الدستور
لا ننسى، نحن العرب، أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية خاضت ضدنا حرباً مدمرة استمرت ثماني سنوات. استنزفت ما اسنزفت من أموال وأرواح وقدرات العراق الذي كان في مقدمة دولنا العربية بما يمتلك من نفط وثروات ورابع أقوى جيش في العالم.
وقتها سبق العراق إيران في محاولة امتلاك سلاح نووي وهو ما تنبهت له اسرائيل وقامت بغارة جوية مفاجئة بتدمير مفاعل تموز «أوزيراك « العام 1981 والذي كان قيد الانشاء. أنشىء المفاعل باتفاق بين صدام حسين وكان نائبا لرئيس الجمهورية والرئيس الفرنسي الاشتراكي جاك شيراك في منطقة تقع على مسافة 17 كلم جنوب شرق بغداد.
المفارقة أن ايران حاولت تدمير المفاعل قبل سنة من الغارة الاسرائيلية لكنها فشلت فألحقت به أضرارا تم اصلاحها. فأتمت اسرائيل العملية «بنجاح « ، ما حرم الدول العربية من امتلاك سلاح نووي قبل 45 سنة من اليوم.
قيل الكثير عن من المخطىء في حرب الثماني سنوات ايران التي رفعت شعار « تصدير الثورة « أم العراق الذي تصدى لهذا الشعار من خلال شعار «البوابة الشرقية « للأمة العربية في مواجهة نوايا التوسع الايراني.
كلاهما وقعا في مصيدة سياسة الاحتواء المزدوج التي كانت سياسة استراتيجية أميركا لاحتواء العراق العربية وايران الثورية. مع التركيز على منع أي منهما من التدخل في القضية الفلسطينية لصالح اسرائيل طبعا، وأيضا لمنع أي منهما من أن تصبح قوة اقليمية تشكل خطراً على صنيعة الغرب اسرائيل.
خسر البلدان الكثير الكثير لكن الخاسر الأكبر كان المنطقة دولها وشعوبها ومستقبل أجيالها.
ايران خسرت إثر عقود من الحصار مليارات من اقتصادها وكثيرا من راحة شعبها. العراق خسر نفس الشيء والأهم خسر باحتلال أميركا له استقلاله وانسجام مكونات شعبه الذي لعبت القوى المعادية لعبة الفتنة الطائفية النتنة. وخسر...العراق.
كلمة السر في الاستراتيجية الاميركية والغربية في احتواء العراق وايران واضعافهما كانت ولم تزل مصلحة «إسرائيل». وهذا ما سار عليه نتنياهو طيلة الستة عشر عاما التي تسلم فيها الحكم في اسرائيل على فترتين. واعلن مرارا وتكرارا أن هدفه الأول والأهم منع امتلاك ايران السلاح النووي.
ما نشهده اليوم هو المرحلة الأخيرة من معركة كسر العظم بين ايران واسرائيل ومعها اميركا ترامب. اسرائيل تتعرض يومياً لهجمات صاروخية وبالطائرات المسيرة لم تشهد لها مثيلا منذ انشائها، حسب تعبير محللين وكتاب وحتى مسؤولين كبار ومنهم نتنياهو نفسه الذي طالما فلت لسانه بكلمات مثل « حرب وجودية « أي وجود أو زوال دولة اسرائيل.
تفيد احصائيات 2025 أن عدد سكان فلسطين المحتلة «اسرائيل» يقترب من العشرة ملايين من ضمنهم مليونا عربي فلسطيني هم ما تبقى من أهل البلاد الأصليين. هؤلاء السكان وخاصة اليهود لم يعتادوا أن يطلب منهم كل ليلة النزول الى الملاجىء أو البقاء قريبا منها. ولم يعتادوا سماع صفارات الانذار تنذرهم بأن موجة صواريخ قادمة من ايران.
ايران من جانبها تضع كل ثقلها في الحرب الحالية وتتعرض لغارات اسرائيلية تطال بشكل خاص منشآتها النووية وقادتها العسكريين.
والنتيجة ؟
فيما الحرب مستمرة فان من ينبىء بالنتائج هي النتائج نفسها غير المعروفة والمتغيرة كل ساعة وكل غارة وصاروخ. لكن من الواضح أن المنطقة على مفترق حاسم، إما شرق أوسط جديد بقيادة إسرائيل أو شرق أوسط جديد بدون وجود إسرائيل.