الغد
كل السفراء الأميركيين الذين وصلوا إلى الأردن حاولوا التواصل مع الأردنيين في فترات مختلفة، وبطرق متباينة رصدها الكل.
أغلب السفراء الأميركيين خاضوا حملات علاقات عامة عبر التقرب إلى الثقافة الشعبية الأردنية المتعلقة بالطعام، خصوصا، في البدايات، بعضهم تناول المنسف، والبعض الآخر اكل الفلافل، أو الشاورما، وصولا إلى المشاوي، ولا نعرف ماذا سيتناول السفير الجديد من أطعمة في وقت لاحق، ربما فريق مكتبه يقترح عليه قائمة أوسع.
دبلوماسية الطعام لا تترك أثرا كثيرا في مجتمع مسيس يقيم السفراء من خلال النظرة إلى دولهم الأصلية ومواقفها السياسية، والسفير الجديد في عمان يمارس دبلوماسية تتعمد البساطة، ومخاطبة الناس من خلال طبيعة حياتهم، وتراثهم، ومأكلهم، وربما تاريخهم أيضا.
في كل الأحوال ليست هذه هي قصتنا، إذ إن قصتنا تتعلق بالسفير الأميركي الجديد وجولاته في الأردن التي تثير ردود فعل واسعة، من زيارة الوزارات والمؤسسات، مرورا بالمناسبات الاجتماعية، وصولا إلى الأطعمة، ولا نعرف ماهية نشاطاته غير المعلنة وبرامج مقابلاته المغلقة، فهذا أمر يخصه وفريق سفارته الكبير والمتخصص بشؤون السياسة والاقتصاد والإعلام والأمن وغير ذلك من شؤون.
يأتي السفير في توقيت تشتد فيه النظرة السلبية إلى الولايات المتحدة بسبب دعمها المفتوح لإسرائيل، وتزويدها بالمال والسلاح لقتل الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين وغيرهم، وهذه نظرة بحاجة إلى معالجة بعيدا عن مجاملات السفير الحالية، وهي مجاملات وأن كانت تبرق برسائل حسن نوايا، وتقرب بهدف تحسين السمعة، الا انها توجه كما أشرت إلى المجتمع الأعلى تعليما في شرق المتوسط، وهو مجتمع مسيس، ولكل واحد فيه موقف سياسي، يجادلك فيه لأربعة وعشرين ساعة متواصلة دون تعب، مع استحالات مستحكمة تمنع تغيير موقفه، أو اتجاهه السياسي.
برغم ذلك علينا أن نلاحظ أن الموقف السياسي السلبي من السياسات الأميركية، لا يمنع الأردنيين من التعامل مع السفير بلياقة وأدب، ربما لاعتبارات الضيافة، وأحيانا إدراكا أن هناك علاقات أردنية أميركية رسمية واقتصادية تمنع التعرض للسفير بأي تصرف.
في المقابل تناقش وسائل التواصل الاجتماعي جولاته يوميا، وتحفل أحيانا بتعليقات تعترض على هذه الحركة الواسعة، أو تنتقدها، أو تسأل عن دوافعها مقارنة ببقية السفراء في الأردن، الذين يمضون أوقاتهم في مكاتبهم وبيوتهم، في ظل حساسيات سياسية تؤطر حركتهم، لكنها على ما يبدو موانع غائبة في حركة السفير الأميركي.
السفارات الأميركية في العالم العربي، كبيرة وممتدة، وذات طواقم كبيرة متخصصة بكل شيء، وبعض الدبلوماسيين ان لم يكن أغلبهم يجيدون العربية بلكنة أردنية أو مصرية أو سورية أو لبنانية، وهم يتنقلون على الغالب من سفارة إلى سفارة في ذات دائرة العالمين العربي والإسلامي كونها منطقة مغرية تاريخيا وثقافيا، ومعقدة أيضا، بحاجة إلى خبرات فريدة من نوع آخر.
في وقت لاحق سوف تتضح الصورة، إذا ما كانت هذه جولات البدايات ام ستكون نمطا معتادا لفترة أطول، وإذا كان هناك نصيحة يمكن توجيهها عبر الإعلام، فهي من شقين، الأول أن الأردن المصنف كحليف يستحق دعما أكبر بكثير من الحالي على كل المستويات، والثاني أن واشنطن يجب أن تدرك أن كلفة دعم إسرائيل باتت مرتفعة جدا على سمعتها في الإقليم في ظل المناخات الدموية التي نراها، هذا على افتراض أن السفير يؤثر على واشنطن، بما يفرض عليه أن يبرق إلى بلاده أيضا بأن تتغير، لا أن نتغير نحن.