الدستور
بعد الضربة الإسرائيلية والرد الإيراني، فإن الإقليم دخل في مرحلة حرب استنزاف، ومن الصعب أن تنتهي قريبًا. وما حصل حتى الآن ليس بالأمر الهين والبسيط. وثمّة احتمالات مفتوحة قد تكون أكثر قسوة مما حصل حتى اللحظة.
ولا يُستبعد أن الحرب سوف تتوسّع، وأن مآلات الحرب الكبرى قد لا تكون محسومة، ولكنها ليست مستبعدة، والبداية قد تحقّقت.
قرار ضرب إيران كان أمريكيًّا. وتصريحات ترامب أول أمس كانت تأكيدًا على التفويض الأمريكي لنتنياهو لخوض الحرب.
وبعد أن زوّدت أمريكا إسرائيل بكل ما يلزم من معدات وأسلحة وأموال ومعلومات استخباراتية.
الهدف السياسي القريب للحرب: جرّ إيران إلى الجولة الرابعة من «مفاوضات مسقط»، والقبول بالشروط الأمريكية حول اتفاق النووي الإيراني. النصر الإسرائيلي في حرب إيران يعني انتقال الشرق الأوسط من العصر الأمريكي إلى العصر الإسرائيلي.
وحيث إن العصر الأمريكي يحتمل لعبة التوازن بين محوري الإقليم وتقاسم النفوذ.
وفي الإقليم محوران: إيراني وإسرائيلي.
وأما الدخول في العصر الإسرائيلي، كوكيل حصري لأمريكا ونفوذها، وإخراج إيران من المعادلة بعد إكمال الضربات التي وُجّهت لمحور المقاومة.
فالأُحادية الإسرائيلية تعني نهاية وتصفية القضية الفلسطينية، وإكمال مشروع التطبيع مع إسرائيل دون تنازلات أو أي مقابل سياسي وحقوقي فلسطيني.
الردّ الإيراني، وثباتها في المواجهة مع إسرائيل، ولو دون تحقيق التفوّق، سيكون ضمانة لتعطيل وفرملة الأهداف والمشروع الإسرائيلي، وإعادة التوازن، وللقول إن السياسة والمفاوضات ضرورية. وأول المستفيدين من الثبات والردّ الإيراني هو القضية الفلسطينية.
وتبقى القضية حيّة، والحلّ السياسي مطروح بقوّة التوازن الإقليمي بين محورين: مع وضد إسرائيل. نعم، نجح ترامب في إيهام إيران ودول الإقليم بأنه يعارض الحرب الإسرائيلية على إيران.
وبينما كانت إسرائيل تستعدّ لخوضها بكامل التفاصيل العسكرية والتقنية والاستخباراتية،
نجحت إسرائيل في توجيه ضربات قوية في العمق الإيراني.
ولكن، سرعان ما تعافت إيران ورتّبت هيكلتها العسكرية والأمنية، وبدأت بالردّ العسكري القوي.
يراهن نتنياهو في حرب إيران على استعادة الشعبية المأزومة والمتأرجحة في إسرائيل.
وأيضًا، صياغة علاقة مع الحلفاء الغربيين على قاعدة أن إيران عدو مشترك، ويُرمّم الصدوع التي أصابت علاقة إسرائيل بحكومات غربية بسبب حرب الإبادة في غزة. الحرب، كما تبدو، قفزٌ في المجهول. وسوف تدفع الحرب الجميع إلى التريّث، وتقوية الدعوات لوقف كل الحروب في الإقليم، لصالح الحل السياسي.