عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Oct-2025

ليس كل من على الشاشات... «خبيراً»* حمزة عليان

الجريدة -

 
ليس كل من يدرّس مادة القانون الدستوري حكماً خبيراً دستورياً، يفتي على الطالع والنازل.
 
وليس كل هاوٍ للفلك أو دارس لهذا العلم متنبئاً بالأحوال الجوية، فعلم الفلك شيء والأرصاد الجوية شيء آخر.
 
وليس كل كاتب بالصدفة عالماً بالاقتصاد وعلم الحشرات، فمَن يُفتي بالعبادات مثلاً لا علاقة لها بالطب.
 
عندنا خلطة عجيبة بالمسميات والادعاء بمعرفة كل شيء، تسمع أحدهم يتحدث عن DNA أي باعتباره خبيراً في علم الجينات، وهو في الحقيقة يكاد يتعلم كيف يفك الحرف.
 
علم الفلك كما يَرِد تعريفه بالمواقع ذات الصلة يختص بكل ما هو خارج الغلاف الجوي، ودراسة الأجرام السماوية والتغيرات التي تطرأ عليها وأثرها على الأجرام السماوية الأخرى، أي أن علم الفلك يتيح لنا فهم أعمق للكون وما يحدث فيه من تفاعل، ويرتبط بشكل وثيق بعلم الفيزياء والذرّة.
 
أما ما له علاقة بالأحوال الجوية فهناك درجات بالتخصصات منها مَن يقوم بإعداد النشرات الجوية وتقديمها للجمهور، ويعمل على تفسير البيانات التي توفرها مراكز الأرصاد مثل الخرائط الجغرافية والرادارات وصور الأقمار الصناعية، ويحولها إلى توقعات، ومنها مَن يطلق عليه خبير أو عالم بالأرصاد الجوية، والذي يدرس الظواهر الجوية، ويقوم بتحليل الخرائط والتوقعات الجوية، وعمل أبحاث حول التغير المناخي والعواصف والأمطار والرياح وخلافه.
 
وكلاهما، عالم الفلك وعالم الأرصاد الجوية، يحملان شهادات عليا جامعية، ويستخدمان أدوات علمية للوصول إلى النتائج.
 
أحياناً نقرأ توقعات متضاربة أو قد لا تحدث، لذلك تؤدي إلى اهتزاز الثقة بالخبير الذي يُنسَب إليه الكلام.
 
في الأقوال العامية يقال «أعطي الخبز لخبازه حتى لو أكل نصفه»، هذا يعني أن نترك المجال لأصحاب الاختصاص الحقيقيين للحديث عن الموضوعات التي تختص بها دراستهم وعلمهم وخبراتهم، فهذا سيكون أنفع وأجدى من تنطح البعض وإطلاق التصريحات غير العلمية.
 
ثمة مَن ينسب الألقاب إلى شخصه هكذا، ويتحول اللقب مع مرور الأيام إلى أيقونة تلازم اسمه، بحيث تصبح حقيقة، علماً بأن صاحبها هو مَن منحها لنفسه.
 
نعيش في زمن تُمجَّد فيه الشهرة وتُقاس فيه قيمة الأشخاص بعدد المتابعين، لقد طغى الصوت الأعلى على الصوت الأعلم، وأصبح الكل يُفتي ويتحدث ويحلل، أصبحنا في عصر يُقدَمُ فيه الخبير على المتخصص ليس لعلمه بل لقدرته على جذب الجمهور حتى لو كان الثمن هو الحقيقة.
 
في منصات التواصل لا تحتاج إلى شهادة في الطب حتى تنصح الناس بوصفات بديلة، يكفي أن تقول جرّبت هذه الخلطة ونفعتني، بل وصل الأمر إلى أشخاص يشخّصون أمراضاً نفسية وعصبية بناءً على مقطع فيديو مدته دقيقة، وفي مجال الفلك والأبراج نجد مَن لا يملك أي خلفية علمية، يظهر في فيديوهات يتحدث عن مواقع الكواكب وتأثيرها على مصير البشر، بل ويقدم «نصائح حياتية» استناداً إلى أبراج فلكية لا أساس علمياً لها، كل ذلك لا لشيء إلا لجذب المشاهدات وكسب المال.
 
على «يوتيوب» و»تيك توك» نشاهد مَن يقدم نفسه خبيرَ طاقة أو مفسرَ أحلام، ويتلقى آلاف المشاهدات رغم أن ما يقدمه قائم على خرافات أو مبالغات، بل وصل الأمر إلى محللين سياسيين على الشاشات لا يملكون أي خلفية سوى الظهور الإعلامي أو العلاقات الشخصية، هكذا يمنح الميكروفون لمن لا يستحق.
 
هذا التعدي على التخصصات يضلل الناس ويخلق مجتمعاً مشوّشاً لا يفرق بين الرأي والمعرفة، نحن بحاجة اليوم إلى إعادة الاعتبار للعلم ولأهل الاختصاص، وإلى وعي مجتمعي يرفض المعلومة المجانية إن لم تكن صادرة عن مصدر موثوق، فليس كل مَن يتكلم عليماً ولا كل مؤثر خبيراً، لأن النتيجة تزييف وعي المشاهد، وإغراقه في تحليلات مرتجلة لا تستند إلى واقع أو معرفة.
 
ليس الهدف من هذا النقد أن نصادر حرية الرأي، بل أن نعيد الاعتبار للعلم والتخصص، يمكن لأي شخص أن يعبّر عن رأيه، لكن لا يجوز أن يقدم نفسه خبيراً في مجالٍ لم يدرسه وليس لديه خبرة فيه ولا أن يؤدي فيما لا يعرف.