بينها وبين والدها الشاعر مصطفى قاسم بعد عودتها من الغربة إلى طرابلس. تجري معظم الأحداث داخل شقة بسيطة حيث يتجمع فيها أدباء المدينة، وقد كان والدها قد وسَم المكان بإشارة "أنت في الداخل" تعبيرا عن عزلتهم الجماعية وعن ضجيج العالم الخارجي المضطرب. تظهر الكاميرا التغيرات النفسية والصحية في والدها، بينما تتابع في الخلفية ثورات ونقاشات تلهم الحي الأدبي.
"فتنة في الحاجبين" (لبنان - عمر مسمار)
يبدو العنوان استفزازيا، لكن الفيلم يتجاوز السطح ليربط بين الجسد والسياسة. من خلال قصة صالون تجميل، ينسج الفيلم حكايات نساء من خلفيات متنوعة، ليكشف كيف يصبح الجسد، حتى في أبسط تفاصيله كالحاجبين، ساحة للتعبير عن الهوية، المقاومة، أو حتى الانصياع لمعايير اجتماعية وسياسية. زاوية نقدية ذكية تربط الخاص بالعام، والفردي بالجمعي.
يقدم "فتنة في الحاجبين" (Frown Gone Mad) للمخرج اللبناني عمر مسمار فيلماً توثيقياً تجريبياً داخل صالون تجميل في ضاحية بيروت. تلتقط الكاميرا وجوه زبونات يتلقين حقن البوتوكس والفيلر، فتظهر تعابيرهن المتجمدة وكأنها مستودع لصراخ باطني، بينما يظهر الصالون كجزيرة داخل مشهد دمرته حرب قريبة. يوظف المخرج اللقطات المقربة والثابتة ليبرز الألم الصامت على شفاه المراجعات، ويربط بين اهتمامهن بالمظاهر ورغبة المجتمع في كبت الحقيقة تحت طبقة من الجمال المفروض.
"وقت مستقطع 22" (سورية - علي قزويني)
يلتقط الفيلم أنفاس سورية في لحظة "الهدنة" النسبية التي أعقبت العام 2018، خاصة في الغوطة الشرقية. يرصد حياة الناس العاديين وهم يحاولون إعادة بناء ما تبقى من حياتهم وسط الدمار.
الفيلم صادم في تصويره للعواقب الإنسانية المروعة للحرب، ويسائل معنى العودة إلى الحياة الطبيعية وسط أنقاض الماضي وغياب اليقين بالمستقبل.
يبدو أن المخرج السوري علي قزويني يعالج قصة ما أو أشخاصاً في العام 2022، ربما مستغلاً فكرة فترات الراحة لالتقاط لحظات من الحياة اليومية في زمن الحرب. تنتقل الكاميرا بين لقطات حيوية لأجواء الحياة البسيطة وتأملات مشاعرية للشخوص، وكأنها توثق اندماج الفرح والحزن في الوقت نفسه.
"أم المدارس" (الأردن - عبد الله عيسى)
يسلط الضوء على مدرسة "أم المدارس" التاريخية في مدينة السلط الأردنية، كرمز للتعليم والنهضة العربية المبكرة. يتجاوز الفيلم البناء ليروي تاريخ التعليم وتطوره وأثره في تشكيل الأجيال والهوية. نقدياً، يطرح الفيلم أسئلة حول حاضر التعليم العربي ومستقبله، مقارنة بالماضي التأسيسي الذي تمثله المدرسة.
"أمك، أمي" (المغرب - سميرة الموزغيباتي)
يغوص في العلاقة المعقدة بين الأم وابنتها، مستكشفاً روابط الحب، التوقعات، الذكريات والصراعات غير المعلنة. يستخدم الفيلم لغة سينمائية حميمية لرسم صورة إنسانية عميقة عن الأمومة والبنوة.
فينقل الفيلم الرحلة التي تقوم بها الابنة للالتقاء بوالدتها بعد غياب سنوات. يصور العمل اللقاءات الدافئة والمشحونة بينهما، منتقلا بين صمت الأم وحيرة الأبناء، ومعاكسا بين حياة المدينة المعاصرة وقسوة الحياة الريفية. تستخدم المخرجة صورا أرشيفية عائلية ولقطات مناقشات داخل المطبخ وحول موائد الطعام لتسليط الضوء على التوتر بين التقاليد والحداثة.
"إحكيلهم عنا" (الأردن - رند بيروتي)
يعكس فيلم "احكيلهم عنا" رؤية إنسانية حوارية تلخص تجارب مجموعة من المراهقات العربيات والأكراد والغجر اللاتي نشأن في ملجأ ألماني.
ترافقنا المخرجة رند بيروتي مع الفتيات في قرية ريفية ألمانية، حيث تنتقل الكاميرا بين حوار صريح لكل منهن حول أحلامها وأفكارها وهمومها، ومشاهد تنسج تفاصيل حياتهن اليومية. يعمد الفيلم إلى إتاحة مساحة متساوية لكل شخصية لتروي قصتها الخاصة أمام الكاميرا، فتتنوع اللغات والخلفيات ويظهر الإخفاق والانتصار في حياة كل واحدة.
"الأونروا، 75 عاماً من تاريخ مؤقت" (سويسرا - نيكولاس واديموف، ليانا صالح)
يوثق تاريخ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) منذ تأسيسها العام 1949. يرصد الفيلم التحديات الهائلة التي واجهتها الوكالة في تقديم الخدمات تحت وطأة الصراع المستمر وعدم الاستقرار المالي. 
يعتمد العمل على مادة أرشيفية ومقابلات موسعة مع شخصيات فلسطينية (مثل سفير فلسطين الأسبق إلياس سنبار) ومن الاحتلال الاسرائيلي (مثل البرلمانية إينات فيلف)، لتقديم وجهتي نظر متعارضتين حول دور الأونروا: ففي حين يشيد الفلسطينيون بخدماتها التي تدعم الهوية وتبقي الحلم بالعودة حياً، يندد الإسرائيليون بأنها تسهم في تأجيل الحل السياسي بإدامة ظاهرة اللجوء.
"سينما مسرة" (مصر - ستيفاني أمين)
يسرد قصة صالة سينما "مسرة" الشهيرة في الإسكندرية، التي كانت منارة ثقافية لعقود، وصمودها في وجه التحديات الاقتصادية والتحولات الثقافية. الفيلم هو احتفاء بذاكرة سينمائية جماعية وشهادة على دور الفن في المجتمع. نقدياً، يطرح تساؤلات حول مصير دور السينما المستقلة والفضاءات الثقافية في عصر العولمة والرقمنة.
"أهازيج" (الأردن - مي الغوطي)
يستكشف عالم الموسيقا الشعبية الأردنية والفلسطينية، وخاصة دور النساء في حفظ هذا التراث وتطويره. يوثق الألحان والكلمات التي تحمل حكايات الأرض والحب والهوية. نقدياً، الفيلم تأكيد على أهمية التراث الموسيقي كوسيلة للمقاومة الثقافية والحفاظ على الهوية في وجه التحديات.
"قصة عائشة" - (كندا - إليزابيث فيبرت)
وثائقي كندي ينبض بالحياة، يروي حكاية عائشة الفلسطينية من خلال الطبخ والتراث. في مطبخها البسيط، تنهمك عائشة ورفيقاتها في إعداد أطباق تقليدية، وتدافع بحماسة عن كل مكون ومذاق. يصبح الطبخ فعل مقاومة وذاكرة؛ فعمليات الحصاد والطحن وتحضير الولائم تتحول إلى وسيلة لاستحضار الماضي ومواجهة المنفى. 
يمزج الفيلم بين مقابلات حميمة ولقطات أرشيفية، متتبعا إرث النزوح الفلسطيني عبر الأجيال. "قصة عائشة" شهادة حية على قوة الثقافة في حفظ الهوية: كيف يمكن لوصفة طعام متوارثة أن تحمل تاريخا بأكمله، وأن تبث الفرح والصمود حتى في ظل واقع سياسي مرير. بحس سينمائي شاعري، يحتفل الفيلم بـ"السحر الشافي للسرد" عبر فن الطبخ.
"يلا باركور" - عريب زعيتر 
في فيلمها الوثائقي "يلا باركور"، تقدم المخرجة الفلسطينية - الأميركية عريب زعيتر صورة مدهشة وحميمية عن غزة ما قبل السابع من أكتوبر 2023.
الفيلم يتبع الشاب أحمد مطر وأصدقاءه من فريق الباركور الغزي، وهم يقفزون فوق الأنقاض، يركضون بين المباني المهجورة، ويحولون الحواجز الخرسانية إلى مساحات للحرية.
"يلا باركور" ليس مجرد فيلم عن رياضة، بل عن الهوية، الحرية والمقاومة غير التقليدية. إنه فيلم عن الشباب الذين يصرون على التحليق رغم القيود، وعن جيل يحاول إعادة تعريف معنى البقاء في أرض تقيده، لكنه لا يتخلى عنها.
الفيلم يظهر كيف أن الحصار لا يمكنه قمع الروح البشرية، وكيف يمكن للرياضة أن تصبح أداة للنضال من أجل حياة أكثر إنسانية. "يلا باركور" ينجح في أن يكون ليس فقط شهادة سينمائية على واقع غزة، بل أيضا نافذة على عالم يمتلئ بالصمود والأمل، رغم كل شيء.