عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Oct-2025

"أتقدم خطوة".. "تريند" يعيد دفء العاطفة ويقرب المسافة بين آباء وأبناء

 الغد-رؤى أيمن دويري

"أتقدم خطوة"؛ "تريند" انتشر على منصات التواصل الاجتماعي في تحد جديد، يقوم على فكرة بسيطة لكنها محملة بالمعاني والدلالات الاجتماعية والمشاعر الإنسانية.
 
 
التحدي قائم على وقوف الوالدين مع أطفالهما في صف واحد، فيما تطرح عليهم أسئلة مرتبطة بتفاصيل الحياة اليومية وامتيازات الطفولة. ومع كل إجابة إيجابية، يتقدم الشخص خطوة إلى الأمام، لتكشف النتيجة في النهاية حجم الفارق الكبير بين طفولة الجيل السابق وما يحظى به جيل اليوم.
الأسئلة المطروحة ضمن التحدي تعكس مظاهر الرفاهية التي يتمتع بها الأطفال حاليا، مثل وجود غرفة خاصة مليئة بالألعاب والكتب، متابعة الأهل للدراسة، الوصول بسهولة من وإلى المدرسة، وحتى تلبية احتياجاتهم اليومية. وفي المقابل، يبقى الوالدان غالبا ثابتين في مكانهما، ليجسد المشهد حجم الجهد والتضحيات التي قدمها جيل كامل من أجل أن يوفر حياة أفضل لأبنائه، ويمنحهم الفرص التي لم تتوافر لهم أثناء طفولتهم.
اللحظة الأكثر تأثيرا تظهر عند سؤال مختلف: "أتقدم خطوة.. لو عملت في صغرك لمساعدة أهلك". عندها يتحرك الوالدان خطوة إلى الأمام بينما يبقى الأطفال في أماكنهم، لتتجلى صورة الفارق بين الجيلين بوضوح. جيل عاش طفولة مليئة بالمسؤوليات والعمل المبكر، وآخر ينعم بالفرص والرعاية التي أتاحت له طفولة أكثر راحة وأمانا. هذه المفارقة العاطفية تجعل المشاهدين يتأملون حجم التضحيات التي قدمها آباؤهم وكيف انعكست على رفاهية الجيل الجديد، لتصبح تجربة مرئية تذكرهم بالفضل والامتنان.
الخبير الاجتماعي مفيد سرحان يرى أن قوة هذا "التريند" تكمن في كشف حجم التغير الذي طرأ على حياة الأجيال. فبينما عانى الآباء من ظروف صعبة واعتمدوا على أنفسهم في سن مبكرة، يتمتع الأبناء اليوم بوسائل راحة وتكنولوجيا متطورة لم تكن موجودة سابقا.
ووفق سرحان، فإن "هذا التطور الكبير في وسائل الاتصال والتكنولوجيا ترك آثارا إيجابية واضحة في حياة الأبناء، إذ أصبحوا قادرين على إنجاز ما كان يتطلب من الآباء شهورا أو حتى سنوات في فترة قصيرة جدا".
ويؤكد أن ما يعيشه الأبناء اليوم "ليس إنجازا خاصا بهم بقدر ما هو نتيجة طبيعية لتوافر إمكانيات لم تتح للأجيال السابقة"، مشددا على ضرورة أن يتذكر الأبناء دائما أن ما لديهم من رفاهية وفرص لم يكن متاحا لآبائهم.
تتجاوز قوة هذا التحدي كونه مجرد محتوى ترفيهي؛ فهو يحول لحظة بسيطة إلى مساحة للتفكير في دين الأجيال، وكيف أن الحرمان والمجهود المبكر يمكن أن يتحولا إلى إرث ينعكس إيجابيا على الأبناء. كما يسلط الضوء على الفجوة الجيلية بين الماضي والحاضر، ويدفع الأطفال إلى رؤية والديهم كقصص كفاح حية تحمل خبرات وتجارب حياتية لم يمروا بها هم شخصيا، وليس فقط كمقدمي احتياجاتهم اليومية.
ويضيف سرحان أن بعض المظاهر الحديثة قد تترك أثرا سلبيا على الأبناء، مثل الاعتماد الزائد على الآخرين أو الميل للتكاسل، لكن في المقابل توفر لهم التكنولوجيا والوقت فرصة للتعلم والاطلاع على ثقافات وتجارب متنوعة. ويعتبر أن من المهم استثمار مثل هذه التريندات في "تقليص الفجوة بين الأجيال لا تعميقها، من خلال جعل الأبناء أكثر واقعية وفهما للتضحيات التي بذلها آباؤهم".
ورغم الانتقادات التي توجه عادة لتريندات "تيك توك" باعتبارها سطحية أو مؤقتة، أثبت هذا التحدي أنه يمكن أن يتحول إلى مساحة لفتح حوار اجتماعي وإنساني مؤثر. فقد أعاد الاعتبار لقيمة العائلة، وأظهر التضحيات التي بذلها جيل سابق، وبين أن ما يعيشه الأطفال اليوم هو نتيجة مباشرة للجهود التي قام بها آباؤهم. ويرى سرحان أن للأثر النفسي دورا مهما في هذا التحدي، فالمطلوب ليس أن ينظر الأبناء لآبائهم بنظرة تعاطف وشفقة، بل أن يتحول إدراك حجم ما عانوه إلى دافع إيجابي ومحفز للاجتهاد والنجاح. ويضيف: "عندما يدرك الأبناء أن آباءهم حققوا إنجازات كبيرة رغم قلة الإمكانيات وصعوبة الحياة، يصبح ذلك باعثا على الفخر والتقدير، ويحفزهم على الاستفادة من الفرص المتاحة لهم اليوم بأقصى درجة".
ويكشف "التريند"، أيضا، أن وسائل التواصل الاجتماعي، رغم ما ينتقد عليها أحيانا، قادرة على خلق لحظات وعي مشترك تعيد الإنسان للتفكير في جذوره وقيمه الأساسية. كما يوضح أن التجارب الصعبة والحرمان الذي عاشه الآباء يمكن أن يتحول إلى دافع للعطاء والتفاني، وأن ما يفتقد في الماضي يمكن أن يصبح مصدر قوة للعطاء في الحاضر.
وفي النهاية، يؤكد "التريند" أن العبارة الشهيرة "فاقد الشيء لا يعطيه" ليست صحيحة دائما؛ فالوالدان اللذان عاشا طفولة صعبة أو محدودية في الفرص، كانا الأكثر قدرة على منح أبنائهما كل ما افتقداه، ليصبح الحرمان السابق سببا مباشرا في توفير حياة أفضل وفرص أوسع للجيل الجديد، ما يجعل لحظة "أتقدم خطوة" أكثر من مجرد لعبة، بل درسا اجتماعيا وإنسانيا حيا يترك أثرا طويل المدى على الأبناء والمشاهدين على حد سواء.