الراي
في ملف الادارة المحلية نوشك ان نكون قد افرغنا جيوبنا من الحلول وبدأنا الدوران في حلقة مفرغة. لقد جربنا كل النماذج وتنقلنا بين الحلول واقتبسنا من عدة تجارب بالنسبة للمجالس البلدية ومجالس المحافظات. ونسمع عن مشروع العودة الى تعيين رؤساء البلديات ( الكبرى على الأقل) وربما الغاء مجالس المحافظات او تغيير جوهري عليها.وهذه الافكار ليست جديدة وهي معروفة ومشروعة أيضا لولا انها جربت غير مرة ولم تحدث فرقا فتكون العودة اليها دوران في حلقة مفرغة.
ربما تكون المشكلة في مكان آخر أي ليست في الهيكل والنظام ولا في الانتخاب او التعيين بل في البيئة والثقافة والناس وفي مفاصل الادارة المتجذرة ذات الخبرة العريقة في مقاومة وافشال التغيير وقد يستلم المسؤولية افضل الناس لكنهم يغرقون في بيئة مشبعة بثقافة الواسطة والمحسوبية والتنفع والكسل والعداء للالتزام والنظام والاستقامة والانجاز.
أيا يكن الحال علينا ان نمضي قدما ونجتهد بما نستطيع لكن الحكومة لم تعلن عن نواياها بشأن قانون الادارة المحلية والذي يشمل البلديات ومجالس المحافظات. وقد ناقشت الحكومة هذا الاربعاء " آليات حوكمة العمل البلدي وتحديث الادارة المحلية واستمعت الى ايجاز من الوزير عن عمل اللجان المؤقتة التي تشكلت للتو وآليات المتابعة والتقييم لعملها. وقررت " ادامة الحوار حول تطوير التشريعات الناظمة للادارة المحلية "
اذن هناك مشروع قانون جديد قد تلحقه تعديلات على الانظمة الموجودة، وربما ان الوسط الحكومي لم يبلور تصورا بعد بشأن الوجهة التي يتوجب المضي بها ونفترض ان ادامة الحوار تقصد الانفتاح على المجتمع والخبراء والفعاليات ذات الصلة وطرح الاقتراحات ومناقشتها مع الجميع.
كنّا قد ذهبنا الى تعيين رؤساء البلديات في مرحلة معينة ( مع مشروع الدمج ) ثم رجعنا الى الانتخابات، كما أوجدنا حلاّ وسطا بوجود مدير عام للبلدية معين من الوزير الى جانب الرئيس المنتخب لتجنيبه ضغوط القاعدة الانتخابية فنشأ نزاع دائما على الادوار والصلاحيات. وفي مجالس المحافظات عدنا للمزاوجة بين الانتخاب من الشعب والتعيين من رؤساء الهيئات المحلية ولم يحدث فارق مهم وفي كل الحالات بقيت اشكالية تقاسم الصلاحيات بين الحكومة المركزية والادارة المحلية بدون حل يرضي ويريح. وفشلت الحكومات المتعاقبة بمنح الادارات المحلية للوزارات والمؤسسات سلطات اوسع تعكس مبدأ اللامركزية. ولا اجزم ان ذلك لو حدث كان سيصنع فرقا اداريا أو قفزة تنموية. وربما ان الأمر كله مرتبط بنجاح مشروع التحديث الاداري في المركز والاطراف على السواء.
في الحقيقة مسؤولية الحكومة ان تصل الى تشخيص صائب للمشكلة وان تعلنها صراحة وتضع رؤية للاصلاح سندا لذلك حتى لا يغرق النقاش حول قانون الادارة المحلية في نفس المفاضلة بين خيارات كنا قد جربناها كلها ولم تحل المشكلة. على كل حال هناك أمثلة نجاح وهناك امثلة فشل يمكن دراستها واستخلاص نتائج. وبالمناسبة لسان حال النماذج الناجحة يقول لوزير البلديات لماذا قمتم بحلّ مجلسنا ونحن نقوم بعمل جيد فأعدتم البلدية الى نقطة الصفر مع لجنة قد تشلّ العمل ولا تقوى على اكثر من تسيير الأعمال؟!.