أ.د محمد سليم غزوي : خواطر حول مبدأ تحصين الدولة الاردنية بسند من الخريطة "الدستور"
أخبارنا :
أ.د محمد سليم غزوي :
* البوصلة "الرقابة القضائية" التي ندرسها ونستشيرها ونطيعها
ونحن أمام لوحة مضطربة الألوان للعلاقات الدولية " انحراف، إيذاء، تسلط ..... " فإن الواجب العلمي والوطني " يلزماننا " الذهاب إلى هذه الخواطر والجهر بها تأسِّيًا بقوله تعالى " ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون " 42/ إبراهيم
هذا ولأن المبدأ السند الذي يصدّ الخطر ويمنعه بكافة أنواعه " السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، والثقافي ,,,,,, يطرح العديد من الأسئلة في القانون، والإجابة يجب أن تكون بالقانون. فإن ما يُطرح في القانون " أسئلةٌ كثيرة " سنقترض منها سؤالين هامين ومهمين أعتقد أنهما يُفيان بالغرض، هما:
الأول) السؤال الخاص بالضمانة الأساس
وهو: عن مدى توفير الحركة الدستورية الأردنية للقاعدة الأساس واستمرارها لنظام الحكم " التوأم " " مبدأ المشروعية السياسية - مبدأ الشرعية الدستورية " الذي يصدّ الضرر عن الدولة الأردنية ونظام الحكم فيها ويمنعه حاضرًا ومستقبلًا.
والثاني) السؤال الخاص بالضمانة المضافة التي قنّنها المشرّع الدستوري
وهو " عن مدى تفعيل مبدأ السيادة القومية والآليات التي يطرحها كضرورة استراتيجية للدولة " وحدة، اتحاد، تعاون. "
وعليه،
لنبدأ كما يقول الفرنسيون من البداية commençons par le commencement
والبداية تحتّم أن نذكر بمبادئ هامة تخص كل من الدولة القانونية ونظام الحكم
أما ما يخص الدولة القانونية فهي تتوفر عندما تقوم على مبدأين هامين تخضع فيهما كافة السلطات العامة للقانون، وهما:
• مبدأ الدستورية
• ومبدأ السيادة في الدولة
اما مبدأ الدستورية، فإن مصدره الدستور، " وقد تدرّج في معناه ومضمونه -على قاعدة " إن الدساتير ليست خيمًا تُنصَب للنوم " - وذلك من مجرد قواعد تنظم وتحدد عمل الدولة إلى قواعد مشبعة بمبادئ حقوق الإنسان، ليصبح " ذا قيم متعددة في وقت واحد، ذو قيمة رمزية وفلسفية وقيمة قانونية مطلقة يجعله القانون الأساسي للدولة. ومن بعد، أصبح مبدأ سمو الدستور الذي اعتمده القضاء الدستوري أساسًا للدولة القانونية.
ولا نحيد عن التحليل العلمي عندما نقرر بأن هذا هو الذي يمتاز به دستور 1952 الأردني حيث الثبات النسبي وفقًا لأسلوب تعديله ومدى جموده " يُحظر التعديل وكذلك إجازته " المواد 84، 93، 126 " ولا يلغيه كقانون دستوري إلا قانون دستوري.
ولم يعد الدستور الأردني نصًا مغلقًا ومعزولًا انتهى مفعوله لحظة إقراره، بل هو عمل يواكب التطور الدائم بما يتناسب مع تقدم المجتمع، وفقًا لما اتصف وامتاز به من أنه من نوع الدساتير المختصرة الموجزة التي تنص على القواعد الكلية وتحيل تفصيلها للقانون " بقانون خاص، وفق أحكام القانون، في الأحوال المبينة في القانون، حسبما يعين في القانون، بمقتضى القانون ......... إلخ.
وأصبحت كلمة " دستور " كما يقول الفقه الدستوري تتصف بها دولة القانون وتجسد صورة الميثاق الوطني الذي يختزن الإرادة الوطنية والسيادة القومية والشعبية، وهو كذلك دستور 1952 الأردني " المادة الأولى منه
وأما مبدأ السيادة في الدولة " أو سلطان الدولة la souveraineté " فله مظهران: " داخلي بعدم خضوع الدولة لأي سلطة أخرى داخل حدودها، وخارجي أي استقلال الدولة عن الدول الأخرى.
ووفقًا لنص المادة الأولى من الدستور الأردني " المملكة الأردنية الهاشمية دولة...... ذات سيادة.... " يشكل هذا المبدأ الركيزة الأساس في تكوين سلطة الدولة المتعلقة بالاستقلال الخارجي واستئثارها بكافة الاختصاصات على الإقليم وفي مواجهة السكان دونما خضوع لسلطة أعلى، والمتعلقة بالسيادة الإقليمية وبسط سيطرتها التي ترتبط بمجموع المواطنين التي وضعها الدستور وفقًا لنص المادة 24 منه " الأمة مصدر السلطات، وتمارس الأمة سلطاتها على الوجه المبين في هذا الدستور ".
وحيث تتأرجح كلمة الأمة " بين سيادتها وسيادة الشعب، فقد تخطى الأردن التفرقة ما بين السيادتين " القومية والشعبية " وقام بتذويب السيادتين والدمج بين المفهومين ليذهب ويركز على كيفية التطبيق كما سنبين.
وأما ما يخص القاعدة الأساس / التوأم لنظم الحكم فهي:
• الاستقلال الذاتي
• الحكم الدستوري
وهما عندنا كما يلي:
أما الاستقلال الذاتي فقد كانت نقطة البدء " 3 من تشرين الثاني 1922 " هي السعي للحصول على الاستقلال، وامتد هذا السعي إلى عام 1946 " 22 من آذار " حيث تم في 25 من أيار " إعلان الدولة الأردنية دولة مستقلة ذات سيادة ونظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي، وتتويج المغفور له الملك عبد الله بن الحسين ملكًا دستوريًا على المملكة.
وأما الحكم الدستوري فقد تدرج عندنا، حيث كانت نقطة البدء نشر القانون الأساسي " الدستور " " 16 من نيسان 1928 " ومن بعده تم نشر دستور 1947 " الأول من شباط " لتتجسد ممارسة السيادة السياسية الداخلية والخارجية بنشر دستور 1952 " 8 من كانون الثاني " والذي ما زال ساريًا إلى الآن.
هذا، ولأن كل من مبدأ المشروعية السياسية ومبدأ الشرعية الدستورية اتضح وتبلور أكثر بصدور دستور 1952، فسنسارع العودة للسؤال الأول الذي سبق وأثرناه خاصًا بهذين المبدأين:
ما المقصود بكل منهما؟
أما ما يخص مبدأ المشروعية السياسية légalité politique، فهو الصفة التي تتعلق بالسلطة وما يصدر عنها من قرارات تعبر عن إرادة الشعب.
ويرتبط معنى المشروعية السياسية " بالمعنى السياسي للدستور "، وهو ما يؤمن به الشعب، أي بمجموعة المبادئ والنظريات الديمقراطية التي تخص نظام الحكم وتمثل الإرادة السياسية للشعب، وتتعلق بشكل الدولة ونظام الحكم فيها وتحديد سلطاتها والعلاقات فيما بينها، كما تتعلق بتحديد الحقوق والحريات العامة للمواطنين.
وتتحقق إذا كانت اللجنة / السلطة التأسيسية الأصلية le pouvoir constituant originaire التي تضع الدستور منبثقة من الشعب، مستقلة، تعبر عن إرادة صاحب السيادة، الأمة / الشعب. كما تتحقق كلما جاء تعديل الدستور بواسطة السلطة التأسيسية المنشأة le pouvoir constituant institué " البرلمان / مجلس الأمة " المنبثقة عن الشعب وتستمد نشأتها من الدستور وتمارس عملها في صورة ما يأمر به الدستور، غير منحرفة في استعمال هذه السلطة المقيدة المحددة un pouvoir limité، التي تستمدها من الدستور.
ولأن المشروعية السياسية لا تنتج أثرها بغير الشرعية الدستورية légalité constitutionnelle، ولأن مدلول الشرعية الدستورية تحدده اللجنة / السلطة التأسيسية الأصلية، فهي تعني: النظام الذي يعبر عن مبادئ المشروعية السياسية التي تخص نظام الحكم وتمثل الإرادة السياسية للشعب وفقًا للنظريات الديمقراطية، وتتعلق بالسلطة وبالحرية، ويُعبر عنها في شكل قواعد يتبناها المشرّع الدستوري.
وبناءً عليه، فإن الشرعية الدستورية تقوم على المعنى القانوني بالشكل القاعدي normatif المكتوب للدستور، تحت رقابة القضاء، وتنصرف إلى تلك القواعد والمبادئ التي يتكون منها الدستور وتلتزم باحترامها كافة السلطات العامة.
وهنا لا بد من وقفة:
لأن كلًا من المشروعية السياسية والشرعية الدستورية تنتمي إلى مدلولين أو معيارين من طبيعة مختلفة، حيث المشروعية السياسية تنتمي إلى المعنى السياسي للدستور، توفرها إرادة الشعب، أما الشرعية الدستورية فهي تنتمي إلى المعنى القانوني للدستور وفقًا للشكل القاعدي السالف الذكر، ولا تتوفر إلا من خلال إرادة الشعب.
ومع ذلك فإن تعدد الانتماء لا يعني أن كل منهما يناقض الآخر، وإنما كل يكمل الآخر؛ فالمشروعية السياسية هي المدخل الرئيسي الهام للشرعية الدستورية. فإذا انهارت الإرادة السياسية للشعب وفقًا لتعديل أو مجموعة تعديلات تُجرى على الدستور ولا تلتزم بالضوابط التي حددتها الإرادة السياسية للشعب، سينهار حتمًا ويضطرب النظام السياسي والدستوري.
وهنا لا بد من وقفة أخرى:
لنسارع إلى القول إن دستور 1952 وبتفوق استمر حتى عام 1954، " ففي هذه المرحلة الأولى "، حيث انطلق وفقًا لأسلوب نشأته " اللجنة / السلطة التأسيسية الأصلية " " 11 من أيار 1950 " من ضرورة توفير المشروعية السياسية، ووفّرها فعلاً، وفقًا لما قامت به اللجنة المذكورة عند إعداد مشروع الدستور، حيث قام هذا المشروع على مبدأين أساسيين هامين، هما:
أ) الوحدة التي قامت بين الضفتين
ب) ومجموعة المبادئ والأفكار السائدة في ذلك الوقت التي تضمنتها دساتير الدول الديمقراطية.
وأكدت السلطة التأسيسية المنشأة (أعني مجلس الأمة الأردني، ذلك لأنه حين يريد إدخال تعديل على الدستور، إنما يجتمع بصفته سلطة تأسيسية (لا تشريعية)، وفي هذه الحالة يشترط في انعقاده وفي طريقة التصويت شروطًا وإجراءات أشد تعقيدًا مما يُشترط حين يُراد منه النظر في القوانين العادية) التزامها بكافة الضوابط التي حددتها السلطة التأسيسية الأصلية، وعبرت من خلالها عن إرادة الشعب، ولم تلجأ في الفترة ما قبل 1954 إلى ما يضر بها وفقًا لأي أسلوب.
وفي مرحلة تالية " السنوات 1954 حتى عام 2011 "، تراجع ذلك التفوق لمبدأ المشروعية السياسية، حيث انحرفت السلطة التأسيسية المنشأة " مجلس الأمة " صاحبة سلطة تعديل الدستور، وقامت بإدخال الغش على الدستور la fraude à la constitution، أو كما يؤثر كبار الفقه الدستوري العربي بتسميته " الانحراف في استعمال السلطة التأسيسية المنشأة "، وأدخلت ما مجموعه " ثلاثين تعديلًا على الدستور " دون أن تلتفت إلى إرادة الشعب، وأصابت بذلك كلًا من السلطة والحرية بضرر كبير، وانعكس هذا على المساس بالشرعية الدستورية، لتضعها في وضع مضطرب.
وفي مرحلة ثالثة، هي برأيي الأهم، ونتمنى أن تتكرر في مجال الإصلاح الدستوري، حيث أنتجت حدثًا هامًا مهمًّا خالدًا في التاريخ الدستوري للمملكة الأردنية الهاشمية، هو يوم الدستور الخالد "الأول من تشرين أول / أكتوبر 2011"، لما تضمنه من مراجعة مسؤولة لكافة التعديلات الدستورية السابقة لعام 2011، أنتجت بتفوق إصلاحًا دستوريًّا غير مسبوق بروحه، ومعناه، ومضمونه في مجالي "المشروعية السياسية والشرعية الدستورية"، استمر حتى "31/1 من عام 2022"، طالبنا وتمنينا أن يكون ذلك اليوم الخالد (الأول من تشرين أول / أكتوبر) عيدًا وطنيًا للمملكة، ينتج يومًا علميًا على مستوى المملكة، وبخاصة في الجامعات الأردنية.
وهنا لا بد من وقفة أمام استمرار ما يُؤخذ على المشروعية السياسية بعد عام 1954، والسبب الذي قاد إلى نفيها وطيها، والذهاب إلى النهوض بنظام الحكم، وفقًا لما يذكره كبار أساتذة الفقه الدستوري، وما يجب أن يُعد في مقدمة وسائل النهوض بأنظمة الحكم، بل يجب أن تُعد أهمها، هي: شخصية رجال الحكم.
حيث إن الفترات اللامعة في التاريخ السياسي لبعض الدول، هي التي تولّى الحكم فيها شخصيات قوية في الحكم.
وبناءً عليه، فإن الخير إنما يأتي للشعب قبل كل شيء بفضل توفر عاملين أو دعامتين:
وجود نظام طيّب من أنظمة الحكم، ووجود شخصيات طيبة "قوية، ذات كفاءة، وخبرة، ونزاهة، وغيرة على الخدمة العامة، وموضع ثقة واحترام من الشعب"، على رأس أداة الحكم.
لنشهد بداية العهد الجديد في المملكة، بتولي جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين سلطاته الدستورية "7 من شباط 1999"، حيث اتسعت ساحات الحوار حول حاضر العمل السياسي الأردني ومستقبله، وحول النظام الدستوري الأردني.
ولما تبلورت الآراء التي تدعو إلى مراجعة التعديلات الدستورية التي أُدخلت على دستور 1952 في الأعوام:
1954، 1955، 1958، 1960، 1965، 1973، 1974، 1976، و1984.
تدخّل صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، ليتوج مرحلة ما بعد 1954 "بيوم خالد لدستور 1952، كما هو الحال يوم إصداره في 8/1/1952"، ويعلن جلالته مخاطبًا، قائلًا:
إننا إذ نتوجه اليوم إلى الأردنيين والأردنيات، معبرين عن ضرورة معالجة موضوع التعديلات الدستورية بمنهجية وعمق وحرص على الوصول إلى مخرجات ترفد الأداء المتميز لنظامنا السياسي، لنؤكد أن بلدنا يرتكز إلى إرث هاشمي راسخ في قيادة الإصلاحات الدستورية، فها هو دستور جدّنا المغفور له بإذن الله تعالى، جلالة الملك طلال بن عبد الله، مثال راسخ على الرؤية الوطنية الشاملة....
وعليه ووفقًا لأسلوب تشكيل اللجان الملكية لمراجعة التعديلات الدستورية، عهد جلالته "في 26 من نيسان 2011" إلى دولة الأستاذ أحمد اللوزي برئاسة اللجنة الملكية لتتولى مراجعة التعديلات الدستورية وعضوية كل من الذوات: رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري، ورئيس مجلس النواب فيصل الفايز، ودولة الدكتور فايز الطراونة، ومعالي السيد راتب الوزني رئيس المجلس القضائي، ومعالي السيد رجائي المعشر، ومعالي الدكتور سعيد التل، ومعالي السيد طاهر حكمت، ومعالي السيد مروان دودين، ومعالي السيد رياض الشكعة.
انتهت اللجنة الموقرة وأدخلت "تسعة وثلاثين تعديلًا" على الدستور، تم التعديل لمجموعة من المواد وفقًا (لأسلوب التعديل بالإضافة)، وذلك لسد النقص في مجالي السلطة والحرية. كانت جوهرة مجموعة التعديلات التي أُضيفت هي (المادة 128) التي لا مثيل لتفوقها في أي من الدساتير العربية وحتى -كما أعتقد- في أي من الدساتير الأخرى، ونصها: (لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها).
أما المجموعة الأخرى فقد تم تعديلها وفقًا (لأسلوب التعديل بالحذف)، أي لكافة المواد الضارة ذات الصلة "بالديمقراطية السياسية والديمقراطية الإدارية" وبالحقوق والحريات العامة.
وبهذا قام مجلس الامه / السلطه التاسيسيه المنشأه برُد الاعتبار للمشروعية السياسية كتوأم للشرعية الدستورية، واستمرت كصفة تتعلق بالسلطة وما يصدر عنها من قرارات تعبر عن إرادة الشعب، كما استمرت كمعنى يرتبط بالمعنى السياسي للدستور، لينعكس استقرارًا للشرعية الدستورية.
ولأن رد الاعتبار للمشروعية السياسية كمدخل للشرعية الدستورية وتفوقها لم يستمر طويلًا، ليعود "مجلس الأمة" السلطة التأسيسية المنشأة إلى الانحراف مرة أخرى، عندما لم يلتفت إلى أمر مهم، ألا وهو الالتزام بالضوابط التي حددتها الإرادة السياسية للشعب، حيث التعديل لنصوص الدستور الذي أجرته بالإضافة أو بالحذف في السنوات 2014 و2016، خاصة بقواعد ومبادئ دستورية أساسية، ظنًا من القائمين عليها أنها مفيدة لنظام الحكم، ولكنها في الحقيقة ضارة ومسيئة.
وإذا أضفنا إلى هذه التعديلات مجموعة أخرى تمت في 31/1/2022 وبلغت 25 تعديلًا، كان انحراف "مجلس الأمة" السلطة التأسيسية المنشأة بشأنها غير ناصح، لنشهد بناءً عليه أزمة حقيقية لمبدأ المشروعية السياسية، وتضعنا أمام "شرعية دستورية مضطربة".
وبهذا الجديد الذي توفر، نشهد بدء المرحلة الرابعة من مراحل تدرج توفير المشروعية السياسية، وهي المرحلة الأسوأ كما نعتقد، حيث التراجع غير المسبوق، والرديئة الجاحدة لكل من الحركة الدستورية الأردنية والذوات اللجنة التأسيسية الأصلية، ونضيف المرحلة الرابعة السيئة والضارة للرؤية الملكية وللطموح الملكي في مجالي الاستقلال والحكم الدستوري، والانحراف عن رفد الأداء المتميز للنظام السياسي الأردني (يراجع بصفة خاصة الرسالتان الموجهتان إلى كل من دولة الأستاذ أحمد اللوزي رحمه الله "26 من نيسان 2011" برئاسة اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة نصوص الدستور "لجنة ال11"، ودولة سمير الرفاعي "10 من حزيران 2021" برئاسة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية "لجنة ال92").
وهنا لا بد من وقفة، حيث السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا الرديء السيء الضار، بنتيجة انحراف "مجلس الأمة" السلطة التأسيسية المنشأة، أسقط المشروعية السياسية، مدخل الشرعية الدستورية وتحديد مدلولها؟ سنسارع إلى الإجابة بالنفي. فقط ارتد هذا الرديء السيء الضار على الشرعية الدستورية ووضعها بصفة غير مقبولة من كل ناصح للدولة الأردنية ونظام الحكم فيها تحت عنوان "الشرعية الدستورية المضطربة".
أما لماذا رغم ذلك الانحراف الضار لم تسقط المشروعية السياسية؟ نسارع القول إنها لم تسقط لسببين هامين:
الأول) لأن ما تضمنه دستور 1952 من مبادئ وقواعد هو ما تعتنقه المشروعية السياسية. الثاني) لأن الدستور، وفقًا لما يعتنقه الفقه الدستوري، لا يرتكز على مجرد النصوص التي بين دفتيه، بل على القرار السياسي الذي أنشأه، وهو قرار اللجنة التأسيسية الأصلية "لجنة ال11" المؤلفة في 11 من نيسان 1950، من الذوات التالية: دولة إبراهيم هاشم، دولة سمير باشا الرفاعي، معالي فلاح باشا المدادحة، معالي محمد باشا الشريقي، معالي روحي باشا عبد الهادي، معالي أنسطاس حنانيا، علي بك حسنا، عبد اللطيف بك صلاح، أحمد بك الطراونة، أنور بك نسيبة، الأستاذ السيد عبد الله غوشة.
هذا، وبناءً على كل ما تقدم، "ما يُستخلص منه ويؤخذ عليه"، يبقى السؤال قائمًا: ماذا عن الشرعية الدستورية في ظل دستور 1952؟ وإذا كانت كما ذكرنا سابقًا بأنها مضطربة، فكيف نراها مستقرة؟
وحيث إن المرحلة الرابعة التي نعيشها بلغ مجموع التعديلات التي أُجريت "33 تعديلًا أُدخلت على 32 مادة من مواد دستور 1952 والبالغ عددها 131 مادة".
هذا، وحيث إن الدستور الذي ينبثق من الإرادة الشعبية هو صحيح ومشروع، وهو ما ينطبق على أي تعديل دستوري، يجب أن يكون - كما يقول الفلاسفة ورجال القانون وبخاصة الفقه الدستوري - طريقًا نحو الاتفاق، وليس طريقًا نحو المعارك، فلا يجوز أن يكون طريقًا تنتصر فيه أغلبية اليوم، وإنما يجب أن يكون طريقًا تنتصر فيه أغلبية الغد.
فالدستور يستمد وجوده من الإرادة السياسية للأمة صاحبة السيادة، وهي مصدر كل من المشروعية السياسية والشرعية الدستورية، حيث أداة التعبير عن تلك الإرادة هي "السلطة التأسيسية الأصلية le pouvoir constituant originaire"، وتستمر الإرادة السياسية عند قيام "مجلس الأمة" السلطة التأسيسية المنشأة "le pouvoir constituant institué" ذات السلطة المقيدة والمحددة "un pouvoir limité"، مهمتها تعديل الدستور وفق المبادئ العامة للتعديل والحدود التي أرستها وبيّنتها السلطة التأسيسية الأصلية، ولا تخالف "الدستور بنصه وروحه"، وإلا يُعتبر عملها انحرافًا في استعمالها لسلطتها، يقود إلى الضرر بالدولة ونظام الحكم فيها.
ونعود لنذكر بأن المشروعية السياسية لم تسقط، حيث استمرت بمضمونها كما هي، تُعبّر عن الإرادة السياسية للأمة.
هذا، ولأن التعديلات الدستورية تأتي لتضمن استمرار المشروعية السياسية وتوفير الشرعية الدستورية، كما تستهدف حماية الدستور واستقراره، وتواجه تلك الموضوعات التي لم يعالجها الدستور، وتلك النصوص المعيبة التي يتضمنها، وتُحقق بالتالي "شرعية دستورية مستقرة غير مضطربة".
نسأل: هل تلك التعديلات التي أُجريت بعد عام 2011 حققت الغرض؟ لن أُسارع بالرأي حول ما إذا انحرفت السلطة التأسيسية المنشأة "مجلس الأمة" أم لا بإدخال الغش على الدستور، ولكني سأذهب إلى بسط الحقيقة وفقًا للأبلغ من القول: إن من لا يتسع صدره للرأي لن يكون من أهل العلم أو أهلًا للعلم.
وحيث نقطة البدء بالعودة لتلك التعديلات: "تاريخ 5/5/2016"، حيث تم إضافة سبعة "7" تعديلات أُدخلت على ست مواد من مواد الدستور، وهي "المادة 40 و42 و50 و69 و75 و127"، فما الذي يُؤخذ عليها؟
الواقع أننا أمام مسارين هامين لتلك التعديلات: الأول يصيب النظام في روحه وأساسه، والآخر نفعي انتهازي يشطر الولاء للدولة ونظام الحكم فيها إلى ولاءين.
أما المسار الأول) خاص بالمادة 40، والتعديل بالإضافة الذي قام به وقننه مجلس الأمة "السلطة التأسيسية المنشأة"، الذي جعلها تتكون من بندين اثنين:
أما البند الأول) فيتحدث عن ممارسة جلالة الملك لصلاحياته بواسطة وزرائه، وفقًا لنص المادة 26 من الدستور، بإرادة ملكية موقعة من رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين، ويُبدي الملك موافقته بتثبيت توقيعه فوق التواقيع المذكورة.
وعليه، فإن الملك، وفقًا لنص المادة 25 من الدستور، الركن في السلطة التشريعية، هو رئيس السلطة التنفيذية وفقًا لنص المادة 26 من الدستور، يتمتع بمركز سامٍ لا يُسأل سياسيًا ولا جنائيًا عن أفعاله، فهو، وفقًا لنص المادة 30 من الدستور، رأس الدولة، وهو مصون من كل تبعة ومسؤولية.
هذا، ولما لم تُترك تحديد سلطات الملك وعلاقته بوزرائه لفعل الظروف، بل بينها الدستور، وقرر أن يتولاها بواسطة وزرائه، وهي كما حددها عديدة وخطيرة "تشريعية وبرلمانية ودبلوماسية وإدارية وأخرى تتعلق بالأنظمة..." ولا تتعلق بشؤونه الخاصة، ولكنها تتعلق بالدولة وشؤونها، أي بالشؤون العامة، التي يَحرم الدستور، ولم يُجز ممارستها بشكل منفرد، ولكن "بواسطة وزرائه"، المصطلح الأدق والأكثر قيدًا من مصطلح "مع وزرائه".
كما نذكر بامر هام أن جلالة الملك لا يُنفذ إرادته إلا بشرط أن يحصل على إمضاء "رئيس الوزراء أو الوزير أو الوزراء" ليتحمل كل منهم المسؤولية، ولكن "رئيس الوزراء أو الوزير أو الوزراء" يُقرر على شرط الحصول على توقيع الملك، وبهذا ينتفي كل ادعاء "بالولاية العامة".
أما البند الثاني المضاف، بفقراته من أ – ط)، زائد الفقرة ح من المادة 122-1 من الدستور، ينص على أن يمارس الملك صلاحياته بإرادة ملكية دون توقيع من رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين في الحالات التالية: أ) اختيار ولي العهد ب) تعيين نائب الملك ج) تعيين رئيس مجلس الأعيان وأعضائه، وحل المجلس، وقبول استقالة أو إعفاء أي من أعضائه من العضويه د) تعيين رئيس المجلس القضائي، وقبول استقالته هـ) تعيين رئيس المحكمة الدستورية وأعضائها، وقبول استقالاتهم و) تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات ومدير الأمن العام، وقبول استقالاتهم وإنهاء خدماتهم ز) تعيين قاضي القضاة ورئيس المجلس القضائي الشرعي، وقبول استقالتيهما وإنهاء خدماتهما ح) تعيين المفتي العام، وقبول استقالته وإنهاء خدماته ط) تعيين رئيس الديوان الملكي الهاشمي، ووزير البلاط الملكي الهاشمي، ومستشاري الملك، وقبول استقالاتهم وإنهاء خدماتهم.
وعليه، وحيث مجلس الأمة "السلطة التأسيسية المنشأة" لم تلتفت إلى الخلاف بين مصطلحين دستوريين هامين ومهمين للمشرع الدستوري:
الأول) مصطلح الإرادة الملكية (Royal Decree)، يصدرها الملك استعمالًا لحقوقه التي يتولاها بواسطة وزرائه، وتتعلق بالدولة وشؤونها العامة.
الثاني) مصطلح الأمر الملكي (Royal Rescript)، دون توقيع من رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء، يصدره الملك استعمالًا لحقوقه الشخصية.
وحيث إن الفقرات من أ إلى ط تدخل جميعها في شؤون الدولة لا في شؤون الملك الخاصة، وتصيب النظام بروحه وأساسه، فهذا الفعل من مجلس الأمة "السلطة التأسيسية المنشأة" بإدخال الغش على الدستور شكّل انحرافًا بيِّنًا وواضحًا.
وأما المسار الثاني) فهو خاص بحمل جنسية دولة أجنبية التي أجازتها المواد الدستورية المعدلة عام 2016 التالية: 42 و75 لكل من الأعيان والنواب، وأجازتها المادة 9/أ-1 من قانون استقلال القضاء وفقًا للقانون المعدل رقم 19 لسنة 2016 لمن يُعيّن قاضيًا. وهو بهذا يتعارض ولا ينسجم مع المواد 29 و43 و80 من الدستور، وهي النصوص التي أمرت بأن يقسم كل من الملك "م29"، ورئيس الوزراء والوزراء "م43"، وكل عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب "م80"، اليمين الدستورية أو اليمين المنصوص عليه في الدستور. ولا ينسجم مع ما تضمنته المادة 14 من قانون استقلال القضاء التي ألزمت بأداء القسم القانوني "أمام الملك وأمام المجلس القضائي وأمام رئيس المجلس القضائي".
فهؤلاء يشغلون مناصب سيادية، يكون لشاغلها كما يقول الفقه الدستوري القدرة على القيام بعمل من أعمال السيادة أو المشاركة فيه بصورة مباشرة، وفقًا لما يأمر به الدستور والقوانين المكملة.
فهل يجوز إسناد هذه المناصب الهامة الخطيرة إلى من يحمل جنسية دولة أجنبية؟ سنسارع إلى الإجابة بالنفي: لا يجوز، وإلى هذا ذهب الفقه الدستوري، وكذلك القضاء الإداري.
فهذه المحكمة الإدارية العليا المصرية في حكمها الصادر في الطعن بحكم محكمة القضاء الإداري بالمنصورة "جلسة 12/10/2000" تقول إن القسم الدستوري يفترض وحدة الجنسية، وإن متعدد الجنسية يكون متعدد الولاء، حيث يكون ولاؤه مقسمًا لأكثر من دولة، أي إن أداء القسم لا يصلح إلا لمن يحمل جنسية منفردة، ولا تنازعه في الإخلاص أي دولة أخرى.
وفي حكم آخر رقم 1960 لسنة 47ق بتاريخ 6/11/2000، في الطعن المقدم ضد حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 244 لسنة 23ق، ذكرت أن الجنسية تعني فقهًا وقضاءً رابطة تقوم بين الفرد والدولة، بحيث يدين الفرد بولائه للدولة التي ينتمي إليها بجنسيته، وفي المقابل على تلك الدولة أن تحميه.
وبالتالي، فإن الشخص الذي ينتمي إلى دولتين بحكم تمتعه بجنسيتين، هو متعدد الولاء بتعدد الجنسية، أو كما ذُكر "انشطر الولاء قانونًا إلى ولاءين".
وهنا علينا أن نؤكد بأن هذا هو الغش بعينه الذي أُدخل على الدستور، وبانحراف من مجلس الأمة "السلطة التأسيسية المنشأة".
وأما التعديل الذي أُدخل على المادة 75 من الدستور، وهو إلغاء "الفقرة ب منها" المتعلقة بمن يحمل جنسية دولة أخرى، وانسحب على المادة 61 التي بيّنت شروط العضوية في المحكمة الدستورية الأردنية، حيث نصت الفقرة 1 منها على: "يُشترط في عضو المحكمة الدستورية: أ- أن يكون أردنيًا ولا يحمل جنسية دولة أخرى ب- أن يكون قد بلغ الخمسين من العمر ج- أن يكون ممن خدموا قضاة في محكمة التمييز أو المحكمة الإدارية العليا، أو من أساتذة القانون في الجامعات الذين يحملون رتبة الأستاذية، أو من المحامين الذين أمضوا مدة لا تقل عن عشرين سنة في المحاماة..."
واستمر النص مبينًا في عجزه: "ومن أحد المختصين الذين تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الأعيان"، وهي الشروط التي بيّنتها المادة 64 من الدستور، إضافة إلى الشروط المعينة في المادة 75 من الدستور: "بأن يكون قد أتم أربعين سنة شمسية من عمره... ولا يكون عضوًا في مجلسي الأعيان والنواب: أ- من لم يكن أردنيًا"، حيث تم شطب الشرط الذي تضمنته الفقرة (ب): "من يحمل جنسية دولة أخرى".
وبهذا، وضعنا مجلس الأمة "السلطة التأسيسية المنشأة" أمام تعارض واضح مع المادة 61 من الدستور وما يُكملها، وهو تعارض غير جائز في محل واحد، وعلى خلاف ما يجب أن تلتزم به وألا تنحرف بشأنه.
وعليه، وفيما يخص التعديلات التي أُدخلت على الدستور عام 2022، والتي بلغت 24 تعديلًا، فإن الرأي حولها سنجهر به، وهو الرأي الذي نذهب إليه ونكرره وفقًا لقاعدة: "إذا لم يتسع الصدر، فلن نكون أهل علم أو أهلًا للعلم".
وهنا نسارع إلى السؤال: حيث إن الهدف من رسالة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين في 10/6/2021 أن تُحدث التعديلات الدستورية نقلة نوعية في الحياة السياسية والبرلمانية، فهل تحقق ذلك؟ وهل أنصفت التعديلات الدستورية جلالة الملك عبد الله الثاني؟ ونضيف: هل أنصفت التعديلات الدستورية دستور 1952؟ وهل أنصفت التعديلات الدستورية القضاء الأردني في المملكة الأردنية الهاشمية؟ أم أن السلطة التأسيسية المنشأة "مجلس الأمة" قد أفسحت المجال أمام غش أنتجته هذه التعديلات وفق مبدأ الانحراف في استعمال السلطة؟
لنذهب ونرى:
حيث إن أولى التعديلات التي أُجريت كانت على المادة السادسة من الدستور، ولأنه لم يُلتفت لما يمتاز به دستور 1952 من كونه "مختصرًا موجزًا"، فقد صُدَّ ما اعتقدته السلطه التأسيسيه المنشأه " مجلس الامه " من أن النص بحاجة إلى تعديل. تلك العبارة الموجزة "الأردنيون أمام القانون سواء..."، اعتُقد أنها تُخلّ بالمساواة، واقتُصر على الاختلاف في العرق أو اللغة أو الدين، والذي ورد على سبيل المثال لا الحصر.
أما التعديل الآخر، فقد أُجري على المادة 44، حيث اجتهد مجلس الامه/ السلطه التأسيسيه المنشأه خطأ بتكرار عبارة "أثناء وزارته"، واستبدلت عبارة "أملاك الحكومة" الواردة في النص: "لا يجوز للوزير أن يشتري أو يستأجر شيئًا من أملاك الحكومة..."، بعبارة: "يشتري أو يستأجر شيئًا من أملاك الدولة". ولم يلتفت مجلس الامه / السلطه التأسيسيه المنشأه إلى الفارق بينهما، وفقًا لما ذهبت إليه المواد 44 و74 و111، حيث إن "أملاك الدولة" أو "الخزينة العامة" وفقًا لقانون أملاك الدولة الأردني تشمل الأموال غير المنقولة "العقارات"، الأصول العقارية والمنقولة، ولا تخضع لأحكام البيع، أما "أملاك الحكومة"، فهي الأملاك التي تستخدمها الحكومة في أداء مهامها، ويجوز البيع فيها وكذلك الاستئجار وفقًا للقيد المذكور.
وتكرر خطأ مجلس الامه / السلطه التأسيسيه المنشأه عندما ذهب إلى تعديل المادة 52 وتوأمها المادة 76 من الدستور، والاستعاضة عنهما بنصٍّ آخر سيء، رديء، وضار، أُسس على التعارض والتناقض مع نصين هامين: المادة 16/2 والمادة 51 من الدستور، حيث القاعدة أن الوزارة في النظام النيابي البرلماني، وهي عندنا كذلك، تتألف أصلًا من الأغلبية البرلمانية، وأعضاؤها يجمعون بين المراكز الوزارية وعضوية البرلمان، وهي النتيجة الطبيعية لما تأمر به وتتضمنه المادة 51 من الدستور الخاصة بالمسؤولية الوزارية.
وهنا يجب أن نُذكّر من يذهب إلى العبث بالدستور الأردني، بأن الغالب في النظام النيابي البرلماني أن يكون جميع الوزراء أو معظمهم أعضاءً في البرلمان، فهم يجمعون بين العضوية البرلمانية والوظائف الوزارية. فالمادة 52 من الدستور كما هي في الأصل وقبل التعديل تنص على أن اختيار جميع الوزراء أو معظمهم من بين أعضاء البرلمان ليس شرطًا دستوريًا. "لرئيس الوزراء أو للوزير الذي يكون عضوًا في أحد مجلسي الأعيان أو النواب... أما الوزراء الذين ليسوا من أعضاء احد المجلسين...".
فهذا هو الفن التشريعي الأردني الذي ذهب إلى أفضل النظم التي تراعي الواقع وتحقق التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وبالتالي، فإن الاعتراف بالخطأ فضيلة كبرى، وبخاصة العودة إلى النصوص السابقة.
وبالذهاب إلى ما أُجري من تعديل على المادة 53 من الدستور، يجد أن هناك ما يؤخذ على ما قام به مجلس الامه / السلطه التأسيسيه المنشأه
حيث من ناحية، تم إلغاء عبارة: "طلب موقع من عدد لا يقل عن عشرة أعضاء من مجلس النواب لعقد جلسة الثقة بالوزارة أو بأي وزير"، واستُبدلت بعبارة: "طلب موقع من عدد لا يقل عن ربع عدد أعضاء مجلس النواب". ومثل ذلك، أُلغيت الأغلبية المطلوبة من كل من مجلس الأعيان ومجلس النواب لإصدار القرار بالطعن المباشر لدى المحكمة الدستورية وفقًا لنص المادة 60 من الدستور، واستُبدلت بما لا يقل عن ربع عدد أعضاء المجلس المعني.
وهو في هذا يثير الانتباه، حيث التركيز على "الربع" أو "الـ 25%"، وأُهمل استعمال مصطلح "الأغلبية" أو "الأكثرية" أو حتى "العدد القليل" الذي يُسهّل الوصول إلى الهدف.
لماذا؟ وما هي الغاية؟ علينا أن نذكر أولًا، لعل الذكرى تنفع، أن مصطلح "الأغلبية" أو "الأكثرية" (majorité) هو أحد مفاتيح الدستورية أو التفوق القانوني والسياسي للدستور، وله عدة معان:
المفهوم الاجتماعي: بسند التعبير إلى التعددية، أي إلى مجموعة من الأصوات تتغلب عدديًا لأنها أهم من العدد الذي حصل عليه الآخرون (أغلبية نسبية)، أو تتجاوز نصف الأصوات المدلى بها (أغلبية مطلقة)، أو الأغلبية اللازمة التي يمكن أن تكون ثلثي الأصوات أو أكثر.
ومن الوجهة التنظيمية، تدل الأغلبية في النظام النيابي على الحزب أو الائتلاف الحزبي الذي يحصل على العدد الأكبر من المقاعد في المجلس النيابي ويدعم الحكومة الناجمة عنه.
هذا، ولأنه يسبق كلًّا من العبارتين: "عبارة لا يقل"، فهذا يعني الحد الأدنى ويجيز الأكثر، ولكن الفارق أن الـ 25% قد تقود إلى إهدار أو إعدام حق النائب في طلب عقد جلسة الثقة التي تحدد نتيجتها المادة 54 من الدستور، ومثل ذلك قد يقود إلى إهدار أو إعدام قرار كل من مجلس الأعيان ومجلس النواب بالطعن المباشر.
وإذا قمت بمعادلة رياضية حول عدد ما لا يقل عن ربع عدد أعضاء المجلس المعني اللازم لاتخاذ قرار بالموافقة على الطعن من كل من المجلسين، في ضوء "حضور الأغلبية المطلقة لأعضاء كل من المجلسين لتصبح الجلسة قانونية، زائد صدور القرارات بكل بأكثرية أصوات الحاضرين" (المادة 84 من الدستور)، ستكتشف أن التعديل لا يعني أي شيء. ويبقى السؤال: ما الغرض منه؟
ومن ناحية ثانية، كانت إضافة الفقرة رقم 6 للمادة 53 إضافة تجتر ما تضمنته الفقرة الثالثة من المادة 53، وبأسلوب تنبذه لغة الدساتير وقواعدها، حيث اقتصرت تلك الإضافة على استبدال كلمة "يترتب" بكلمة "يتوجب"، وعبارة "كل وزارة" بـ "أي وزارة"، وعبارة "إلى مجلس النواب" بـ "أي مجلس النواب". وبالتالي، من الضروري الالتزام بالنص الأصلي.
وبالذهاب إلى التعديل الذي أُجري على المادة 54، بإضافة عبارة: "ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الوزارة التي تليها"، فهذا كما أراه مجرد لغو من مجلس الامه / السلطه التأسيسيه المنشأه ، حيث إن الاستقالة وجبت لعدم الحصول على الثقة، وبالتالي فإن ما يخص إعادة التشكيل أو عدم الإعادة يظل في عهدة مجلس النواب. الأمر الذي يدعونا إلى الالتزام بالنص الأصلي دون إضافة.
وبالعودة إلى المادة 60 من الدستور، نجد أن مجلس الأمة/ السلطة التأسيسية المنشأة يجتر الفقرة الأولى منها، فاستبدل عبارة "للجهات التالية على سبيل الحصر..." بكلمة "يقتصر حق الطعن..."، حتى يتم الفصل ما بين من يحق له الطعن المباشر أمام المحكمة الدستورية (مجلسا الأمة: النواب والأعيان) عن مجلس الوزراء. والتقييد لمجلسي الأمة بضرورة توفير الربع من عدد أعضاء كل منهما، وهو تعديل -كما سبق وقلنا- لا معنى له.
ونضيف أن التعديل لم يلتفت إلى بيان النظام الذي يجوز الطعن به أمام المحكمة الدستورية، وهو "النظام المستقل"، لا التنفيذي أو القرار الإداري، حيث هو من اختصاص القضاء الإداري. كما قام مجلس الأمة بإلغاء عبارة "المحكمة التي يحددها القانون"، واستعاض عنها بـ "المحكمة الدستورية وفق أحكام القانون"، وبهذا فات على مجلس الأمة أن في هذا الموضوع لسنا بحاجة إلى تعديل دستوري، وإنما التعديل يجب أن ينصب على القانون.
هذا، ولأن توأم القضاء الدستوري هو القضاء الإداري والقضاء العادي، لماذا لم يطّلع مجلس الأمة على أي منهما؟ ألا يُعتبر القضاء هو الرقيب والضامن الحقيقي للتعديل وما يتضمنه؟
لنذهب إلى المادة 64 التي أُجري عليها التعديل، فقد انصب على إلغاء مصطلح "الطبقات" واستبداله بكلمة "الفئات"، وأضاف عبارة "السابقون الذين شغلوا مناصب قيادية". وبناءً عليه، فإن مصطلح "طبقة" كما يذهب فقه اللغات، يحكمه ويميزه أكثر من متغير: "صفة، خاصية، عنصر"، أكثر من كلمة "فئة"، التي يحكمها ويميزها متغير أساسي واحد هو "المهنة". ونضيف أن العبارة المضافة تثير الخلاف والجدل.
وهنا لا بد من وقفة لنذكر مجلس الأمة الموقر، السلطة التأسيسية المنشأة، بأن من تضمنتهم المادة 64 هم من طبقات معينة من الشعب، ولم يكن الذوات واضعو دستور 1952 مبتدعين في هذا، حيث جرت -كما يقول كبار أساتذة القانون الدستوري والنظم السياسية- عادة الأمم الدستورية: فرنسا، بريطانيا، إسبانيا... إلخ، على وضع نظام خاص بالمجلس الثاني للبرلمان أو مجلس الأمة "الأعيان، اللوردات، الشيوخ"، يُلاحظ فيه عادة الأمة أو الشعب وحالته الاجتماعية وتطوره السياسي.
ولكن دول العالم تباينت في تكوينها لهذا المجلس الثاني: انتخاب، تعيين، انتخاب وتعيين، من طبقات مختلفة: أشراف، أمراء، وزراء، هيئة علماء... وأمام هذا التباين، وأمام حالة الأردن الاجتماعية، سلك واضعو دستور 1952 قصر هذا الحق في التعيين على طوائف معينة من الشعب، هي في الواقع الأوسع.
وبهذا، أصبح مجلس الأعيان موازنًا لمجلس النواب، موازنة يستقيم بها -كما يقول الفقه الدستوري- التشريع، وتؤمّن به الهفوات والعثرات... إلخ. وبناءً عليه، لا أرى بما ذهب إليه مجلس الأمة بالتعديل في هذا المجال نافعًا أو مفيدًا، بل ضارًا.
وباستمرار تناول التعديلات الدستورية، نطّلع على تعديل خاص بأمر هام يتعلق بالأحزاب السياسية، لا نعتقد بإيجابيته. لنذهب ونرى:
حيث تنص المادة 67/2 من الدستور على أن تُنشأ بقانون هيئة مستقلة يُناط بها: ب- النظر في طلبات تأسيس الأحزاب السياسية ومتابعة شؤونها وفقًا لأحكام القانون.
فهل هذا ينسجم مع المادة 16/2 من الدستور، حيث الأحزاب السياسية (كوادر): "للأردنيين حق تأليف... والأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور"؟ وما يكملها من مواد أخرى تضمنها الدستور، حيث الأحزاب السياسية (برامج) بسند المواد: الأولى، الثانية، 120، و121 من الدستور؟ وكذلك كما تضمنها قانون الأحزاب السياسية رقم 7 لسنة 2022 ووفقًا لنص المادة السابعة منه: "يكون لكل حزب نظام أساسي يتضمن اسمه وشعاره، والمبادئ التي يقوم عليها الحزب، والالتزام بالمبادئ والقواعد المنصوص عليها في الدستور..."
ولأن الهيئة المستقلة ليست هي صاحبة الاختصاص الأصيل في نشأة الأحزاب السياسية وتأسيسها ومتابعتها، فإن القضاء هو المختص أولًا وأخيرًا.
ولهذا، وحتى نشهد وضعًا قانونيًّا مميزًا للأحزاب السياسية في المملكة الأردنية الهاشمية، علينا أن نضع ما يتعلق بالأحزاب السياسية في موضعه الصحيح، وهذا الوضع الصحيح يتم وفقًا للنصوص سالفة الذكر، وما يُكملها أيضًا مما يتضمنه قانون الانتخاب، خاصة بأسلوب أو طريقة الانتخاب، في ضوء الأساليب المتقدمة التي عرفتها وطبقتها الدول الديمقراطية، برقابة القضاء بأنواعه: النظامي، الإداري، والدستوري.
ولهذا فائدة كبيرة، حيث يبلغ عدد الأحزاب الآن 38، وقد يزداد، غير أنني لا أراها جميعها أو أغلبها ينسجم مع ما يأمر به الدستور، خاصة فيما يتعلق بالكادر وبالبرامج. وبالتالي، فإن الالتزام بتلك النصوص السالفة الذكر سيقلّص حتمًا هذا العدد الضخم برايي إلى أقل من أربعة أحزاب. وفقا للخلاف بفهم النصوص السند للبرامج
لماذا ذلك؟ لأن النظام الأساسي، بما يتضمنه، سيُبنى على ما يُستخلص من المواد: الأولى، الثانية، المائة والعشرون، والواحدة والعشرون. وحيث إن الرأي الذي يُستخلص حول الديمقراطية السياسية والديمقراطية الإدارية بمصادرها المتعددة والمتنوعة سيقلّص حتمًا من ذلك العدد الكبير للأحزاب السياسية إلى أقل من أربعة أحزاب. ولا يفسح المجال أمام التطابق، وستصبح المملكة الأردنية الهاشمية من الدول ذات النظام الحزبي الحقيقي، تخوض الأحزاب فيها الانتخابات وفق أسلوب أو طريقة انتخاب ديمقراطية، تُفسح المجال أمام اختيار حر ونزيه، وستنتج حتمًا "أغلبية وأقلية"، وسيكون البرلمان هو موطن المعارضة الحقيقية بولائها وانتمائها في حماية المصالح الوطنية.
أما الفائدة العظيمة الأخرى، وبسبب الالتزام بسند الدستور وبالرقابة القضائية، فستتحصن الأحزاب السياسية من الأذى أو التدخل في شؤونها، وتتجذر الديمقراطية النيابية البرلمانية الأردنية.
هذا، وبالذهاب إلى التعديل الذي أُجري على مواد الدستور بالإضافة: المادة 69/3-أ، "الاستقالة تُعتبر نافذة من تاريخ إيداعها..."، والمادة 72: "من تاريخ تقديمها"، بدلاً من: "وعلى الرئيس أن يعرض الاستقالة على المجلس ليقرر قبولها أو رفضها"، فهذا جميعه غير صائب، بين الخطأ والغلط. ذلك لأن المجلس هو الذي يقبل الاستقالة، ومن المسلم به أن للمجلس الحق في أن يرفض استقالة أعضائه.
ومن ناحية أخرى، فإن الاستقالة لا تُنتج آثارها القانونية إلا من تاريخ قبول المجلس لها، وليس من تاريخ تقديمها. فهذه قاعدة أصولية، حيث يظل للمستقيل صفة العضوية، بما يترتب عليها من حقوق والتزامات، حتى يقبلها المجلس.
أما ما يخص التعديل على نص المادة 71/1 من الدستور، فقد تم إلغاء عبارة "يختص القضاء..."، والاستعاضة عنها بعبارة: "تختص محكمة التمييز بحق الفصل في صحة نيابة أعضاء مجلس النواب..."، وأُلغيت عبارة: "أن يُقدم طعن إلى محكمة الاستئناف التابعة لها الدائرة الانتخابية للنائب المطعون بصحة نيابته..."
وقد كان الأولى في التعديل أن يذهب إلى إلغاء تحصين قرارات محكمة الاستئناف "وتكون قراراتها نهائية وغير قابلة لأي طريق من طرق الطعن..."، والسماح بتمييزها، بدلًا من أن تذهب مباشرة إلى محكمة التمييز، وهي محكمة القانون تقتصر على تقرير المبادئ القانونية الصحيحة في النزاع المعروض أمامها.
وبالذهاب إلى التعديل بالإضافة لنص المادة 74/2 "الحكومة التي يُحل مجلس النواب في عهدها قبل الأشهر الأربعة الأخيرة التي تسبق انتهاء مدة المجلس تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها".
وحيث فات على مجلس الأمة / السلطه التأسيسيه المنشأه أن يعي جوهر الفقرة الثانية من المادة 74 السالفة الذكر وهو: حل مجلس النواب في عهد الحكومة القائمة، ليرتب النتائج التالية:
• استقالة الحكومة
• عدم جواز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها
فما المقصود من "تليها"؟ هل المؤقتة بغرض الإشراف على الانتخابات ومنع استمرارها؟ أم تستمر بثقة البرلمان؟ أم المقصود "التالية التي تليها"؟ هذا هو المهم الذي كان يجب أن يطل عليه مجلس الأمة، لكن أن يُمرر ويُقذف بعبارة غير مألوفة وغير مفهومة، أمر لا يجوز. فالواضح واللازم التقيد به هو أن الحكومة - أي حكومة - لن تستمر ولا يجوز لها أن تستمر دون الحصول على ثقة البرلمان.
هذا، والتعديل بالإلغاء على المادة 75 من الدستور لعبارة "على أن يرفع القرار إذا كان صادرًا من مجلس الأعيان إلى جلالة الملك لإقراره" لا ينسجم ولا يتفق مع ما تضمنته المادة 90 من الدستور التي لم تفرق بين الإبطال والسقوط.
والتعديل بإضافة الفقرة رقم 3 على المادة 84 من الدستور: "بأن تصدر قرارات كل من المجلسين بموافقة ثلثي أصوات الأعضاء إذا كان القرار متعلقًا: بالقوانين الناظمة للانتخاب، والأحزاب السياسية، والقضاء، والهيئة المستقلة، وديوان المحاسبة، والنزاهة ومكافحة الفساد، والجنسية، والأحوال الشخصية...".
هذا، ويُعتبر التعديل بإضافة الفقرة سالفة الذكر من أسوأ وأخطر التعديلات وأكثرها ضررًا بالنظام القانوني الأردني، ويعبر عن انحراف مجلس الأمة - السلطة التأسيسية المنشأة - بإدخال الغش على الدستور، ذلك لأنه أراد بالتعديل المذكور أن تسمو مرتبة القوانين التي تضمنتها الفقرة المضافة على مرتبة القوانين العادية، وهي ما يُطلق عليها القوانين الأساسية (lois organiques) أو القوانين التنظيمية، لتصبح بمرتبة الدستور من الناحية الشكلية أو الشكل الخارجي للقاعدة القانونية، أي تلك الإجراءات التي تحيط بإعدادها وإصدارها، وليس من الناحية الموضوعية، أي جوهر القاعدة القانونية وموضوعها.
وهو من المسارات الدخيلة على دستور 1952، حيث أطل مجلس الأمة / السلطه التاسيسيه المنشأه على الدستور الأردني وما يمتاز ويتصف به عن بعد، ولم يسبر أغواره، وقام بتقليد الدستور الفرنسي لعام 1958 والنقل عنه، حيث هو الذي أنشأ هذه الطائفة الجديدة من القواعد القانونية أو القوانين الأساسية، وفي ضوء بحث الفقه عن تعريف لها، انتهى الرأي اعتمادًا على الجمع بين الاعتبارات الشكلية والاعتبارات الموضوعية إلى: "أنها مجموعة القواعد القانونية التي تعمل على تطبيق النصوص الدستورية المتعلقة بتنظيم السلطات العامة والحريات الفردية، ويتبع في إقرارها إجراءات خاصة ومتميزة عن إجراءات القوانين العادية".
وهنا لا بد أن نقف وبوعي تام ونذهب إلى القول بأن دستور 1952 الأردني يتفوق على ما عداه، حيث اعتمد مبدأ جمود الدستور ضمانًا لسيادته وعلوّه، وضمانًا لاستقراره وزيادة احترامه. ومن ناحية أخرى، لم يفرّق ما بين القانون الأساسي وغير الأساسي أو التنظيمي، فالقانون المكمّل في النظام القانوني الأردني هو الأدنى مرتبة من الدستور هو:
أولًا: 1-(التشريع الرئيسي أو القانون العادي الذي تسنه السلطة التشريعية بالاشتراك مع السلطة التنفيذية في الدولة في حدود اختصاصها الذي نظمه الدستور، ويُطلق عليه لفظ القانون (la loi) بالمعنى الضيق لهذا القانون، كقانون استقلال القضاء، قانون الانتخاب، قانون الأحزاب السياسية (المواد 25 وما بعدها، 91 وما بعدها). -
2- تشريع الضرورة أو القوانين المؤقتة (م 94).
ثانيًا: وأن القانون المكمّل لا يقتصر على تنظيم بعض الموضوعات دون الأخرى، وإنما يتناول كافة الموضوعات دون تفريق أو تمييز بين هذا العمل أو ذاك، وما إذا كان له طبيعة القواعد الدستورية أو لا صلة له بها.
وحيث انصب التعديل بالإضافة على المادة 92 بإضافة فقرة جديدة: "لمجلسي الأعيان والنواب، وفقًا للنظام الداخلي لكل منهما، تشكيل لجنة مشتركة لبحث المواد المختلف فيها لمشروع أي قانون والتوافق على صيغة نهائية ورفع توصياتها للمجلسين"، فهو تعديل يُلغي القاعدة الأساس لدى كل البرلمانات، ومنها البرلمان الأردني، حيث هي القاعدة الضامنة لقاعدة الأغلبية، مفتاح التفوق القانوني والسياسي لأي دستور، الذي ينتجها أسلوب الذهاب والإياب بين المجلسين أو القاعدة التي يُطلق عليها "المكوكيه"، وهي مرتين في النظام القانوني الأردني.
وهنا نتساءل: أين التعديل سالف الذكر من الأعراف ومن التقاليد البرلمانية ومن الديمقراطية؟ أي الآراء التي تعزز حرية الرأي وتحترمها أكثر؟ لنلفظ كل ما لا ينسجم مع جوهر التحديث وهدفه.
وعليه، وبناءً على كل ما تقدم، وحيث السياسه التشريعية لم تُنتج قيمة علمية نسعد لها، فقد أنتجت عدم إنصاف لجلالة الملك عبد الله الثاني، وللدستور الأردني، وللقضاء الأردني، ولم تُنصف بالتالي "الشرعية الدستورية"، بل وضعتها في الوضع غير الصحيح، وقادت إلى "إضعاف المشروعية السياسية واضطراب في الشرعية الدستورية". نتمنى ألّا يطول التحديث الحقيقي القادم الذي يُحصن الدولة الأردنية ونظام الحكم فيها ويصد الأخطار عنها حاضرًا ومستقبلًا.
هذا، وبالعودة إلى السؤال الثاني، الخاص "بالضمانة المضافة التي قننها المشرع الدستوري الأردني عن: مدى تفعيل مبدأ السيادة القومية والآليات التي يطرحها كضرورة استراتيجية للدولة الأردنية" - وحدة، اتحاد، تعاون...
نؤمن أن الاهتمام والتذكير بهذه الضمانة المضافة فيه نفع كبير وفائدة عظيمة للدولة ولنظام الحكم فيها. فبعد أن برز الأردن كدولة عام 1921، وبعد أن توحدت معه فلسطين عام 1950 (الشكل البسيط أو الموحد)، وامتاز كغيره من الدول البسيطة بالمركزية السياسية، وما زال حتى الآن، دون أن ينقص من ذلك الاتحاد الكونفدرالي الذي أرساه ميثاق جامعة الدول العربية (22 من آذار / مارس 1945)، ترتكز الدولة الأردنية على دعائم الحكم الديمقراطي؛ فحكومتها ملكية نيابية برلمانية.
تراجع حول هذه الركائز والشكل المواد التالية ذات الصلة: (1، 24، 28 وما بعدها، 26، 62، 92، 25، 63، 36، 67، 65، 68، 53، 54، 44، 49، 56، 96، 51، 34، 66).
وحيث أن "المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة، ملكها لا يتجزأ ولا يُنزل عن شيء منه، والشعب الأردني جزء من الأمة العربية، ونظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي"، فإن ما عدا الاتحاد الكونفدرالي السالف الذكر ظلّ مجرد دروب سلكها الأردن تشخيصًا لطموحه القومي، سواء فيما يتعلق بالاتحاد الفيدرالي بين العراق والأردن (14 من شباط/فبراير 1958)، أو فيما يتعلق بمبادرة (15 من آذار / مارس 1972) - مشروع المملكة العربية المتحدة.
وتعليقًا على قرار مؤتمر القمة العربي في الرباط (26 من تشرين أول / أكتوبر 1974) بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، فإن الأردن سيظل، كما قال المغفور له الملك الحسين بن طلال، وطن كل عربي فلسطيني يختار أن يكون مواطنًا فيه، له مثل ما عليه من حقوق المواطن الكاملة وواجباته، دون المساس بحقوقه في فلسطين.
وهنا لا بد من وقفة.
وحيث أن ما تضمنته المادة الأولى من الدستور الأردني: "المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية... والشعب الأردني جزء من الأمة العربية"، قد وفرت المسار "لمبدأ السيادة القومية"، وقد وُضع موضع التطبيق في أكثر من نموذج.
هذا، ولأن الدستور الأردني ذو قيمة قانونية مطلقة، والقانون الأسمى لكل المؤسسات في المملكة، ولم ينتهِ مفعوله، ما زال يعمل ويواكب التطور الدائم وفقًا لمبدأ تحصين الدولة الأردنية ونظام الحكم فيها، فإن ما ذهب إليه وأرسى دعائمه هو ما نؤسس عليه.
وحيث نحن في هذا الوقت أمام لوحة مضطربة الألوان في العلاقات الدولية، والصراع دائر في أرجاء المعمورة، يعود السبب كما يقول رجال السياسة والقانون إلى: استمرار الدولة في الاحتفاظ باستقلالها وسيادتها كاملتين، الأمر الذي قاد إلى ضرورة الابتكار الجديد في مجال النظم السياسية.
وحيث الرأي في هذا لكبار فقه القانون الدولي العام، فإنهم يذهبون إلى ضرورة التجمع في صورة تُغاير صورة الدولة بعناصرها الحالية؛ تجمعًا أوسع نطاقًا، وأكثر قدرة، وأقوى دفاعًا ومنعة من تجمع الدولة كما هو قائم الآن، ووجوب التعديل في عنصر السيادة الذاتية.
ونضيف أن هذا التقدم يبدو أكثر وضوحًا في أوروبا، ففيها قامت بالفعل تجمعات لا يمكن أن يخفى مغزاها، أهمها قيام السوق الأوروبية المشتركة والسوق الحرة، وقامت حركة قوية في داخل السوق الأوروبية المشتركة تدعو إلى دعم الوحدة الاقتصادية بالوحدة العسكرية وبالوحدة السياسية.
وهنا لنا وقفة أخرى.
حيث المجتمع الدولي أو أسرة الدول يضم الآن عددًا من الدول العربية بلغ 22 دولة، يزداد الوعي فيها بالترابط والتكافل فيما بينها، ويدفع باتجاه تنظيم المصالح والشؤون المشتركة. وواجب الارتفاع بالحكمة السياسية لا بد من أن تتفق الدول العربية، وحتى تتحقق الوحدة وفقًا للنماذج المعروفة فيما بينها أو فيما بين بعضها، لا بد من احترام ما بينها من وجوه الاختلاف.
وعليه، وفي ضوء كل ما تقدم، نتساءل: هل لدينا في النظام القانوني الأردني ما يكفي ليكفل استمرار المشروعية السياسية والشرعية الدستورية إن وجد؟ وهذا الذي يكفي، إن وجد، هل هو كفؤ ليرتقي بالنظام القانوني الأردني وينصف؟
علينا أن نخترق الصمت ونذهب إلى ما يفيد، ولا نكون كتلك النبتة الزاحفة. علينا أن نجهر بالقول: إن ليس لدينا من القواعد الناظمة ما يلبي الطموح، ويذهب بنا إلى آفاق أبعد، حيث السياسة التشريعية ، ، قادت وستقود في مجموعها إلى إلحاق الضرر بالنظام القانوني.
ولهذا سنوصي - ووفقًا لكل مجتهد نصيب - بما يلي:
حيث الكفاءة والكفاية تختلط فيما بينها، سنذهب باتجاهين تميز بينهما الحكمة والحنكة والخبرة:
"فهناك ما يلزم إصلاحه وتصحيحه بإجراء فوري، وهناك ما يلزم تصحيحه وإصلاحه بالأغلبية، ووفقًا لتشريع صادر عن السلطات المختصة، وفي الحالين سينصب حتمًا على التشريع بأنواعه (الدستوري والعادي والأنظمة)."
أما ما يجب أن يُؤخذ فورًا، فإننا نراه: بتقديم الأقوى على الأضعف من نصوص الدستور عند التعارض كما سبق وبيّنا. وأما ما يجب أن يُؤخذ بالأغلبية، فإننا نراه ينصب على الخلل ومواطن العيب في كافة التشريعات بأنواعها ذات الصلة، بما يضمن المشروعية السياسية والشرعية الدستورية، وبما يكفل الحقوق والحريات العامة، ويوفر آليات المراقبة والمساءلة، ويضمن سيادة القانون، واستقلال القضاء، وتعميق المشاركة في صنع القرار من خلال الأسلوب الانتخابي الديمقراطي المبني على نظام حزبي حقيقي.
وسلام على كل من اتخذ من النصح هدفًا يحيى من أجله حتى نهاية أجله، والله الموفق إلى سواء السبيل.