الاعتراف بدولة فلسطين.. خطوة في مسار إنهاء الاحتلال
الغد
رام الله- بالتزامن مع المؤتمر الدولي رفيع المستوى لتسوية القضية الفلسطينية بالحلول السلمية وتنفيذ حل الدولتين، الذي عقد بمقر الأمم المتحدة في نيويورك برئاسة المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية نهاية تموز/ يوليو الماضي، أعلنت عدة دول نيتها الاعتراف بدولة فلسطين خلال الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر المقبل.
ففي 24 تموز/ يوليو الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في رده على رسالة لرئيس دولة فلسطين محمود عباس في التاسع من حزيران/ يونيو، أن فرنسا ستعترف اعترافا كاملا بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي التاسع والعشرين من الشهر ذاته، أبلغ رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الرئيس عباس في اتصال هاتفي، أن المملكة المتحدة ستعترف بدولة فلسطين في أيلول/ سبتمبر المقبل، قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما لم تتخذ تل أبيب خطوات جوهرية لإنهاء الوضع المروّع في غزة، وتلتزم بسلام مستدام طويل الأمد.
وأعلن رئيس وزراء مالطا روبرت أبيلا، أن بلاده ستعترف بالدولة الفلسطينية، فيما وجهت فرنسا و14 دولة أخرى نداء جماعيا للاعتراف بدولة فلسطين ودعت مزيدا من الدول للانضمام. وبحلول نهاية تموز/ يوليو، أعلن رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، عزم بلاده الاعتراف بدولة فلسطين خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر المقبل.
وبعد ذلك بيوم واحد، أعلن الرئيس الفنلندي ألكسندر ستاب، عن استعداده للموافقة على الاعتراف بدولة فلسطين في حال تقدمت الحكومة بمقترح رسمي بهذا الشأن.
التحول في مواقف العديد من دول العالم، الذي وصفته وسائل إعلام عربية ودولية بـ"تسونامي" الاعترافات بدولة فلسطين، يأتي ثمرة لتضحيات أبناء الشعب الفلسطيني وصموده فوق أرضه، كذلك للجهود السياسية والدبلوماسية، التي تبذلها القيادة الفلسطينية.
وحملت هذه الاعترافات رسالة لحكومة الاحتلال، التي أمعنت في انتهاكاتها للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، عبر حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة وتلويحها باحتلاله بشكل كامل وضم الضفة الغربية، بأن حل الدولتين، هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والشامل والأمن والاستقرار للمنطقة.
حراك دبلوماسي مستمر
وقال مساعد وزير الخارجية والمغتربين عمر عوض الله ، إن أهمية هذه الإعلانات أنها تأتي في وقت يتعرض فيه الشعب الفلسطيني إلى تهديد وجودي من إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، وإنها تعني الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة.
وأضاف أن التوجه للاعتراف بفلسطين يحمل رسالة إلى إسرائيل، بأن المعادلة القديمة التي كانت تربط فيها بعض الدول اعترافها بدولة فلسطين بموافقة إسرائيل قد تغيرت، وأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية أصبح متطلبا ضروريا لتحقيق السلام العادل والشامل وليس مخرجا له.
وأشار عوض الله إلى أن الاعتراف بدولة فلسطين يمثل استثمارا في تنفيذ حل الدولتين وخطوة عملية باتجاهه، وهو ما يعني على الأرض الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، وبالتالي أن لا سيادة للاحتلال على الأرض الفلسطينية المحتلة.
وأوضح أن الاعتراف بدولة فلسطين له أبعاد سياسية وأمنية تتعلق بحماية الشعب الفلسطيني تحت علم الدول التي اعترفت بدولته، إضافة إلى أبعاد اقتصادية وتجارية لتطوير الاقتصاد الفلسطيني، إلى جانب مسار مساءلة إسرائيل عن الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها ضد شعبنا.
وأشار إلى أن هذه الاعترافات سترفع التمثيل الفلسطيني بهذه الدول، وهو ما سيساهم بشكل أو بآخر في دعم عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، وعضويتها في المنظمات والمؤسسات الدولية الأخرى التي تكون تلك الدول أعضاء بها.
تعزيز الشخصية القانونية
لدولة فلسطين
أكد محللون أن اعتراف مزيد من الدولة بدولة فلسطين يمثل بداية المسار نحو إنهاء الاحتلال، مشددين على ضرورة أن تترافق تلك الاعترافات بخطوات فعلية على الأرض، سواء عبر فرض عقوبات على الكيان ردا على انتهاكاتها للقانون الدولي ومحاولتها المستمرة لتقويض حل الدولتين، أو من خلال تعزيز صمود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه، والمساهمة في بناء مؤسساته وإعادة إعمار قطاع غزة وإنعاش اقتصاده.
الباحث السياسي إبراهيم ربايعة، أشار إلى الجهد الفلسطيني الدؤوب باتجاه تعزيز الشخصية القانونية لدولة فلسطين على المستوى الدولي، نظرا لأهميته من أجل تحقيق الانعكاسات القانونية وتعزيز صمود الفلسطينيين على الأرض.
وقال ربايعة إن إعلان الدول نيتها الاعتراف بدولة فلسطين بهذا التوقيت يمتلك أهمية خاصة بسبب الإبادة التي يتعرض لها أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وسياسة التجويع التي ينتهجها الاحتلال، إضافة إلى السياسات الاستعمارية الصهيونية والرؤية التي تقوم على إلغاء الفلسطيني وكل حقوقه وتهجيره من أرضه.
وأكد أن الاعتراف بدولة فلسطين سيعزّز الإمكانية من أجل تثبيت سياسات داعمة للفلسطينيين وحصار الكيان بالمعنى السياسي على كل المستويات والأبعاد، سواء باستخدام أدوات التقاضي الدولية أو فرض عقوبات على إسرائيل بالتوازي مع الحديث عن الحقوق الفلسطينية.
وأضاف: "إن كانت اعترافات الدول بدولة فلسطين كاملة وغير مشروطة ولا منقوصة، فإنها ستعزّز قدرات فلسطين من أجل المراكمة في القانون الدولي على كل المستويات".
وأكد أن معركة القانون الدولي كانت مخيبة للآمال على المستوى الفلسطيني خلال الإبادة، لأنها لم تستطع إيقاف الحرب، لكن على المستوى الإستراتيجي مهمة لتثبيت مجموعة من الحقوق وتتكامل مع الجهد السياسي المتصل بوقف حرب الإبادة.
الاعتراف يرتبط بالسيادة
وقالت أستاذة الدبلوماسية وحل الصراعات في الجامعة العربية الأمريكية دلال عريقات، إن موضوع الاعتراف بدولة فلسطين، والنوايا المعلنة من بعض الدول، مهم للغاية خاصة في ظل التطورات الدبلوماسية والقانونية التي شهدناها خلال العامين الأخيرين.
وبينت عريقات أن الاعتراف يرتبط بالسيادة، فبعد سنتين من جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها دولة الاحتلال، عجز المجتمع الدولي عن إنقاذ المدنيين في غزة، أو وقف الاستيطان في الضفة، أو حتى وقف إفلات دولة الاحتلال من العقاب.
وذكرت أن الاعتراف بدولة فلسطين يأتي كجزء من ترجمة هذه الدول لمسؤولياتها والتزامها بحل الدولتين، في ظل مشاريع دولة الاحتلال التي ترمي لتقويض إنشاء الدولة الفلسطينية.
وشددت عريقات: "على أهمية أن يتزامن الاعتراف مع استخدام الأدوات القانونية، كالتوجه إلى محكمة العدل الدولية، والتفاعل الجاد مع الفتوى القانونية الصادرة عنها في تموز/ يوليو 2024، والتي تحدثت عن عدم شرعية الاحتلال وضرورة إنهائه ضمن إطار زمني".
وذكرت أن خطوة الاعتراف ليست بديلة عن إنهاء الاحتلال، بل هي بداية المسار نحو تحقيق ذلك الهدف وتجسيد السيادة الفلسطينية وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره على أرضه.
وكان "إعلان نيويورك" قد جدد دعمه لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وأكد أن الاعتراف بدولة فلسطين وتحقيقها عنصرين أساسيين، لا غنى عنهما لتنفيذ حل الدولتين، مع التذكير بأن الاعتراف قرار سيادي لكل دولة على حدة، وأن العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة عنصر أســــاسي في الحل الســـــياسي لإنهاء الصراع.-(وكالات)