عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Dec-2025

مقاطع عفوية تتحول إلى "تريند".. وانتهاك للخصوصية يصعد الخلافات

 الغد-تغريد السعايدة

هل تخيلت يوما أن تشاهد نفسك في مقطع فيديو متداول عبر منصات التواصل الاجتماعي ولا تعلم من قام بتصويره أو نشره، في لحظة ما، بينما كاميرات الهواتف المجهولة تبقى مفتوحة وتترصد اللحظات من كل اتجاه؟
 
 
كثيرة هي المواقف قد تحدث للإنسان بشكل مفاجئ؛ في الشارع، في الأماكن العامة، أو خلال مناسبة ما، من دون أن يدرك أن اللقطات العفوية لكاميرات البعض قد تلتقط تلك اللحظات وتحولها بعد ذلك إلى "مقاطع تريند" تستقطب آلاف المشاهدات.
"عريس في حفل زفافه يراقص عروسه، يقرر حملها كجزء من فقرات الفرح، إلا أنها تفلت من يده وتسقط أرضا"، بعد ساعات قليلة يتفاجأ أهل العريسين بأن المقطع المحرج تم تداوله في إحدى "جروبات" العائلة، ثم انتقل إلى هواتف عدة، ليشق طريقه لاحقا إلى عالم السوشال ميديا الواسع.
وفي مثال آخر، رجل يغفو داخل حافلة نقل عام، يتمايل رأسه من دون أن يشعر، فيصوره أحد المراهقين ويسارع بتبادل الفيديو بين أصدقائه، قبل أن ينشره عبر المنصات مرفقا بتعليقات ضحك وتنمر واضح.
نزاعات ومشاكل أسرية
الكثير من النزاعات والمشاكل قد تحدث بين أفراد المجتمع بسبب مثل هذه المواقف، وبعضها قد يصل إلى حد الطلاق والتفكك الأسري.
وفي هذا الجانب، يقول الاستشاري الأسري والاجتماعي مفيد سرحان "إن هذه الأحداث غالبا ما تقع بشكل مفاجئ وغير متوقع وغير متكرر، لكنها تترك تأثيرا واسعا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ورغبة الكثيرين في تداول مثل هذه الأخبار".
وبالرغم من أن معظم هذه المواقف لا تحدث أمام عدد كبير من الناس، بل قد تقع أمام عدد قليل فقط، إلا أنها تنتشر بسرعة كبيرة وخلال لحظات، ويتناقلها البعض من دون تأكد أو تثبت، أو حتى معرفة المقربين واستئذان أصحاب العلاقة، وغالبا ما يتم النقل من أشخاص لا يعنيهم الأمر من الأساس.
وقد تكون للنقل دوافع متعددة؛ فهناك من ينشر كل ما يصله من أخبار مهما كان مصدرها، سواء أكانت تخص شخصا بعينه أو أسرة أو عائلة، من دون التفكير في عواقب هذا النشر أو أثره على الأشخاص أو المشكلة نفسها، سواء من خلال نشر ما لا يعنيه، أو مساهمته في خلق مشكلة، أو إحداث شرخ بين أصدقاء أو أقارب، أو تضخيم حدث ما.
نشر فيديوهات بدافع التسلية
كما أن بعض الأشخاص، وفقا لسرحان، ينشرون بدافع الاستغراب من سلوك أو تصرف، أو بدافع التسلية، وقد يكون النشر صادرا عن أحد أطراف المشكلة نفسها، انحيازا لموقف أو رغبة في التأثير على نتيجة حدث ما، أو انتصارا لرأي أو وجهة نظر.
وتضخيم الإعلام، بأشكاله المختلفة، لمثل هذه الحوادث النادرة، قد يسهم في زيادة عدد المشاهدين أو المتابعين، لكنه من ناحية قيمية يستدعي التوقف والتفكير، إذ بات المجتمع الرقمي اليوم يركز على الحوادث الاجتماعية النادرة لجذب الانتباه وصناعة رأي عام حولها.
وغالبا ما تحقق الأخبار أو المشاهد السلبية والغريبة معدلات تفاعل أعلى ومشاركات أوسع على وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بالأخبار الإيجابية. وما يجب إدراكه هو أن تكرار تداول الأخبار السلبية يجعل الأحداث السيئة تبدو أكثر تكراراً مما هي عليه في الواقع، ويظهرها بصورة أكبر بكثير من حجمها الحقيقي، ما يؤدي إلى تشويه إدراك الناس للواقع، ويعزز الشعور السلبي والتشاؤم العام، ويغذي القلق والخوف.
فيديوهات تنشر من دون استئذان
مواقف كثيرة وفي بقاع مختلفة من العالم نرى فيها أشخاصا يخرجون عبر منصاتهم الخاصة ليبرروا مواقف عفوية ومفاجئة حدثت معهم، بعدما تم التقاط تلك اللقطة ونشرها، سواء من باب التهكم أو السخرية أو الطرافة، أو حتى من باب المدح والتقدير لموقف ما، إلا أن الرابط المشترك بين كل تلك الحالات هو أنها نشرت من دون علم أو موافقة الأشخاص الظاهرين فيها، بحجة أنها "لقطات عفوية في أماكن عامة".
"رجل يقع في حفرة صغيرة في الشارع العام"، تلتقطه كاميرا أحد المارة، فيسارع هذا الشخص بنشر المقطع مرفقا بتعليق ضاحك. ينتشر الفيديو بسرعة كبيرة من دون علم الرجل المتضرر، ليصل إليه بعد أيام من قبل أحد أصدقائه.
خرج الرجل، وهو من إحدى الدول الأوروبية، إلى متابعيه عبر صفحته، وكتب ضاحكا أنه تفاجأ بوجوده على منصات التواصل الاجتماعي، وأن الأمر لم يغضبه، بل قال إنه سيحتفظ بالمقطع للذكرى، رغم أنه تعرض لبعض الرضوض خلال تلك اللحظة.
مواقف محرجة تنشر على المنصات
وعلى سبيل المثال لا الحصر، شاركت فتاة في مصر عائلتها فرحة تخرجها بالرقص والضحك والاستمتاع، لتتفاجأ بعد أيام قليلة بمقاطع مصورة تنتشر عبر حسابات عدة على السوشال ميديا، تظهرها وهي ترقص، بعضها مجتزأ، ومرفق بالكثير من التعليقات السلبية التي طالت مشاعرها ومشاعر عائلتها.
خرجت الفتاة بعد ذلك في مقطع مصور وهي "منهارة" بالبكاء، وإلى جانبها والدتها، مستاءة من حجم السخط والكلام غير اللائق الذي وجه لابنتها، مضيفة أن كل ما حدث أنها كانت ترقص مثل باقي زميلاتها من دون أي خدش للحياء، وفي حفل تخرج يفترض أن تكون فيه الخصوصية أعلى، وألا يسمح بالتصوير والنشر بهذه الطريقة الجارحة.
وتكرر المشهد ذاته في إحدى حفلات الزواج، حين شاركت فتاة صديقتها فرحتها بالرقص، إلا أن أحد الحضور تعمد تصويرها والتركيز عليها، ما أدى إلى وقوعها في مشكلة اجتماعية وأسرية كبيرة.
النشر السريع لكسب المشاهدات
هذه المواقف العفوية التي تحدث كل يوم لم تكن لتظهر بهذا الشكل سابقا، والسبب أن الكاميرات لم تكن متاحة في كل زاوية من الأماكن العامة، وكانت مقاطع الفيديو تقتصر على كاميرات الأسرة الخاصة، بما فيها من خصوصية وحماية، كما في تسجيل حفلات الزفاف في كاميرات الفيديو القديمة التي كانت تحفظ لدى العائلة.
ووفقا لسرحان، فإن التناقل أو النشر السريع يجعل تجاوز الموقف وحل المشكلة أمرا بالغ الصعوبة، فالمصلحة تقتضي الستر والتجاهل لا التضخيم والتسابق على النشر، كما تقتضي الامتناع عن التعليق وإبداء الرأي. فلا يمكن الحكم على شخص أو أسرة أو عائلة أو مؤسسة من خلال حوادث فردية غير مدروسة وغير مخطط لها، حتى وإن لفتت انتباه الرأي العام.
كما أن التركيز على مثل هذه الحوادث قد يسهم في انتشار الخوف والقلق الجماعي، وفق سرحان، خصوصا في هذا العصر الرقمي الذي يضخم الأحداث وينشرها بسرعة، ويجعل التعرض غير المنضبط للأخبار سببا في ضعف العلاقات الاجتماعية وتراجع التماسك الاجتماعي.
ويشدد سرحان على أهمية أن تتعامل وسائل الإعلام، بمختلف منصاتها، مع هذه الحوادث من دون تحويلها إلى مادة إعلامية جذابة لتحقيق مشاهدات وتفاعلات أعلى مقارنة بالأحداث اليومية الروتينية. فالتغطية الموضوعية، ووضع الحدث في سياقه الصحيح من دون مبالغة أو تهويل، يسمحان للإعلام بأداء دوره في التوعية وإثارة النقاشات الاجتماعية المهمة.
ويرى أن الأفضل في بعض الحالات هو الامتناع عن نشرها وتداولها، وتشجيع الأفراد على تقليل استهلاك الأخبار السلبية، والتركيز على المحتوى الإيجابي.