الراي
تدخل الولايات المتحدة الحرب ضد ايران مباشرة، والعياذ بالله، وتقوم بهجوم لا تغطيه الشرعية حتى الأمريكية، فالرئيس لم يعر حتى الكونغرس، وكان قد أضمر الهجوم منذ يوم أمس حين توجه الى لقاء المجلس الأمني الأمريكي لبحث معه ذلك، وقد كان وسط ضغوط مختلفة من اللوبيات الصهيونية وانصار نتنياهو، رغم أن المجموعة التي أراد لقاءها كان لها موقفاً سلبياً من الحرب
أما وقد هجمت الإدارة الامريكية بالألة العسكرية الأمريكية بكل... على ايران وبدأت بضرب ثلاث مراكز نووية هامة، أرادت أن تعكس من خلالها الانتصار ووقف الحرب، باعتبار أن القوة الايرانية قد قوضت تماماً، وان على ايران أن تأتي خاضعة ومستسلمة.
لم يعرف بعد ما إذا كانت الضربة الامريكية التي اعقبها قصف صاروخي شديد لاسرائيل من جانب ايران كانت كفيلة باصابة المواقع النووية بتدمير كامل أو بشل قدرة ايران على مواصلة الحرب، فالإدارة الأمريكية في هذه الحرب التي مهدت لها بتشجيع الهجمات الاسرائيلية لتدشن طهران اللحظة تؤمن بالضربة الواحدة الصاعقة حتى لا تضطر الإدارة الأمريكية الدخول الى حرب برية ضد ايران تكون فيها كل السيناريوهات قد تغيرت.
الضربة الاسرائيلية الجديدة المدمرة بأسلحة أمريكية نوعية، ظلت اسرائيل تنتظرها، تفتح باب بنك الأهداف الايرانية المؤجل منذ البداية الذي يحوي أهدافاً عديدة، إقليمية وفوق إقليمية، تمس المصالح الأمريكية العسكرية وغير العسكرية في المنطقة وخارجها، وتمس الممرات المائية في الخليج ومضيق هرمز وفي البحر الأحمر مضيق باب المندب وكذلك قواعد وحاملات نفط وحاملات طائرات وغيرها، مما لا يضع سقفاً زمنياً أو مكانياً للحرب ويجعلها مفتوحة وقابلة للاستقطاب والتوسع بسقوط ايران على هذا الشكل لن يكون سهلاً وقد لا تقبل أطراف دولية تخشى الهيمنة الأمريكية والاسرائيلية على المنطقة التي قد تصيب مصالحها.
ايران وموقعها وما تمثله من تهديد، كانت عقبة في وجه الهيمنة الأمريكية في طريقها لمواجهة الصين، وكان لا بد من كسر الشوكة الايرانية وتجريدها من قوتها بعد تحييد حلفائها في المنطقة (المقاومة العراقية وحزب الله وغيرها).
في الصراع الآن بدأت تتجدد تحالفات ايران الكامنة في اليمن وحزب الله والعراق، وقد تجر هذه الأطراف مرة أخرى للصدام كما قال الحوثيون في اليمن، والولايات المتحدة لن تسمح بضرب مصالحها في المنطقة، وبالتالي ستجعل القتال مفتوحاً لتضمن فيه النصر باستعمال القوة.
النداء الوحيد الذي ستطلقه الولايات المتحدة باتجاه ايران هو الاستسلام، والذي سنجد له ترجمة مستمرة على لسان اسرائيل التي تريد أن تجمع الحصاد الأمريكي من الحرب لصالحها.
والعالم في خطر، وما حذر منه الملك عبد الله في كلمته أمام البرلمان الأوروبي يحدث الآن، وتظهر مقدماته الخطيرة التي أراد الملك تذكير الأوروبيين فيها ودعوته الى قيم إنسانية جديدة تحافظ على الانسان وتحميه وتخدم أدميته وهويته، الإدارة الامريكية تفتح الآن باب الجحيم في المنطقة كلها وتجعلها مرشحة لمزيد من التفجيرات والحروب والتداعيات، وشمول الحرب لبنك أهداف خطير، تدخل فيه مفاعلات نووية في المنطقة وتتضارب فيه مصالح، لا يمكن لأصحابها السكوت عليها أو الرضى بها.
لقد استعجلت الولايات المتحدة هجومها، ولم تعط المهلة التي تحدثت عنها في اسبوع والتي كانت بمثابة خدعة للايرانيين يجري فيها التحضير لضربهم كما حدث.
اليوم لن يكون كالامس ولا حتى غداً، كالذي سبق، فهل يحتمل العالم هذه الحروب التي تدخل الى كل شرايين العالم، في الطاقة والتجارة والغذاء والمواصلات، ومن يوقف هذه الحرب أو يستطيع ايقافها، وهل نجحت اسرائيل مرة أخرى في توريط الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب بالانضمام الأمريكي لهذه الحرب والتي أرادت اسرائيل أن تحسمها عبر التدخل لصالح خططها التي ليست بالضرورة ان تتطابق في أهدافها مع الأهداف الأمريكية، مراهنة على توظيف القوة الأمريكية لصالح أهدافها.
وكما جرت الولايات المتحدة الأمريكية للحرب العالمية الأولى في زمن الرئيس، دميررويلسن، وهو التدخل الذي حسم الحرب لصالح الأوروبيين والحركة الصهيونية، وتمكين وعد بلفور من التطبيق عبر الانتداب البريطاني، إذ لعبت الإدارة الأمريكية دوراً ينافس الدور البريطاني في ذلك.
فها هي الولايات المتحدة التي تتدخل الآن لنفس الأهداف بقاء اسرائيل وتفوقها والهيمنة على المنطقة التي لا تطرح الاّ خياراً ضيقاً، إما أن تكون المنطقة مع اسرائيل وإما ان تقاتل الى سقف وآجل مفتوح لا ضمانات فيه.
ما حذر منه الملك عبد الله، يحدث الآن، وصرخة الملك ما زالت تتردد في البرلمان الأوروبي، فهل يدرك الأوروبيون وحلفاؤهم المخاطر القادمة في اللحظة الأخيرة التي ضاعت بالضربة الأمريكية أن المنطقة ستغرق في حرائق تخدم التطرف والمجاهدة الجديدة.