عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Sep-2025

المعاني يقدم دراسة معمقة حول المواجهة الثقافية وإعادة تشكيل الوعي الإنساني

 الغد-عزيزة علي

يقدم الدكتور والناقد سلطان المعاني في كتابه "المواجهة الثقافية وإعادة تشكيل الوعي الإنساني"، دراسة معمقة لرصد وتحليل التفاعلات الثقافية بين الشعوب والحضارات.
 
 
يعالج الكتاب الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون"، ظاهرة المواجهة الثقافية بجوانبها المختلفة: الصراع، التبادل، الذوبان والمقاومة، مستعرضا جذورها التاريخية، وأبعادها المعاصرة، وتأثيرات الإعلام والفنون والتكنولوجيا عليها.
كما يطرح تساؤلات جوهرية حول الهوية والأصالة والانفتاح، مستنيرا بأمثلة تاريخية ومعاصرة، ليقدم رؤية شاملة حول كيفية إدارة المواجهة الثقافية، بما يحافظ على خصوصية الشعوب ويحولها في الوقت ذاته، إلى مصدر إثراء وإبداع حضاري عالمي.
جاء الكتاب في تسعة عشر فصلا، تناولت موضوعات متعددة، من أبرزها: الصراع الثقافي، التبادل الثقافي، الاستيعاب الثقافي، المقاومة الثقافية، الهيمنة الثقافية، إلى جانب العولمة، الهجرة والتنوع العرقي، الاستعمار والتأثير الغربي ودوره في فرض الثقافات، فضلا عن تأثير الثورة التكنولوجية على انتشار المعلومات والثقافة العالمية.
كما ناقش المؤلف آثار المواجهة الثقافية، وتلاقح الثقافات ودوره في تعزيز الإبداع والابتكار، ومفهوم التنوع الثقافي، وفقدان الهوية الثقافية في المجتمعات، وتصاعد النزعات الأيديولوجية والدينية، وانتشار القيم الاستهلاكية وتقليد الثقافات، إضافة إلى إدارة المواجهة الثقافية، والتعليم الثقافي واحترام التنوع، وحماية الهويات الثقافية مع الانفتاح على الآخر، وصولا إلى بناء مجتمع عالمي متماسك.
يضع الكتاب بين أيدينا دراسة معمقة تضيء على ظاهرة المواجهة الثقافية بمظاهرها المتعددة: الصراع، والتبادل، والاستيعاب (الذوبان)، والمقاومة. كما يتناول موضوعات يمكن عدها من قضايا اللحظة الراهنة، حيث يشهد العالم اليوم حالة غير مسبوقة من الانفتاح والتداخل الثقافي بفعل ثورة الاتصالات والتكنولوجيا، وتزايد موجات الهجرة، واتساع نطاق العولمة. ويبرز في هذا السياق سؤال الهوية، بما يحمله من إشكاليات حول الكيفية التي يمكن للإنسان من خلالها الحفاظ على خصوصيته الثقافية ومكوناته الحضارية.
يتضمن الكتاب دراسات ثقافية معمقة ترصد وتحلل الفرص الكامنة في التفاعل الحضاري الراهن. ويرى الباحث أن المواجهة الثقافية ليست مجرد احتكاك عابر بين أنماط حضارية، بل هي عملية ديناميكية مستمرة تتأثر بعوامل القوة والهيمنة من جهة، والانفتاح والممانعة من جهة أخرى.
وفي عالم يتسارع فيه الإيقاع الحضاري، يطرح الكتاب تساؤلات جوهرية حول جدلية الأصالة والانفتاح: هل يقود التفاعل مع الآخر إلى إثراء التجربة الإنسانية أم إلى تآكل الهوية المحلية؟ وهل تستطيع الشعوب الضعيفة ثقافياً أن تحافظ على خصوصيتها في مواجهة المد الإعلامي والاستهلاكي من المراكز العالمية الكبرى؟
وناقش المؤلف في كتابه، جذور الصراع الثقافي بوصفه أحد مظاهر التوتر الاجتماعي الناجم عن تضارب القيم والهويات، مستعرضا نماذج من المواجهات التي نشأت بين الحضارات الكبرى، مثل الصراع الغربي– الإسلامي، والخلافات بين الهندوس والمسلمين في شبه القارة الهندية، وصولا إلى الحروب ذات الخلفيات العرقية والدينية كحرب البوسنة والهرسك.
ويرى المعاني، أن الصراع الثقافي لا يقتصر على مستوى الشعوب أو الحضارات، بل يمتد ليأخذ بعدا داخليا يتجلى في الانقسام بين التقليديين والحداثيين داخل المجتمع الواحد، حيث يتمسك بعضهم بالموروث، بينما ينجذب آخرون إلى أنماط العيش الحديثة. وهذه الازدواجية، كما يوضح الباحث، تكشف أن الصراع ليس دائما خارجيا، بل قد ينشأ من الداخل حين تعجز المجتمعات عن التوفيق بين الأصالة ومتطلبات العصر.
وبالانتقال إلى الوجه الآخر للتفاعل الحضاري، يرى د. سلطان المعاني، أن التبادل الثقافي يثري التجربة الإنسانية ويمنحها بعدا عالميا، مستشهدا بأمثلة حية على ذلك، بدءا من التداخل اللغوي، مثل انتشار الكلمات الإنجليزية في العربية أو العكس، وصولا إلى الفنون والأزياء والمأكولات؛ كالبيتزا الإيطالية، والسوشي الياباني، والجينز الأميركي، التي تحولت جميعها إلى رموز عالمية تجاوزت حدودها الأصلية.
كما يناقش الباحث، التأثير الكبير للفنون والإعلام في تشكيل الذوق العالمي، موضحا كيف أصبحت الدراما التركية، وموسيقا الكي- بوب الكورية، والسينما الأميركية عناصر فاعلة في هذا المجال. ويشير إلى أن هذا التبادل، على الرغم من فوائده، ينطوي على جانب مظلم يتمثل في الهيمنة الثقافية، التي قد تجعل بعض الشعوب مجرد مستهلكة للثقافات الأقوى، من دون أن تكون لها مساهمة حقيقية في عملية الإنتاج الثقافي.
ويناقش المؤلف مفهوم الذوبان الثقافي بوصفه أحد أخطر أشكال المواجهة، إذ تخضع ثقافة ضعيفة لنفوذ ثقافة مهيمنة، فتنصهر فيها تدريجيا. ويوضح د. سلطان المعاني، أن هذا الذوبان قد يكون طوعيا بدافع الانجذاب إلى قيم جديدة، أو قسريا بفعل الاستعمار والهيمنة السياسية والإعلامية.
ويستعرض المعاني في هذا الإطار، النماذج من التاريخ، مثل سياسات الاستعمار الأوروبي في أفريقيا وآسيا، أو فرض اللغات الأجنبية على الشعوب المستعمرة، كما يتناول ظاهرة فقدان اللغة الأم لدى أبناء المهاجرين في أوروبا وأميركا وما تخلفه من أزمات هوية واغتراب ثقافي. ويرى أن أخطر ما في الذوبان هو تحول الشعوب إلى مجرد مستهلكة لأنماط، تفقد معها أصالتها واستقلالها الحضاري.
ويرى المؤلف، أن هذا ما يقود الباحث إلى مناقشة مفهوم المقاومة الثقافية بوصفها رد فعل طبيعي على الحفاظ على الهوية في مواجهة التحديات. مبينا أن المقاومة ليست مجرد رفض للآخر، بل هي في جوهرها وعي بالذات، يتسّد في التمسك باللغة الأم، وإحياء التراث، وتشجيع الإنتاج المحلي في الأدب والفنون والإعلام.
ويقدم المعاني أشكالا متعددة لهذه المقاومة، أبرزها: تركيز التعليم والمناهج على القيم الوطنية، وتعزيز المبادرات الشبابية التي تدعم القراءة بالعربية أو ارتداء اللباس التقليدي، إضافة إلى السياسات الحكومية التي تحد من تأثير المحتوى الثقافي الأجنبي.
وخلص المؤلف، إلى أن المقاومة الثقافية، إذا أديرت بوعي وانفتاح، فهي قادرة على التحول إلى قوة إيجابية تعزز التعددية وتضمن استمرار الهويات الأصيلة. ومن هذا المنطلق، لا ينظر المعاني إلى المواجهة الثقافية بوصفها صراعا صفريا بين "الأنا" و"الآخر"، بل باعتبارها ظاهرة مركبة يمكن أن تكون مصدرا للإثراء أو التهديد، بحسب كيفية إدارتها.