نفق "طريق الحجاج".. تهويد باطن القدس المحتلة بمشاركة أميركية
الغد
عواصم- تسلط مشاركة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، في افتتاح مشروع نفق "طريق الحجاج" التهويدي في القدس المحتلة، استنادا إلى مزاعم توراتية، الضوء مجددا على حجم الدعم الأميركي في فرض رواية الكيان بتغيير طريق "الجبّانين" إلى اسم تهويدي هدفه قلب تاريخ مدينة القدس.
ويشير مسؤول الإعلام السابق في المسجد الأقصى عبد الله معروف، إلى أنّ أعمال الحفريات في ذلك النفق بدأت في شهر يونيو/ تموز 2019، حين شارك السفير الأميركي لدى إسرائيل آنذاك ديفيد فريدمان مع المبعوث الخاص للرئيس الأميركي جيسون غرينبلات في تدشين جزء أولي من الحفريات بطول 200 متر، ضمن فعالية أكدت حينها الدعم الأميركي للمشاريع الصهيونية في المدينة، بعد أن نشرت صورا لفريدمان وهو يضرب بالمعول أحجار القدس التاريخية.
ويوضح معروف أنّ الطريق الذي يحفر يمتد بطول يقارب 600 متر، وبعمق يتراوح بين 3 و4 أمتار تحت الأرض. ويقول: "يبدأ النفق من بركة سلوان، ويمر أسفل منازل الفلسطينيين في حي وادي حلوة، وصولا إلى الحافة الجنوبية لساحة حائط البراق المحاذية للمسجد الأقصى". ويشير معروف إلى أنه خلال أعمال الحفر، كشف عن نظام متطور لتصريف المياه يعود إلى العصر الهيرودي، وقد صمم لمنع الفيضانات، كما عثر على بقايا مرتبطة بما يعرف بـ"الثورة الكبرى" ضد الرومان، إضافة إلى مجموعة من الأنفاق، وهي عبارة عن قنوات صرف صحي رومانية وبيزنطية وأموية، إلى جانب مشاهد معمارية فريدة تجمع بين درجات قصيرة وأخرى طويلة، على نحو يمنح السير في الطريق طابعا متدرجا.
وتعرّف جمعية المستوطنين "إلعاد" ما يسمّى "طريق الحجاج" بالنفق، بينما هو في الواقع التاريخي ليس سوى شارع تاريخي عرف باسم "الجبّانين" نسبة إلى صانعي الجبن أو "الطواحين"، ويمتد من باب العامود، مرورا بطريق الواد، وحارة المغاربة، نزولا نحو حي وادي حلوة وحتى عين سلوان. ويتحفّظ معروف على وصف الحفريات بـ"النفق" وهي أقرب لكونها حفريات تنقيب حتى الآن، رغم إعلان الاحتلال بوصفها "نفقا" لأنها تتم في منطقة يتذرع الاحتلال بأنها كانت طريقا فوق الأرض في الفترة التي تسمّى "عهد المعبد"، وتتم الحفريات حتى اللحظة بشكل يأخذ الطابع الأمني، عبر إحاطة المنطقة بالسواتر والمظلّات القماشية، للحيلولة دون إظهار ما يجري من حفريات.
رسائل من حائط البراق
وتتركز الأهداف الرسمية للمشروع وفق معروف على إحياء ما تزعم به حركات الصهيونية الدينية أنه طريق الحجاج اليهود إلى "الهيكل الثاني"، وهو ما يقدَّم باعتباره جزءا من عملية إعادة ربط الحاضر بالماضي. وفي البعد السياحي، يهدف الاحتلال إلى تحويل الموقع من مجرد أثر تاريخي إلى معلم سياحي متكامل، يسمح للزوار بالسير في المسار القديم كاملا، بما يمنحهم تجربة مباشرة مع التاريخ الذي يزعم الاحتلال ربطه بالمعتقدات الدينية.
وفي السياق السياسي والثقافي، تسعى الجهات المشرفة عليه من قبل الاحتلال إلى ترسيخ الرواية التاريخية اليهودية للقدس، عبر توظيف الاكتشافات الأثرية وربطها بالتراث الديني، ما يجعل المشروع جامعا بين الأهداف الأثرية والسياحية والسياسية في آن واحد. ويوضح المرشد السياحي المقدسي، إيهاب الجلاد، أنّ الأصل في النفق الذي يروَّج له اليوم أنّه كان درجا قديما يصل من منطقة النبعة الرئيسة في سلوان، والمعروفة تاريخيا باسم "عين سلوان" أو "عين مريم".
ويشير الجلاد إلى أنّ هذه العين وردت في روايات تراثية ودينية مسيحية وإسلامية، وتعد عينا مقدسة في الديانتين، مؤكدا أنّ الدرج كان يؤدي منها مباشرة إلى القدس. ويؤكد أنه في العهد الروماني، شيّدت أبنية فوق هذا الدرج، فأصبح ملاصقا لقنوات تصريف المياه، قبل أن يندثر مع مرور الزمن تحت طبقات البناء المتتالية، بحيث ارتفع العمران عموديا لتصبح العين والدرج في عمق الأرض. وبحسب الجلاد، فإنّ الادعاء بأن هذا الدرج كان يستخدمه اليهود للاغتسال قبل الصعود إلى الأقصى (ويقصدون بذلك المعبد) لا يستند إلى أي دليل.
ويوضح أنّ فكرة المظاهر كانت شائعة في الحضارات القديمة، وليس بالضرورة أن تكون هذه النبعة مرتبطة بعبادات يهودية. ويرى الجلاد أنّ الرواية الصهيونية محاولة لاحتكار تاريخ المدينة المقدسة وربطه حصرا باليهود، من دون دلائل أثرية أو تاريخية موضوعية. ويشير المرشد السياحي إلى أنّ الحفريات الصهيونية في القدس الشرقية غير قانونية وفق قرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن 242، الذي يطالب بالانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967.
تورط أميركي في التهويد
ويرى الجلاد أنّ مشاركة وزير أميركي في جولة داخل هذه الأنفاق تمثل "إقرارا أميركيا" بالرواية الإسرائيلية، وتماهيا مع خطوات التهويد التي تغيّب الحقائق وتشوه التاريخ. ويؤكد الجلاد أنّ هذه الحفريات لا تقتصر على البعد الرمزي، بل تحدث أضرارا ملموسة في بيوت أهالي سلوان عبر تشققات وانهيارات، فضلا عن مصادرة عقارات لتسهيل أعمال الحفر. ويعتبرها "تزويرا للماضي والحاضر في آن واحد". ويلفت الجلاد إلى أنّ عوائد التذاكر السياحية التي تجبى من دخول هذه الأنفاق تذهب مباشرة إلى جمعية "إلعاد" الاستيطانية، التي توظفها في شراء منازل مسرّبة وتمويل مشاريع تهويدية تهدف إلى تغيير الطابع التاريخي والديمغرافي للقدس.
ولا يسمح للمؤسسات الدولية، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" المعنية بحماية الإرث الإنساني، بالوصول إلى مواقع الحفريات في سلوان، فيما تقتصر إدارتها على جمعيات استيطانية مثل "إلعاد" وسلطة الآثار الإسرائيلية، بحسب ما يؤكد الناطق باسم لجنة الدفاع عن أراضي وعقارات سلوان، الباحث فخري أبو دياب. ويشير أبو دياب في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أنّ الأنفاق الممتدة أسفل منازل المقدسيين باتت تشكّل شبكة عنكبوتية تدمّر الإرث الحضاري والإنساني للسكان، مؤكدا أنّ المنطقة التي تجرى فيها هذه الحفريات تعدّ من أقدم مناطق القدس التاريخية، وأصل المدينة العريقة.
ويؤكد أبو دياب أنّ الهدف من هذه الأعمال هو سلخ القدس عن إرثها الكنعاني والبيزنطي، وصولا إلى إرثها الإسلامي، من خلال تحطيم آثار الحضارات السابقة وإبراز الرواية اليهودية وحدها، بما يخدم فكرة الاحتلال بأن وجوده في المدينة شرعي. ويحذر أبو دياب من أنّ العشرات من منازل سلوان تعرضت لتصدعات وأضرار كبيرة نتيجة الحفريات في نفق يطلق عليه الاحتلال "طريق الحجاج"، مشددا على أنّ بعضها بات مهددا بالانهيار.
ويلفت إلى أنّ النفق تحوّل إلى ما يشبه "متحفا توراتيا مفتوحا"، يحتوي على مجسمات ورموز منقوشة على الصخور، توحي بوجود آثار تلمودية في المكان، واصفا هذه المعروضات بأنها "مجرد أساطير" تستخدم في إطار الترويج لمشروع تهويدي واسع في المنطقة التي يسميها الاحتلال "مدينة داود"، بينما هي في الأصل بلدة سلوان المقدسية.(وكالات)