عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Nov-2025

«أرض الحـــريـــــة..» نص أدبي وإثنوغرافي رفيع

 الدستور-الدكتور عبد الحكيم الحسبان

(العميد السابق لمعهد الإعلام الأردني، وقد قدم كلمة في الحفل نيابة عن سمو الأميرة ريم علي المعظمة)
لطالما قيل في الغرب عن النخب في العالم العربي، وفيما يشبه النقد لها، أن هذه النخب كانت تنشغل طوال الوقت في محاولة اكتشاف أن هناك أمة عربية واحدة، فجهدوا يبحثون في الكتب وفي اللغة وفي الجغرافيا عما يثبت أن هناك أمة عربية واحدة، في حين أن عمل النخب والمثقفين هو أن يصنعوا الأمة وينتجوها، لا أن يكتفوا بمحاولة اكتشاف الأدلة على وجودها. فالنخب الحقيقية هي التي تصنع وتبتدع وتنتج عناصر بناء الأمة ووحدتها في الاقتصاد، كما في السياسة، والفكر، والاجتماع، والأدب، ولعل العمل الذي بين أيدينا اليوم يخرج عن هذه القاعدة ؛ فالعمل البديع الذي أنتجه عقل أحد النخب الأردنية، والذي اختار أرض الجزائر لتكون موضوعاً له، هو عمل ينتمي الى تلك الأعمال التي لا تكتفي باكتشاف وحدة شعوبنا فقط، بل إنها تسهم في صناعة روابط بين نخب، وبين شعوب، كما أنها تسهم في صناعة وعي جمعي وجامع، بالقدر الذي تسهم فيه في صناعة خطاب عابر لحدود تلك الجغرافيات الضيقة التي فرضت قسراً على المنطقة.
وفي إصداري طهبوب نرى كاتباً أردنياً تمتد جذوره إلى مدينة الخليل الفلسطينية المحتلة، يذهب لأرض الجزائر في ما يشبه رحلة البحث عن الحرية لأرض فلسطين المغتصبة من خلال رحلة طويلة وشاقة في خمسين ولاية جزائرية باحثاً فيها عن تراث، وعن شواهد، وشخوص، وأماكن، وأحداث وقصص وحكايا ارتبطت كلها بسعي دؤوب لشعب عربي في الحرية والتحرر، فأنجز الحرية والاستقلال بعد ليل طويل امتد لأكثر من 132 عاماً، وكأنه يقول إن الحرية قادمة لفلسطين، وأن من تسلل اليأس إلى قلبه، عليه أن ينظر إلى الجزائر، فالحرية والاستقلال جاءا بعد قرن ونيف من العمل الدؤوب والتضحيات الجسام.
وفي صفحات الكتابين نرى أدب عامر طهبوب الأردني ولغته، ولكننا نرى أيضا نخبة من المثقفين والكتاب الجزائريين الذين قدم بعضهم للكتاب، وخصص بعضهم جزءاً من وقته لاستقبال المؤلف على أرض الجزائر، وفي الكتاب نرى أيضاً دعم الدولة الأردنية ممثلة بدولة رئيس الوزراء السابق بشر الخصاونة الذي وجه السفارة الأردنية في الجزائر بتقديم كل الدعم لعمل الكاتب، كما نرى دعم السلطات الجزائرية الرسمية للكاتب وتوفير التسهيلات لهذا العمل، والحرص على حمايته ومواكبته أمنياً أينما ذهب.
في أهمية العمل كتابي طهبوب أجدني وقد استحضرت الراحل إدوارد سعيد الذي سبق وأن كتب كثيراً عن المركزية الغربية، وعن تلك العلاقة بين السلطة والمعرفة والخطاب، ففي الكثير من الأعمال التي كتبها سعيد نكتشف أن أحد مظاهر التبعية التي عاشتها الشعوب العربية  كانت في عدم قدرتها على وصف نفسها، وعلى الكتابة عن نفسها، فتركت أمر الكتابة عن نفسها للغرب، فكان أن قام الغرب باحتكار إنتاج الصور والرموز والتمثلات والمعرفة عن الشرق، والمفارقة الكبرى أن الصور التي أنتجها الغرب عنا، لا يستهلكها الغرب فقط، بل نقوم نحن أنفسنا باستهلاكها. فمن يريد منا أن يتخصص ويكتب عن مصر وسوريا والمغرب والجزائر، يجد نفسه دوماً مضطراً للخضوع لسطوة القراءات والنصوص التي كتبها غربيون هم في الغالب مستشرقون عن هذه المجتمعات، وأما العمل الذي نحتفي به اليوم، فهو يوفر فرصة للقارئ الأردني والعربي عموماً أن يقرأ نصاً أدبياً وإثنوغرافيا رفيعا يمثل نموذجاً لنصوص عن مجتمع عربي مغاربي يخطها ويكتبها كاتب ومؤلف مشرقي، وثمة شعور غامر انتابني وأنا أقرأ نصاً عن مجتمع مغاربي كتبه مؤلف عربي ينتمي للمشرق العربي، ما يمثل - وفي حال استمرار  هذا التقليد من نسق الكتابة- كسراً لتلك الهيمنة والسطوة للمركزية الغربية في إنتاجها للمعرفة عن الشرق وعن المجتمعات العربية. واسمحوا لي في هذا المقام، إن أحيلكم إلى حقيقة أن إنشاء معهد الإعلام الأردني قبل حوالي خمسة عشر عاماً كان من أهدافه الرئيسة خلق رواية وسردية وخطاب ومعرفة عن الأردن والمنطقة العربية تنتجها عقول أبناء المنطقة، ولتحيلهم إلى فاعلين معرفيين إيجابيين، بدلاً من ترك إنتاج الصور والرموز والتمثلات عن العالم، وعن ثقافتنا وقضايانا، نهباً لتوجهات النخب الغربية ومصالحها وأطماعها، ولعل ما جرى في فلسطين وغزة على مقربة من هذا المكان يقدم أنصع الأمثلة على حرب الروايات، وعلى أهمية أن نكون فاعلين وسادة على صعيد ما يتم إنتاجه من معرفة وصور وتمثلات عن المنطقة وقضاياها.