عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Jun-2025

في معضلة الاتفاق مع إيران*د.عامر سبايلة

 الغد

تستمر المفاوضات الإيرانية مع الإدارة الأميركية في إطار السعي للوصول إلى اتفاق مبدئي مقبول أميركيًا. وبين تضارب التصريحات بين متفائلة ومتشائمة، تبقى فكرة إيجاد توافق بين الطرفين معقّدة إلى حدّ ما.
 
 
ورغم الحديث المتكرر لمبعوث الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط، ويتكوف، المتفائل "دائمًا" بقرب الوصول إلى اتفاق، فإن هذا التفاؤل يمكن تسميته بـ"عقدة ويتكوف" في السعي نحو تحقيق إنجاز سريع للأزمات، حتى لو تمّ عبر اتفاق ظاهري، مع الإبقاء على تعقيدات المسألة على الأرض.
 
إن تبسيط المشاكل القائمة في المنطقة، بهدف تسويق "إنجاز"، هو في الحقيقة عملية ترحيل وتأجيل لتفجير الأوضاع، وهي بالضبط نفس الطريقة التي تعامل بها ويتكوف مع مسألة التفاهمات مع روسيا، واحتفاؤه بلقاء الرئيس بوتين، وتسويقه لتلك اللقاءات على أنها إنجاز لاتفاق مع روسيا بشأن أوكرانيا. لنعود بعدها إلى نقطة التصعيد، وهجوم الرئيس ترامب على بوتين في تغريداته الأخيرة.
على الأرض، تمتلك إسرائيل خاصية التصعيد في جبهات متعددة. ففي غزة، عملت في الأسابيع الماضية على فصل الملف الإنساني عن العسكري، من خلال إيجاد نقاط توزيع للمساعدات الإنسانية تحت إشرافها، مع الحفاظ على زخم العمليات العسكرية.
أما في لبنان، فيتواصل التصعيد على الجبهة اللبنانية، مع ضغط متزايد باتجاه ضرورة التعامل مع استحقاق نزع سلاح حزب الله، والذي بدأ فعليًا مع الحديث عن نزع سلاح الفصائل الفلسطينية الخاضعة عمليًا لرعاية الحزب. لذلك فإن استمرار إسرائيل في تنفيذ عمليات استهداف داخل العمق اللبناني، بالتوازي مع تصعيد أميركي قادم للضغط نحو نزع سلاح الحزب، يعني أن هذه الجبهة تبقى مفتوحة على احتمالات التصعيد.
أما توقف الولايات المتحدة عن استهداف الحوثيين في اليمن، وتقدُّم إسرائيل في هذه المواجهة، فيعني تحويل اليمن إلى جبهة مفتوحة أمام إسرائيل، التي ترى فيها آخر محطات المواجهة غير المباشرة مع إيران، قبل الانتقال إلى الاستهداف المباشر، إذ يعتقد الإسرائيليون أن إغلاق كل الجبهات دون توجيه ضربة حقيقية لإيران أمر غير ممكن، فمثل هذه الضربة تُعتبر ضرورية لشلّ قدرات النظام الإيراني، ولتأكيد عزله عن الإقليم، وإجباره على الانكفاء لمعالجة مشاكله الداخلية.
حتى العراق ما يزال يدور في فلك التصعيد الإسرائيلي، باعتباره إحدى أهم المحطات اللوجستية المتبقية لإيران، وهو ما يفسر بدء الإعلان الإسرائيلي عن استهدافات تطال الحدود السورية-العراقية، حيث أصبحت هذه المناطق اليوم تحت رقابة إسرائيلية مشددة.
إذًا، فإن التفاهم مع إيران، حتى لو تم، لا ينهي الأزمة، وهدنة غزة المقترحة لا تغلق المشهد الإقليمي. فحجم التعقيدات كبير جدًا، ولا يمكن اعتبار ما يقوم به ويتكوف أو ما يقوله وصفة حل حقيقية لهذه الأزمات، بل هو بالأحرى تعبير عن رغبة في إغلاق الأزمات ضمن رؤية معينة تُقدَّم للرئيس ترامب لتخدم تسويقا صورته كصانع سلام، والرجل الذي أوقف الأزمات والتصعيد وأسس لواقع جديد.
بين الواقع على الأرض والمبادرات الدبلوماسية، لا بد من إدراك أن إيران اليوم تجلس على طاولة المفاوضات بعد أن تلقت ضربات كبيرة طالت كل تركيبتها الإقليمية، وأفقدتها فاعليتها، وبعد ضغط كبير عمّق أزمتها الداخلية على مختلف الأصعدة: الاجتماعية والاقتصادية والأمنية وحتى السياسية.
والأهم أيضًا، التلويح بضربات عسكرية أميركية غير مسبوقة، ولهذا فإن أي حل لا يمكن أن يقتصر على الملف النووي الإيراني فقط، كما أن عروض الاستثمار الإيراني المقدمة للأميركي بصيغة "تريلونية" لا تمثل وصفة حل للمشاكل المعقدة والمرتبطة جوهريًا بسياسات إيران الإقليمية.
لذلك، فإن أي اتفاق لا يأخذ بعين الاعتبار إغلاق الجبهات المفتوحة، وتقديم حلول واقعية وحقيقية، يجعل إنهاء الأزمة الإقليمية أمرًا بالغ الصعوبة، ويجعل من انفجار الجبهات المتعددة أمرًا شبه حتمي، كما هو الحال في لبنان وسورية وحتى الضفة الغربية.
أما جبهة إيران نفسها، فلا يمكن أن تكون بمنأى عن الاستهداف المباشر، وإطالة أمد المفاوضات يجعل احتمالية هذا الاستهداف أكبر، بل إن فشل المفاوضات قد يُشكّل بداية لأزمة داخلية إيرانية معقّدة.