عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Dec-2025

"ظل الطريق".. رواية تبحث عن الإنسان بين الذاكرة والاغتراب

 الغد-عزيزة علي

 تأتي رواية "ظل الطريق" للروائي الأردني يوسف أبو جيش لتعيد ترتيب الأسئلة القديمة التي طالما خبأها المرء تحت جلده. تمشي الرواية كمسافر مرهق يحمل ذاكرة مثقوبة وبلادًا متداخلة، ويبحث في زحام المدن الثقيلة عن مكان يتسع لروحه.
 
 
الرواية الصادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، لا تقدم طريقا مستقيما ولا نهاية مطمئنة، بل تفتح نافذة على هشاشة الإنسان، وعلى تلك المسافة الخفية بين الطريق وصاحبه، بين الحقيقة وما ينعكس منها في الظل.
تغوص الرواية في قضايا الاغتراب والبحث عن الذات والهوية، مستعرضة رحلة نفسية وفكرية لشخصية تعيش اغترابا مركبًا تتقاطع فيه ذكريات الطفولة في مخيمات فلسطين مع صراعات الحاضر وأسئلته الوجودية، حول الانتماء والمعنى في عالم سريع التحول. وتتميز بعمقها الفكري ونَفَسها التنويري.
أهدى أبو جيش روايته بقوله "إلى كل من يمتلك الشجاعة لمواجهة أسئلته بدلا من الهروب منها.. هذه الرواية لكم، لأننا جميعًا ظلال تسير على طرقات الزمن".
وفي نبذة الناشر، تقدم الرواية كعمل يغوص في الهوية والاغتراب، آخذًا القارئ في رحلة تتشابك فيها الغربة المكانية مع الغربة الداخلية. وتكشف كيف يمكن للإنسان أن يفقد نفسه وسط ضجيج الحياة، وكيف يغدو الوطن أحيانًا فكرة أكثر منه مكانا.
تتمحور الأحداث حول شخصية رئيسية تعيش في إحدى دول المهجر، حيث تتداخل مشاعر الحنين والخوف والخذلان في يوميات مثقلة بالأسئلة. وتتحرك الرواية بين الماضي والحاضر، بين ذكريات الطفولة وصراعات الواقع، كاشفةً المسافات التي تفصل الإنسان عن ذاته، أكثر مما تفصله عن وطنه.
وتطرح الرواية تساؤلات وجودية حول تأثير الزمن والمكان في تشكيل الهوية، وحول الصراع الداخلي للمغترب بين التأقلم والرغبة في البقاء على طبيعته. وبأسلوب سردي عميق ومشحون بالعاطفة، تستعرض ظل الطريق كيف يتحوّل الاغتراب إلى اختبار للذات، وكيف يصبح البحث عن الهوية رحلة لا تنتهي.
هذه الرواية ليست مجرد حكاية مغترب، بل مرآة لتجربة كل من وجد نفسه في مواجهة سؤال الوجود الأول: من أنا؟
تتحرك الرواية بأسلوب غير تقليدي؛ فهي تمشي وتتعثر وتنهض، مثل شخص يحاول فهم نفسه وسط مدينة خانقة بأبراجها العالية وبرطوبتها الثقيلة التي تلتصق بالجلد وتضغط على النفس. مدينة ترفض أن تمنح الإنسان هواءً أو انتماءً، كأنها تهمس له منذ البداية، بأن عليه أن يخسر جزءًا من ذاته قبل أن يفكر بالبقاء فيها.
يؤكد المؤلف أن الرواية لا تقدم "حدثًا"، بالمعنى التقليدي، ولا تتكئ على حبكة واضحة، بل تتبع التحول الداخلي لشخص بلا اسم، لأن الاسم – كما يرى – تفصيلا هامشيا، فيما التجربة هي الجوهر.
وتتشعب في النص محاور عديدة تظهر كصور متفرقة في ذاكرة غير مرتبة "المراهقة الناقصة، جائحة "كورونا" وهشاشة الإنسان، الرقمنة التي تسحب العلاقات نحو شاشات باردة، السفر الذي يضاعف الغربة، الأبوة، غياب الأخت وسط بيت يعج بالذكور، سقوط بغداد، وأحداث السابع من أكتوبر… جميعها تومض كأنها نوافذ تُفتح فجأة في ذهن واحد يبحث عن ثبات صغير في عالم يفلت من يديه".
وأشار أبو جيش، إلى أن سؤال الهوية يحضر في الرواية بجرأة وقلق، سؤال موجوع لا ينتظر إجابة: "كيف أحمل جغرافيتين؟" وكأن البطل يشك في أحقيته في حمل أكثر من أرض وأكثر من ذاكرة وأكثر من ظل.
أما المشهد الافتتاحي في المكتبة، فهو كما يقول المؤلف "العمود الفقري للرواية"؛ لا يمثل وداعًا للكتب بقدر ما هو وداعٌ للذات الأولى. تتحول الكتب إلى صناديق ثقيلة أشبه بتوابيت صغيرة، وكل صندوق يغلق ينطفئ معه شيء من الروح. ومن هنا يبدأ الشرخ والسؤال الحقيقي: "ماذا يبقى من الإنسان حين يفقد مكانه الأول، مرآته الأولى، وذاكرته التي تلملم شتاته؟".
وعن لغة الرواية، يقول أبو جيش "إن النص يتنفس صعودًا وهبوطًا؛ مرة هادئًا، ومرة مضطربًا، بلا حوار تقريبًا، لأنه نص يكتب من الداخل، من بطن الروح. مشاهد متكسرة تقفز من صورة إلى أخرى كي تبقى الذاكرة حية".
وأضاف أن الشكل السردي يحمل نفسا حديثا في التجريب؛ إذ تسير الفصول الفردية والزوجية كخطين متوازيين يلتقيان في منطقة الظل. وهذا التشظي ليس خللا، بل إعلانا أن الطريق غير مستقيم، وأن الإنسان كيان متعدد الطبقات، وأن الذاكرة لا تنتظم في صف واحد.
وتوجه الرواية نقدا للرأسمالية الحديثة ولهثها خلف الاستهلاك والفراغ الممتلئ بأشياء لا حاجة لها. وهي- برأي المؤلف -تجعل القارئ شريكا في الرحلة. حتى النهاية تبقى مفتوحة، كأن النص يهمس: "الجواب ليس هنا.. وربما لن يكون. انظر للطريق كما هو، وانظر لظلك كما صار، لا كما تريده أن يكون".
وتطرح الرواية أسئلة من قبيل: من أنا؟ أين مكاني؟ ولماذا لا ينتمي المرء رغم أنه يمشي في الشارع مثل الآخرين؟ أسئلة تطرح ولا تجاب، لأن النص يؤمن بأن السؤال أهم من الجواب، وأن الضياع أحيانًا لحظة يرى فيها الإنسان نفسه بوضوح.
وتخلص الرواية، إلى أنها لا تبحث عن تجميل الواقع، بل عن مواجهته؛ واقفةً عند المسافة بين الإنسان ومكانه، بين الحقيقة وصورتها، بين الطريق والظل.