عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Oct-2025

نظرات في رواية أنا مريم لعنان محروس

 الدستور-محمد المشايخ

 
جماليات السرد الروائي، والتكامل بين الرجل والمرأة، وانتصار الخير على الشر، من أهم ما هدفت إليه الروائية عنان محروس من إبداعها لروايتها (أنا مريم)، فبطلة هذه الرواية، تتزوج من آدم المصاب بمرض الفصام، وحين يغادره المرض يخونها مع غيرها من النساء، وثمة رجال ثلاثة غيره يُخيرونها بين تسديد ما عليها من أموال، أو السجن، أو تقديم جسدها، وهم: أمين (المسؤول عن دار النشر)،  وفهد (الطبيب الذي يـُـلوّح بسندات الأمانة ويُـلمح بالسجن المؤكد بعد تقديم صكوك الديوان إلى المحامي الخاص به)، وشريف مدير البنك الذي يوشك أن يحجز على مسكن مريم، هؤلاء الثلاثة: (عبدوا نزواتهم وتخلّوا عن إنسانيتهم وشرفهم).
 
 ولم تكن مريم تجد حلا، سوى بعض الراحة النفسية التي كانت تحظى بها من أجنحة الخير في هذه الرواية: (الراهبة كاترين، والصديقة هدى، والسائق سالم، والمحامي سلام) الذي هاجر لأمريكا بعد أن قال: (كيف لرجل جعل الله المرأة من ضلعه لتجاوره ويسكن إليها، أن يطأ قلبها ويرميها لمستنقع من وحل دون ذمة أو ضمير؟ هي والدته وأخته وزوجته، فكيف يظلمها؟)، 
 
وكانت الخيارات التي واجهتها بطلة الرواية مريم :إعلان الإفلاس، أو الانتحار، أو السفر لأمريكا..السائق سالم دلّ بطلة الرواية على أساليب إن اتبعتها تخلصت من الأشرار، وفعلا تخلّصت منهم، ولكنّ زوجها آدم نصب لها كمينا حين طلب منها أن تشوي له بيديها - وليس بيدي الخادمة- دجاجة، وحين أشعلت فرن الغاز، انفجر بوجهها فاحترق نصفه، وقبل أن يكتمل العلاج، تلجأ إلى الكنيسة، وإلى الراهبة كاترين، وتحاول السفر بواسطة المحامي سلام، ولكن وباء الكورونا كان سريعا حين حرم البشرية من التجوال ومن السفر ومن الحياة في كثير من الأحيان، كما أن اكتشاف حمل مريم من آدم، ثم موتها في أثناء الولادة، واضطرار كاترين لوضع مولودها عند مفترق طرق، لتخطفه امرأة ما، كلها أحداث، جعلت من هذه الرواية سيناريو لعمل درامي للعرض على شاشات السينما أو التلفزيون.
 
أنا مريم: رواية سيكولوجية بامتياز، لعبت على وتر الظروف النفسية والاجتماعية التي تمر المرأة العربية بها، وأوضحت دور الدين ودور العادات والتقاليد، ودور الوحدة الوطنية، في التطهير، وفي الإصلاح الاجتماعي، (الزوجان في الرواية كل من دين مختلف عن الآخر).
 
اتخذت الرواية من لبنان مكانا لأحداثها، وتطرقت بفنية عالية لظروفه الصعبة، ولظروف النساء بخاصة، والفقراء فيه، بعامة، ولم تبتعد كثيرا في الزمن، فمعظم أحداث الرواية جرت في القرن الحادي والعشرين.
 
 وحاولت عنان محروس من خلال روايتها أن تصل إلى الإنسان الكوني، الذي يعي ذاته تماماً، ويعي ويفهم الآخر المختلف دينيا، يُعامل الآخرين على أساس إنسانيتهم لا غير، لا تحجبه الحواجز والحدود، لا تعيقه الاعتبارات والانتماءات الثقافية الضيقة كالهوية والعرقية والعشائرية والمـُعتقدية والجغرافية وما أشبه، والذي صنعتهُ الظروف المجتمعية في القرن الواحد والعشرين، فنُحت بمفهوم العالمية.
 
لجأت عنان محروس إلى أسلوب وجهات نظر الشخصيات في الرواية، الأمر الذي سبقها إليه نجيب محفوظ في مصر ومؤنس الرزاز في الأردن، فجعلت بعض شخصيات الرواية تتحدث عن نفسها بضمير المتكلم: ولا سيما (مريم، وسالم، وكاترين) الذين كانت لهم فصول خاصة في الرواية، وأخطر ما في السرد هنا، أن القارئ لم يكن يُميزّ أحيانا بين شخصية بطلة الرواية مريم، وبين وشخصية مؤلفة الرواية، ومن لا يعرف عنان محروس، سرعان ما يظن أنها تتحدث عن نفسها، بكل هذه الجرأة، وبكل هذه الواقعية، وبكل هذا الوضوح، ولكنه سرعان ما يجد الفرق واسعا بينهما.
 
والمهم في الرواية، تلك المونولوجات الداخلية، والحوارات غير المسرحية، واللغة المشحونة بالعذوبة، وبالعلاقات الحميمة التي كان الأشرار ينوون إقامتها مع مريم، ولكنهم دائما كانوا يصلون البحر ويعودون عطاشى، والتشويق، وتلك الجاذبية التي تجعل القارئ لا يتوقف عن المطالعة، فثمة سرد متتابع، يُسرع حينا، ويتباطأ في أحيان أخرى حسب رغبة مبدعتها، وحسب شخصياتها، التي كانت تحييها، أو تجعلها تمرض، أو تموت.