الغد-أحمد الشوابكة
يشكّل كتاب "ليس في النص ما يكفي من جسد: إثنوغرافيا ذاتية جمعية للنساء" خطوة مهمة في المشهد الثقافي العربي، إذ يأتي كأول إصدار من نوعه في مجال الإثنوغرافيا الذاتية الجماعية.
الكتاب لا يقدّم مجرد نصوص فردية، بل يجمع أصواتًا نسائية متعدّدة في نص واحد يعكس التباينات والتقاطعات في التجربة الإنسانية للنساء، ويكشف عن إمكانات جديدة للكتابة الجماعية التي تعيد تعريف العلاقة بين الفرد والجماعة.
الكتاب أطلق في حوارية مفتوحة أقيمت في ساحة مسرح أسامة المنشيني وسط عمّان، بحضور جمهور متنوّع من المثقفين والكتّاب والمهتمين بقضايا المرأة والفنون.
والكتاب بإشراف وتحرير الدكتورة الصيدلانية مريم الدجاني، وهو لا يكتفي بسرد السير الذاتية أو إعادة إنتاج قوالب الحكاية التقليدية، بل يخوض مغامرة منهجية وفكرية في محاولة لمنهجتها. ففي النصوص، تستعيد الكاتبات ذواتهن عبر لغة تنبض بالوعي، وتطرح أسئلة الهوية والحرية والسلطة، من دون أن تتنازل أي منهن عن صوتها الفردي. إنه نص جماعي، لكنه في جوهره احتفاء بالتعدد، يتيح لكل كاتبة مساحتها الخاصة لتكتب تجربتها كجزء من خريطة أوسع.
يمتد الكتاب وفق الدجاني، على مساحة واسعة من التجارب الإنسانية؛ الأمومة وما تحمله من صراعات وجدانية، الصحة والمرض وما يرافقهما من هشاشة وقوة، الجمال والألم، الهوية والمقاومة، وصولًا إلى تفاصيل الحياة اليومية المجبولة بالفرح والخذلان.
وهو بذلك يكشف التناقضات التي تعيشها النساء بين أجسادهن كفضاء للحرية، وبين سلطة المجتمع والثقافة والسياسة التي تقيّد هذا الفضاء، هنا يتحول الجسد إلى خريطة وإلى مسرح للتجربة ومرآة للسلطة، ومنصة للبوح والتحرر.
وتكمن فرادة المشروع في اعتماده الإثنوغرافيا النسائية كأداة بحثية مرنة وصلبة في آن واحد، لا تكتفي بالوصف وإنما تجرؤ على مواجهة الذات والتفتيش في تفاصيلها ورسم خطوطها بوعي فني وبحثي، لتؤكد أن المرأة – سواء كانت باحثة أو شاعرة أو عاملة أو ربة بيت – تمتلك الحق في أن تكتب تاريخها.
الكتاب أيضا، وفق القائمات عليه، هو ثمرة ورشة الكتابة "خريطة الجسد" التي انعقدت بين تموز وآب 2024 ضمن مشروع "تجلي – Epiphany"، بإشراف وتحرير الباحثة مريم الدجاني، ويضم نصوصًا لتسع كاتبات: آلاء جانبك، أسيل فاخوري، تغريد أبو شاور، دانا جودة، رنيم أبو رميلة، ضحى أبو الزيت، علا خليل، مريم الدجاني، ويارا زريقات. وجرت مراسم إطلاق الكتاب في حوارية مفتوحة أقيمت في فضاءات ساحة مسرح أسامة المنشيني وسط عمّان، بحضور جمهور متنوّع من المثقفين والكتّاب والمهتمين بقضايا المرأة والفنون.
امتلأت الساحة بالحضور الذي تفاعل مع التجارب النصية التي قدمتها الكاتبات، حيث استعرضت كل واحدة منهن جزءًا من تجربتها، لتتحول القراءات إلى مشهد أشبه بعرض جماعي تتناوب فيه الأصوات على رواية الحكاية الكبرى، وكانت الدكتورة الصيدلانية مريم الدجاني قد أدارت الحوار.
تنوعت المداخلات بين نقاشات فكرية حول جدوى الكتابة الجماعية في كسر مركزية المؤلف الواحد، وأسئلة الجمهور عن التحديات التي واجهت الكاتبات أثناء صياغة نصوصهن، وصولًا إلى شهادات شخصية عبّر فيها بعض الحضور عن مدى تلامس النصوص مع تجاربهم الفردية. هذا التفاعل اللافت انعكس مباشرة على الإقبال على اقتناء نسخ الكتاب.
عقب انتهاء الحوارية، قام المشاركات بالتوقيع على نسخ الكتاب، حيث حرص الحضور على اقتناء نسخ شخصية وتسجيل تذكاراتهم مع الكاتبات، مما أضفى على الأمسية بعدًا شخصيًا ووجدانيًا، وعكس الحماسة والتفاعل الكبير الذي شهدته فعاليات الإطلاق.
بهذا المعنى، لا يقف "ليس في النص ما يكفي من جسد" عند حدود كونه إصدارا أدبيا أو بحثيا فقط، بل يتجاوز ذلك ليصبح ممارسة ثقافية جماعية، وهو في جوهره إعلان أن الكتابة يمكن أن تكون ساحة مقاومة، ومنصة للتعبير عن الذات، وخطوة نحو تفكيك أشكال السلطة التي تحاول تقييد الجسد والروح معًا.