الدستور- نضال برقان
ضمن برنامج «ناقد وكتاب» أقام منتدى العشيات للآداب والفنون وبالتعاون مع منتدى البيت العربي الثقافي ندوة لمناقشة المجموعة القصصية (ليلة عيد الحب/ كولاج حكي وحكائين) لمجدي دعيبس الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت للعام 2024، بمشاركة كل من الأستاذ الدكتور سلطان المعاني والشاعر مهدي نصير وأدارت الندوة الروائية روند الكفارنة التي أشارت في بداية مقدمتها إلى تعريف فن الكولاج وقالت: هو تقنية فنية تقوم على تجميع أشكال مختلفة لتكوين عمل فني جديد. إنّ استخدام هذه التقنية كان له تأثيره الجذري بين أوساط الرسومات الزيتيّة في القرن العشرين كنوع من الفن التجريدي أيّ التطويري الجاد، وقد تمت تسميته من قبل الفنانين جورج براك الفرنسي وبابلو بيكاسو الإسباني.
قال الأستاذ الدكتور سلطان المعاني في معرض حديثه: يبدأ حكي الحكائين بمشهد جميل يبدأ بالجملة: «حتى لا تختفي الحكايات الجميلة من حياتنا كما اختفت الطوابع والرسائل التي كان يحملها لنا ساعي البريد» وهذا يتقاطع بعمق مع روح فن الكولاج القصصي، ويستدعي تلقائيًا بعدًا سيميائيًا ونصيًا، إذ تختزن الصورة (امرأة تفتح الباب وساعي البريد يبتعد) عالمًا من العلامات والدلالات المتشابكة، تمامًا كما تفعل نصوص الكولاج في الأدب.
وعن تشظّي النص أضاف: تتطلب القراءة التحليلية لفن الكولاج القصصي يقظة ذهنية خاصة تجاه بنية النص، إذ يبدأ القارئ بتفكيك البنية السردية، مستشعرًا تعدد المشاهد، وتقطع الزمن، وتجاور الأصوات، حيث يغيب التسلسل التقليدي للأحداث، ويتلاشى الترابط السببي الذي اعتادته القصص الكلاسيكية. هذه الفوضى الظاهرية مقصودة لذاتها، تدعو القارئ إلى إدراك أن الحكاية لا تُروى دفعة واحدة، بل تتكوّن من شظايا وصور متنافرة، تكتسب معناها من تقاطعها وتجاورها.
وأشار أيضًا: في الكولاج، لا نبحث عن حبكة، بل عن أثر، لا نطلب اكتمال الدلالة، بل نلاحق مساراتها وهي تنبت في الفراغات، نقرأ التصادم بين الصور، وصدى التناص، وارتجاف الذاكرة وهي تتبعثر في متواليات غير متوقعة. نقرأ التوتر بين النظام والفوضى، بين الذات والعالم، ونصغي إلى الأسئلة التي لا تبحث عن إجابات نهائية بقدر ما تفتح فضاءً جديدًا للتجربة والدهشة.
وقال الشاعر والناقد مهدي نصير في ورقته: هذا النص المفتوح على التجريب نصٌ مختلفٌ وهو أقرب لنوفيلا ذات شخصيتين (الزوج والزوجة) تتناوبان وتتبادلان السرد والرواية عبرَ تداعياتهما الحرة وأحلامهما ومفارقاتهما في ليلةٍ واحدةٍ هي ليلة عيد الحب، وعبر مائةٍ وثلاثين صفحة تم تشكيل هذا الكولاج من الحكايات والحكَّائين بلغةٍ عاليةٍ ومشرقةٍ ومتمكنةٍ من قيادة هذا التجريب بدرايةٍ وذكاءٍ ومهارة.
وأضاف: شكَّل تداخل الأصوات في القصيدة العربية المعاصرة وتداخل الساردين وتداخل الواقع بالحلم صيغًا مختلفةً من صيغ الكولاج السردي: جدارية محمود درويش نموذجٌ لتداخل الأصوات، وبذكائه الإيقاعي ميَّز محمود درويش بين صوتي جلجامش وأنكيدو إيقاعيًا، وسردية غالب هلسا نموذجٌ آخر لتداخل الواقع بالحلم ولم يستخدم غالب هلسا أيَّ وسيلةٍ بصريةٍ لتمييزهما وترك الأمر لذكاء القارئ وفطنته، وربما تركه لسببٍ آخر أعمق وأبعد. وأشار في نهاية حديثه إلى أنّ الخاتمة الهامشية لكولاج الزوجة هو جوهر الحكاية وهو جوهر ما أرادت هذه السردية أن تقوله: السرد الحي المليء بالشغف هو هذا السرد الهامشي البسيط للحارس وزوجته، وليس سردَ الحكَّائين الذين أحضرتهم الزوجة في مؤتمرهم العالمي بقيادة إيسوب وأديب عباسي لتقول لهم: هذه هي الحياة (كولاجٌ وليست نسقًا) وهذا هو سردُها.
وفي مداخلته قال صاحب المجموعة بعد أن شكر المنظمين والمشاركين والحضور ومبادرة ناقد وكتاب أنّ ليلة عيد الحب محاولة للتفكير خارج الصندوق والبحث عن شكل جديد لتقديم مادة قصصية من خلال تقنية الكولاج التي يمتزج فيها التلقي البصري باللفظي والماضي بالحاضر والحلم بالواقع للخروج من عباءة السائد والمألوف والانطلاق إلى فضاءات التجريب المتاحة للجميع، وأضاف أنّه في كل مجموعة من مجموعاته القصصية الأربعة (بيادق الضالين، ليل طويل.. حياة قصيرة، ألفة الوحدة، ليلة عيد الحب) كان يحاول تقديم قصة جديدة، لم يكن النجاح حليفة في كل المناسبات لكنه استمر في محاولاته حتى وصل إلى المجموعة الأخيرة التي اشتملت على ثلاث طبقات للحكي؛ الطبقة الخارجية الخاصة بالزوج والزوجة ومحاولة الزوج التملص من استحقاقات ليلة عيد الحب من خلال الحكي لنزع الأفكار الرومانسية من خيال الزوجة، وهناك طبقتان داخليتان؛ طبقة الجارية عندليب وسيدتها مرجانة، وطبقة مؤتمر الحكي الأول الذي جمع شخصيّات حكائيّة معروفة من أزمان مختلفة. وقال دعيبس إنّه اطلع على تجارب عربية في الكولاج أهمها تجربة الروائي المصري صنع الله إبراهيم في رواية ذات، وإنّ موضوع تجنيس المادة الإبداعية لا يشغله كثيرًا فالأصل في التقييم هو الأصالة والجودة وليس النوع أو الجنس الأدبي.
وفي مداخلة سريعة ذكر الأديب جروان المعاني رئيس منتدى العشيات للآداب والفنون أنّ غايته من برنامج ناقد وكتاب هو تسليط الضوء على الأدب الأردني وتعريف جمهور القرّاء والمهتمين به وتفعيل دور الإعلام الثقافي من خلال أدواته المعروفة في انتشار الكاتب المحلي عربيًّا، وفي الختام وزّع الدكتور زهير توفيق الشهادات التقديريّة على المشاركين بالندوة وتمنّى لهم دوام النجاح والتميّز.