الدستور
الحياة مع بناتي الثلاث، من الصغيرة البالغة 14 عامًا، مرورًا بالمتوسطة 19، وصولًا إلى الكبرى البالغة 23 عامًا، جعلتني أرى العالم بعين جديدة تمامًا. كل واحدة منهن تحمل شخصيتها الخاصة، وطريقتها الفريدة في التعبير عن نفسها، ومعهن تعلمت دروسًا لم أتوقعها من قبل، دروسا تتعلق بالصبر، الحب، الحدّ من الانفعال، وأهمية التوازن بين الحياة والعمل.
أول درس تعلمته كان من رسائلهن المفاجئة والمتواصلة. ابنتي الصغرى ترسل لي أحيانًا رسائل نصية متتالية بطريقة تفاجئني: تكتب «ماما، تعالي بسرعة!»، ثم بعد دقيقة تضيف: «نسيت أقول، ممكن تجيبي لي شي؟» في البداية، كان قلبي يخفق خوفًا أو قلقًا، أفكر بما إذا كانت هناك مشكلة كبيرة. ومع الوقت تعلمت أن أهدأ وأتعامل مع الموقف بصبر، وأدركت أن هذه الطريقة في التواصل جزء من طبيعة جيلهن الذي تعود على السرعة في كل شيء، لكنه لا يقلل من الحب أو الاهتمام.
الدرس الثاني يتعلق بالعمل وطريقة النظر للحياة، وهو درس مستمد من ابنتي الكبرى. غالبًا ما تذكرني أن الحياة ليست مجرد سباق للحصول على وظيفة أو المال، بل يجب أن يكون العمل متوافقًا مع القيم الشخصية والرضا الداخلي. تقول لي دائمًا: «سأعمل لأعيش، لا أعيش لأعمل»، وهذه العبارة تجعلني أعيد التفكير في اختياراتي اليومية وأولوياتي.
أما الدرس الثالث فهو عن الجمال والهوية، وهو درس مستمر من كل واحدة منهن بطريقة مختلفة. ابنتي الوسطى تحب تجربة الأساليب المختلفة، سواء في الملابس، المكياج أو حتى طريقة ترتيب غرفتها. تعلمت منها أن الجمال ليس مجرد مظهر خارجي، بل هو شعور وثقة بالنفس، وأن الأسلوب الشخصي يمكن أن يتغير ويتطور باستمرار دون الخوف من الحكم أو الانتقاد.
الدرس الرابع مرتبط بالشيخوخة والتقبّل الذاتي. من خلال حديثنا اليومي، أسمعهن يؤكدن أن قيمة المرأة لا تقاس بالمظهر أو الشباب، وأن التقدم في العمر ليس تهديدًا بل مرحلة مليئة بالحكمة والجمال الطبيعي. أجد نفسي أتعلم منهن كيف أقدر نفسي كما أنا، وكيف أرى التجاعيد والخطوط على وجهي كخريطة للحياة التي عشتها، لا كشيء مخيف يجب تغييره أو تعديله.
الدرس الخامس، وهو أحد أعظم الدروس، يتعلق برسم الحدود الشخصية. ابنتاي الوسطى والصغرى تظهران براعة غير عادية في التعبير عن حدودهن، سواء في العلاقات الاجتماعية أو في حياتهن اليومية. إذا شعرتا بالإرهاق أو بعدم الرغبة في حضور مناسبة، لن تترددا في قول «لا»، دون شعور بالذنب أو خوف من الحكم. أحيانًا أجد نفسي مندهشة من شجاعتهن، وبت أتعلم منهن كيف أضع حدودي الشخصية في حياتي العملية والاجتماعية.
وأخيرًا، الدرس السادس يتعلق بمرحلة المراهقة نفسها، أو كما أحب أن أسميها: «فترة التحولات العجيبة». من ابنتي الصغرى البالغة 14 عامًا، أتعلم كيف يمكن للجيل الجديد أن يعيش مرحلة المراهقة بأسلوب أكثر وعيًا وجمالًا. لم تعد مشاكل البشرة أو الشعر المجعد تشكل أزمة كبيرة، بفضل العناية والوعي الذاتي. أحيانًا أضحك وأتذكر كيف كانت مراهقتي مليئة بالحرج، بينما اليوم تبدو بناتي متأنقات واثقات من أنفسهن.
مع بناتي الثلاث، أدركت أن الأمومة ليست مجرد مسؤولية، بل رحلة تعلم مشترك. كل يوم معهم يعلمني الصبر، التفهم، والقدرة على النظر إلى الحياة بعين أكثر رحابة ووعيًا. أتعلم كيف أستمتع باللحظات الصغيرة، كيف أستمع أكثر مما أتحدث، وكيف أكون موجودة فعليًا دون الانغماس في القلق أو الانشغال. بناتي ليس فقط مصدر فرح، بل معلماتي الصغيرات في دروس الحياة، أما أنا، فأجد نفسي أضحك وأتعلم منهن كيف يمكن للمرء أن يجدد نفسه باستمرار، وأن التكيف مع العصر ليس فقدانًا للهوية، بل طريقة للتواصل مع العالم من حولنا.