المكتبة الوطنية حارسة الذاكرة الإنسانية*د. ماجد الخواجا
الدستور
شاركت في المؤتمر العلمي الدولي الأول الذي نظمته وأشرفت عليه المكتبة الوطنية الأردنية وكان تحت عنوان « المكتبات الوطنية ودور المحفوظات ودورها في حفظ الذاكرة الوطنية في بيئة رقمية متغيّرة» وجاء المؤتمر بمناسبة اليوبيل الذهبي لانطلاقة المكتبة الوطنية في الأردن التي مضى على تأسيسها خمسين عاماً وهي تقدّم مشهداً وطنياً باعتبارها المؤتمنة والحارسة للذاكرة الوطنية والتراث الثقافي والفكري والأدبي المادي وغير المادي.
كان التنظيم رائعاً متميزاً حرص فيه القائمون على تفاصيل وشؤون المؤتمر بالعناية التامة وبدعم وإسناد ورعاية من وزارة ووزير الثقافة، وإدارة مهنية احترافية لمدير عام المكتبة الوطنية الدكتور نضال العياصرة ورئيس اللجان العلمية الدكتور حسين الشقيرات. وقد شارك في المؤتمر عديد من الباحثين والوفود الدولية من قطر وتركيا وكازاخستان وفلسطين والعراق والكويت وعُمان ومصر وسويسرا والسعودية والجزائر وماليزيا وسوريا وجامعة الدول العربية.
كانت الدراسة التي عرضتها تحمل عنوان : « واقع ومستقبل المكتبات الوطنية في ظل التحولات الرقمية»، حيث تعاني المكتبات من إثبات حضورها والحاجة إليها ووجود مهام وأدوار لها في ظل رقمنة الحياة والكتاب. فمنذ مطلع الألفية الثالثة وبروز اقتحام الإنترنت لمفاصل الحياة المختلفة، انحسر دور الكتاب الورقي، وأصبحت تجارة طباعة ونشر وبيع الكتب في أدنى حالاتها، حيث كان من مظاهر العولمة أن فاضت المواقع الإلكترونية والتطبيقات الخاصة بالكتب الإلكترونية، ومع انتشار محركات البحث التي وفرت المعلومات الهائلة وإتاحتها للمطالعة والتحميل لها دون التقيّد بالمكان والزمان والسياق، لا بل ما أن يتم كتابة عنوان ما، حتى تنسدل مئات العناوين المرادفة والمشابهة لها.
هي مؤشرات أذكرها والتي أعتقد أنها بمثابة حالة عامة وليست فردية مرتبطة بي شخصياً:
كنت دائماً أحرص على شراء الكتب وزيارة دور النشر والمعارض الخاصة بالكتاب، حتى أصبحت أمتلك مكتبةً فيها آلاف الكتب متنوعة المجالات والاهتمامات، ومنها ما يمكن اعتبارها من أمهات الكتب، كانت في البداية مجرد خزانة بسيطة في زاوية مهملة سمحت بها لي صاحبة الدار الزوجة المصونة، لكن بدأت أعداد الكتب تزداد، وزادت عدد الخزائن مما رتّب زيادة في المساحة التي تعتبر مغتصبة ومقتطعة من مملكة الدار الخاصة، ومع امتداد الزمن وولوج عالم الرقمنة، بدأت أشعر بالحزن عندما أنظر للكتب الورقية ولا أفكر في تناول أي كتاب منها، حيث تمتلئ الذاكرة الرقمية في الكتب الإلكترونية التي حيدت الكتب الورقية وأصبحت نادرة الاستعمال ومحتلة مساحات يمكن استغلالها بأشياء أخرى. لا بل وجدت أن معظم الكتب الورقية لدي أصبحت إلكترونية يمكن تحميلها وتخزينها ومطالعتها دون الحاجة للإمساك بأي كتابٍ ورقي.
وجدت نفسي أكتب خطاباً لرئيس الجامعة الأردنية معالي الدكتور نذير عبيدات أستأذنه بقبول تبرعي بمكتبتي الورقية للجامعة، وفعلاً تم إرسال سيارة نقل والتي حملت الكتب وأنا فرح بذلك علّ هناك من يستفيد أو يطالع شيئاً منها، بدل أن تتلف أو يتم التخلّص منها عندما يحين الأجل. لكن ما أن تحركت السيّارة المحملة بالكتب حتى فرّت من عيني دمعة حزنٍ وعرفان. بكل أسف فإن هذه المساحات في البيوت التي تحتوي المكتبات والمكتب تكون أول الضحايا التي يتم الاستغناء عنها مع وفاة صاحبها.
لقد أحسنت المكتبة الوطنية بأن أفردت مساحات واسعة داخلها لتكون زوايا المكتبات المتبرع بها من أصحابها أو من ذويهم بعد وفاتهم، حيث يتم وضع المكتبة الشخصية في زاوية تدعى باسم صاحبها. إنه نوع من حماية الذاكرة والإرث المجتمعي الذي يحفظ حركية المجتمع.