الغد-عزيزة علي
يناقش المؤرخ الأردني وأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في الجامعة الأردنية الدكتور علي محافظة، في كتابه بعنوان "عملية طوفان الأقصى وتداعياتها في عيون اليهود والصهاينة ومؤيديهم وأنصار الفلسطينيين (2023–2025)"، الدروس المستخلصة من العملية، طوفان الأقصى، بما في ذلك ضرورة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
يقدم محافظة في كتابه الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، قراءة معمقة لأحداث عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في قطاع غزة، ويحلل تداعياتها السياسية، العسكرية والاجتماعية على الفلسطينيين والإسرائيليين والعرب، إضافة إلى ردود فعل العالم الغربي.
ويركز محافظة على توثيق الآراء المختلفة من السياسيين والقادة العسكريين والصحفيين، موضحا هشاشة الكيان الإسرائيلي، العجز العربي، واستجابة الشعوب العالمية للجرائم الإسرائيلية، بما فيها حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة.
وفي مقدمة الكتاب، يشير الدكتور علي محافظة إلى أن عملية طوفان الأقصى، التي نفذتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في قطاع غزة وما تلاها من تداعيات، تعد من أهم الأحداث الفلسطينية والعربية والإقليمية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين.
ويرى المؤلف، أنه قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، كانت القضية الفلسطينية على وشك الانحسار، وكانت حركة المقاومة الفلسطينية قريبة من الدخول في سبات عميق.
ويرى الدكتور علي محافظة، أن عملية طوفان الأقصى أيقظت الفلسطينيين من سباتهم، ونبهت العرب من غفلتهم، وكشفت للعالم بشاعة الاحتلال وفظاعة جرائمه، وإصراره على إبادة الشعب الفلسطيني وممارسة التمييز العنصري. وقد تنبه العالم، ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى حجم جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، فاستنكرت شعوبهما هذه الجرائم، بينما تحرك طلاب الجامعات الأميركية والأوروبية احتجاجا على مواقف حكوماتهم المؤيدة لإسرائيل، التي تمدها بأحدث الأسلحة وتوفر لها الدعم السياسي.
ويبين المؤلف أنه في خضم هذه الحرب الشرسة التي استمرت عشرين شهرا حتى صدور هذا الكتاب، صمد سكان قطاع غزة صمودا بطوليا يثير الإعجاب، وتحملوا ما تعرضوا له من إبادة وقتل وتشريد.
ويشير محافظة إلى أن آراء السياسيين والصحفيين والقادة العسكريين من الإسرائيليين واليهود وأنصارهم، وبعض العرب ومؤيدي الفلسطينيين، اختلفت حول عملية طوفان الأقصى وتداعياتها. لذلك جمعها ولخصها في هذا الكتاب لتكون مرجعا للقارئ العربي، وموثقا مهما للباحث والمؤرخ.
كما تكشف هذه الآراء الخلافات والانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي، وتوضح العلاقة الوثيقة بين إسرائيل كظاهرة استعمارية استيطانية والقوى الكبرى في الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا. كما تظهر ازدواجية المعايير الغربية ونفاق قادتها، وتبرز العجز العربي عن نصرة الفلسطينيين وحمايتهم من حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال. ويضيف محافظة أن هذه الحرب بينت تخاذل العرب، أمام المحتل الإسرائيلي، الذي يواصل قتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين من نساء وأطفال ومسنين، وتجويع الأحياء حتى الموت. ويصف موقف العرب بأنه متفرج أبله أمام إخوانهم الذين يتعرضون للموت صباحًا ومساءً، وكأنهم لا صلة لهم بهم.
ويقدم المؤلف شكره إلى جريدتي "الغد" و"الرأي" والعاملين فيهما، الذين ترجموا المقالات التي استند إليها في تأليف هذه الدراسة من اللغتين العبرية والإنجليزية إلى العربية، منذ بداية عملية طوفان الأقصى في 7/10/2023 وحتى 30/6/2025.
وفي خاتمة الكتاب، يقدم الدكتور محافظة الدروس والعبر المستفادة من عملية طوفان الأقصى، مشيرًا إلى أن لها تداعيات واسعة وعميقة على اليهود والإسرائيليين والفلسطينيين والعرب وشعوب منطقة الشرق الأوسط. ويؤكد أن هذه العملية تحمل دروسًا مهمة وخطيرة، خصوصًا بعد ردود الأفعال الإجرامية وحرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي مارستها إسرائيل في قطاع غزة، لبنان، سورية واليمن.
وأما على الصعيد اليهودي، فبرزت هوية اليهود العرب التي ظلت غائبة منذ قيام الكيان الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي على أرض فلسطين العام 1948، وكان أول من نادى بهذه الهوية وميزها عن هويات اليهود الأشكناز المؤرخ الإسرائيلي البريطاني الجنسية "أفي شلايم"، ذو الأصل العراقي.
أما على الصعيد الإسرائيلي، فقد كشفت عملية طوفان الأقصى وتداعياتها عن هشاشة الكيان الإسرائيلي سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا. فعلى الصعيد السياسي، شهدت الساعات الأولى للعملية اضطرابًا وعجزًا واضحًا عن اتخاذ القرارات، ما دفع إسرائيل إلى طلب النجدة من حماة الكيان: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، الذين سارع قادتهم لزيارة تل أبيب لإنقاذ المستعمرة المحمية التي كانت على شفا الانهيار.
وظهر الخلاف بين قادة الأحزاب السياسية الإسرائيلية، حول أولوية العمل السياسي: هل التركيز على التفاوض للإفراج عن الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، أم القضاء على المقاومة، أي حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وشن الهجوم على سكان قطاع غزة؟
ولما كان حزب الله في لبنان من المناصرين للمقاومة الفلسطينية، قام بقصف المواقع الإسرائيلية في الجليل تضامنًا وإسنادًا للمقاومة، وردعًا لأي عدوان إسرائيلي على لبنان.
وخلال العام الأول من القتال، هاجر حوالي 118 ألف مستوطن من المستوطنات والبلدات الإسرائيلية في شمال فلسطين وحول قطاع غزة، واستقر معظمهم داخل إسرائيل. كما تراجع معدل النمو الاقتصادي في إسرائيل من 6.5 % إلى 2 %، وانكمش الاقتصاد بنسبة 20 % بسبب توقف العمالة الفلسطينية واستدعاء نحو 300 ألف من الاحتياطيين للجيش.
وتراجعت الواردات الإسرائيلية بنسبة
42 %، والصادرات بنسبة 18 %، والاستثمارات بنسبة 67.8 %، فيما ارتفعت نفقات الحكومة بسبب الحرب بنسبة 88.2 %. وقدرت تكاليف الحرب اليومية بـ246 مليون دولار، وإذا استمرت الحرب، ستبلغ تكلفتها 68.6 مليار دولار.
وتبرعت الولايات المتحدة الأميركية بمبلغ 26 مليار دولار لتغطية نفقات الحرب الإسرائيلية على غزة، فيما تراجعت قيمة الشيكل الإسرائيلي أمام الدولار بنسبة 15.3 %، وأمام اليورو بنسبة 12.83 %.
وعلى الصعيد العسكري، مني الجيش الإسرائيلي، الذي كان يُعرف بأنه الجيش الذي لا يُقهر، بهزيمة مذلّة خلال عملية طوفان الأقصى. فقد استطاع المئات من مجاهدي حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قتل 1200 جندي وضابط إسرائيلي وأسر 250 جنديًا ومستوطناً خلال ساعات قليلة، من صباح 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، دون أي مقاومة تُذكر، وفشل الجيش الإسرائيلي واستخباراته في معرفة تفاصيل العملية أو توقيتها.
وردت إسرائيل بدعم عسكري من الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية الكبرى، بالانتقام من سكان قطاع غزة المدنيين، بقصف بيوتهم وفنادقهم ومستشفياتهم ومدارسهم وجامعاتهم ومساجدهم وكنائسهم وبنيتهم التحتية، بوحشية نادرة في التاريخ الحديث والمعاصر.
وتجاوز عدد الشهداء في غزة 56 ألف شخص، بينما بلغ عدد المصابين 123,274، معظمهم من النساء والأطفال والرضع والمسنين. وارتكب الجيش الإسرائيلي حرب إبادة جماعية وتطهير عرقي، كما أقرت بذلك محكمة العدل الدولية.
وانقلبت شعوب العالم على إسرائيل، واكتشفت طبيعتها الاستعمارية الإجرامية وعدم التزامها بالقوانين الدولية. كما أبرزت تحديها لدول العالم حين مزّق مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة ميثاق المنظمة أمام الجمعية العامة، ورفض وزير خارجيتها السماح للأمين العام أنطونيو غوتيريش بزيارة إسرائيل، واتهمه بـالعداء للسامية.
وقال مؤلف الكتاب الدكتور محافظة "إن الإخوة الفلسطينيين أدركوا الأمور الآتية: أن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لاستعادة وطنهم وحقوقهم، وأن التفاوض السلمي مع إسرائيل بلا جدوى لأنه يطيل زمن الاحتلال ويخدر الشعب ويؤجل التحرير".
إن الانقسام إلى فصائل وتنظيمات مستقلة يعيق النضال الوطني ويعرقل جهود تحرير الوطن وإسقاط الكيان الصهيوني. إن تحرير فلسطين من النهر إلى البحر ممكن ويجب التمسك بهذا الهدف، ورفض حل الدولتين لأنه يعني القبول بتجزئة الأرض والتخلي عن المطالبة بكامل فلسطين التاريخية.
ويجب أن يكون المطلب إقامة دولة فلسطينية واحدة تشمل العرب المقيمين حالياً، وإعادة اللاجئين إلى ديارهم. يُسمَح لليهود الحاملين لوثائق عثمانية بتثبت وجودهم في فلسطين قبل الحرب العالمية الأولى بالبقاء، أما بقية اليهود فيُعادون إلى البلدان التي قدموا منها ويحملون جنسيتها.
وعلى منظمات الكفاح المسلح (حماس، الجهاد الإسلامي، الجبهة الشعبية) الاندماج سريعًا في جبهة تحرير وطنية واحدة، ودعوة بقية فصائل المقاومة للانضمام إليها، لتقوم بدور منظمة تمثل الشعب بدلا من منظمة التحرير الفلسطينية التي لم يعد لوجودها مبررٌ، بحسب رؤية المؤلف.
على الصعيد العربي، كشفت عملية طوفان الأقصى وتداعياتها عن جملة من الحقائق، أبرزها: أن وجود إسرائيل في قلب الوطن العربي يشكل خطرًا دائمًا يهدد أمن العرب واستقرارهم ويعيق نهضتهم وتطلعاتهم القومية، ما دامت إسرائيل قائمة بدعم حلفائها. فإسرائيل كيان استعماري توسعي لا يعيش إلا بالحروب واحتلال الأراضي وبث الخوف والاضطراب في محيطه العربي.
ويشير محافظة إلى أن العالم أدرك أن إسرائيل كيان استعماري استيطاني غريب في بيئة معادية له، وأن بقاءه مرتبط باستمرار ضعف الأنظمة العربية واستبدادها وتناحرها، وهو وضع لا يمكن أن يدوم. فعندما تنهض الشعوب العربية وتمسك بزمام أمرها، لن تقبل بوجود هذا الكيان العدواني في محيطها.
وأكد محافظة أن إسرائيل دولة عنصرية يحكمها تيار ديني متطرف آيل إلى الزوال، شأنه شأن كل أشكال الاستعمار الاستيطاني التي اندثرت، وأن تداعيات عملية طوفان الأقصى، كشفت عن وعي عالمي متنام يعيد الأمل بنصرة القضية الفلسطينية.