عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Oct-2025

جريمة حرب إسرائيلية ضد أسطول المساعدات*أ. د. ليث كمال نصراوين

 الراي 

تابع العالم بأسره خلال الأيام الماضية ما قامت به حكومة الاحتلال من اعتراض أسطول "الصمود الدولي" الذي كان في طريقه إلى قطاع غزة المحتل، وعلى متنه أشخاص متضامنون من مختلف قارات العالم، في محاولة منهم لكسر الحصار وإيصال المساعدات الإنسانية لسكان القطاع المحاصر.
 
إن هذا التصرف العدواني، الذي يضاف إلى السجل الإجرامي لدولة الاحتلال والذي اتسع نطاقه ليشمل احتجاز الركاب الذين كانوا على متن السفن، يفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات قانونية حول أوجه مخالفة هذا السلوك لمبادئ القانون الدولي، وتحديداً فيما يتعلق بحرية الملاحة في أعالي البحار، والالتزامات الإنسانية لدول الاحتلال بموجب اتفاقيات جنيف، والحقوق الأساسية للأفراد في مواجهة الاعتقال التعسفي.
 
فمن المبادئ الراسخة في القانون الدولي مبدأ حرية الملاحة في أعالي البحار؛ وهو مبدأ أكدته اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 في المادة (87) منها، التي تنص على أن أعالي البحار مفتوحة لجميع الدول، وأن لكل سفينة الحق في حرية الملاحة تحت علم دولتها دون تدخل من أي طرف ثالث. كما تنص المادة (92) من الاتفاقية ذاتها على أن السفينة التي تُبحر تحت علم دولة ما تكون خاضعة لولايتها الخالصة في أعالي البحار، وأن حالات توقيف أو ضبط السفن وتفتيشها في أعالي البحار تقتصر فقط على الحالات الاستثنائية كالقرصنة أو الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو البث غير المشروع. وبناءً عليه، فإن اعتراض الأسطول المدني المتجه إلى غزة، وهو لا يندرج ضمن هذه الحالات، يشكل خرقاً واضحاً لقواعد قانون البحار ويُصنَّف ضمن الأعمال غير المشروعة دولياً.
 
وتمتد أوجه مخالفة التصرف الإسرائيلي لأحكام القانون الدولي لتشمل اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تلزم في المادة (23) منها أطراف النزاع بأن تكفل حرية مرور شحنات الأدوية والأغذية والملابس المرسلة حصراً إلى سكان طرف متعاقد آخر مدنيين، حتى لو كان خصماً. كما تنص المادة (59) من اتفاقية جنيف على أنه يجب على دولة الاحتلال، إذا تبين لها أن المدنيين في الأراضي التي تحتلها غير مزودين بما يكفي من المؤن والإمدادات، أن تسمح بمرور مواد الإغاثة وتيسر توزيعها.
 
أما احتجاز المدنيين الذين كانوا على متن الأسطول، فيعد بدوره انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وبالأخص المادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، التي تنص على أن لكل فرد الحق في الحرية وفي الأمان على شخصه، فلا يجوز اعتقاله أو احتجازه تعسفياً. ومن الواضح أن إلقاء القبض على مدنيين متضامنين دون تهم محددة ودون ضمانات قضائية عادلة يندرج ضمن مفهوم الحرمان التعسفي من الحرية، مما يرتب على إسرائيل التزاماً بالإفراج الفوري عنهم وضمان سلامتهم وتعويضهم.
 
ومن زاوية المسؤولية الدولية، فإن ما قامت به دولة الاحتلال يدخل في نطاق الفعل غير المشروع المحرَّم دولياً وفق مشروع مواد لجنة القانون الدولي حول مسؤولية الدول لعام 2001، وذلك باعتباره انتهاكاً لالتزامات دولية مقررة. فعلى الرغم من أن هذه الوثيقة، التي أقرتها لجنة القانون الدولي التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، لم يتم وضعها في اتفاقية دولية مُلزِمة، إلا أن الجمعية العامة قد "أخذت علماً" بها، وشجعت الدول على الاسترشاد بما جاء فيها من نصوص وأحكام.
 
في المقابل، فقد صدر عن الأمم المتحدة العديد من القرارات الأممية التي دعت إلى رفع الحصار الجائر عن قطاع غزة وضمان وصول المساعدات الإنسانية والغذائية لسكانه المدنيين، ومنها القرار رقم 64/10 لعام 2009، الذي تصر حكومة الاحتلال على التغاضي عنه والتعنت في مخالفته. فهذا السلوك العدائي المستمر منذ سنوات يشكل جميع أركان جريمة الحرب مكتملة لغايات ثبوت الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية. فالمادة (8) من نظام روما الأساسي تعتبر "تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف"، شكلاً من أشكال جرائم الحرب الدولية.
 
ورداً على قيام دولة الاحتلال باحتجاز أشخاص مدنيين شاركوا في أسطول الحرية، فإن دول جنسيتهم تملك الحق في التحرك الدولي للمطالبة بالإفراج الفوري عنهم، وذلك استناداً إلى مبدأ الحماية الدبلوماسية، الذي كرسته لجنة القانون الدولي في مشروع موادها حول الحماية الدبلوماسية لعام 2006، والذي يخول الدولة المعنية التدخل لدى دولة أجنبية لضمان حقوق مواطنيها عند تعرضهم لانتهاكات جسيمة.
 
إن الاعتداء على أسطول الحرية ليس حادثاً عارضاً، بل جريمة مكتملة الأركان تنتهك قواعد القانون الدولي للبحار وقانون حقوق الإنسان. فاستمرار الاحتلال في ارتكاب هذه الممارسات العدائية يهدد السلم والأمن الدوليين، ويكشف عجز المجتمع الدولي عن فرض إرادته القانونية والأخلاقية. لذا، فقد آن الأوان أن تتحول الإدانات الدولية من الدول والمنظمات الأممية إلى إجراءات عملية وملزمة، ترفع الحصار الجائر عن غزة، وتضع قادة دولة الاحتلال أمام المساءلة الجنائية الدولية عن جرائمهم المتكررة بحق الإنسانية.