الغد- رشا كناكرية
من قلب إربد، عروس الشمال، خرج الحلم السينمائي ليصبح واقعا على الشاشة، ويتوج بفخر في مهرجان عمان السينمائي. الفيلم الروائي الطويل "سمسم"، ثمرة إبداع شباب طموح، حصد جائزتي "أفضل كاتب سيناريو لفيلم روائي طويل" و"أفضل ممثلة في أول دور"، ليثبت أن المواهب الشابة في المحافظات قادرة على المنافسة والتميز.
"سمسم" فيلم يترجم حلم مشروع سينمائي استثنائي ولد من ورشة عمل احتضنتها الهيئة الملكية الأردنية للأفلام خصيصا لدعم الأصوات الجديدة في محافظة إربد شمال العاصمة. ومن هذه الورشة، تبلور فريق كامل من صناع الأفلام الشباب الذين أطلقوا العنان لموهبتهم بدعم إنتاجي كامل من الهيئة، ليقدموا عملا فنيا يحمل ملامح مدينتهم وروحهم السينمائية الناشئة.
يحمل "سمسم" قصة قريبة من نبض الواقع، تلامس تفاصيل الحياة اليومية، وتظهر شخصيات نراها في أنفسنا ومن حولنا. من هنا، انطلق صناع الفيلم، مقدمين توليفة فنية مميزة باللهجة الإربدية، والأكلات التراثية، والنكهة الأردنية الأصيلة، ليضعوا بهذا العمل أولى خطواتهم على درب النجاح.
وفي حديث خاص لـ"الغد"، قالت زران الزعبي، إحدى كاتبات سيناريو الفيلم: "أردنا أن نصنع فيلماً يشبهنا، يلامس قلوب المشاهدين الأردنيين، ويناقش قضايا نعيشها جميعا في مجتمعنا".
وأوضحت الزعبي أن انطلاقة المشروع كانت من خلال مبادرة أطلقتها الهيئة الملكية الأردنية للأفلام لتمويل فيلم روائي طويل ضمن برنامج تدريبي، فتقدمت زميلتها تمارا عويس بطلب وتم اختيارها، مشيرة إلى أن المشروع تم بالتنسيق مع مركز أفلام إربد، بإشراف عاكف أبو جودة.
وتنوه الزعبي إلى أن الخطوة الأولى بدأت في ورشة كتابة ضمت أربع فتيات، هن: رزان الزعبي، تمارا عويس، زهراء بني ياسين وتيماء طبيسي، مبينة أنهن حظين بمشرف يواكب كل مرحلة من العمل، وكان المخرج محمد الفكشي معهن في مرحلة الكتابة الأولى.
وتذكر الزعبي أن العمل تم إنجازه في وقت قياسي، بدءا من الكتابة، مرورا بالإنتاج والتصوير، وانتهاء بالإخراج؛ حيث استغرق نحو خمسة أشهر فقط. وتقول: "حاولنا أن نكتب قصة من مجتمعنا وثقافتنا، وبما أننا من إربد، بحثنا في القصص المحيطة بنا، إذ أردنا شيئا يشبه الكثير من الناس، ليشعروا عند مشاهدته بأنه يلامس جانبا من حياتهم".
وتوضح الزعبي أنهم خلال العمل، وجدوا في قانون الشقاق والنزاع في الأردن نصا يتيح للزوج استئناف حكم الطلاق خلال مدة ثلاثة أشهر من صدوره، لتعود الزوجة إلى عصمته. ولمزيد من الفهم القانوني، استعان الفريق بخمسة محامين شرعيين وقاض شرعي، نظرا لتناول الفيلم قضايا قانونية ودينية، وكان لا بد من وجود مرجعية موثوقة تساعدهم على الفهم الدقيق، مشيرة إلى أن بعض القصص خرجت من تلك الحوارات معهم.
وتبين الزعبي أنه، وبحسب ما يقتضيه الدين، فإن القاضي في حال وجود رغبة بالانفصال، يطلب من الطرفين التمهل والتفكير، ويتدخل أهل الطرفين لمحاولة الإصلاح، لكن في قضايا الشقاق والنزاع، فإن الأزواج في الغالب يعيشون منفصلين منذ البداية.
ووفقا لذلك، فإن أغلب القضايا تقام بينما يكون الأزواج منفصلين، وكثير من الأزواج، مثل بطل قصة "قاسم"، يلتف على هذه الثغرات القانونية ويتمسك بالزوجة من دون أن يطلق، لأنه ببساطة رافض لذلك. وفي الواقع، يستطيع الزوج الزواج من امرأة أخرى بما أن زوجته الأولى ما تزال على ذمته، بينما تبقى المرأة "معلقة"، وليس من المنطقي أن يربطها شخص طوال هذه الفترة من دون أي حسم منطقي.
وتبين الزعبي أن قصة الفيلم تدور حول "ابتسام"، فتاة في أواخر العشرينات، متمردة، تبحث عن فارس الأحلام الذي ينقذها هي وابنتها، وترغب في الهروب من واقعها. وهنا، تتعرف إلى رجل مغترب عبر تطبيق للزواج، وتصل الأمور إلى أنه يريد خطبتها، ويبقى التحدي الأكبر: كيف تقنع زوجها المنفصلة عنه بأن يطلقها؟
في هذه اللحظة، تدخل ابتسام في مغامرة غير متوقعة، وتجد نفسها مضطرة لأن تزوج زوجها ضمن قالب درامي ممزوج بالكوميديا السوداء. وتشير الزعبي إلى أنهم اختاروا اسم "سمسم" للفيلم لأنه يعكس طابعه، فهو ليس دراميا ولا كوميديا خفيفا، بل يحمل مزيجا خاصا.
وتوضح الزعبي أن اسم "سمسم" يرتبط في الذاكرة بشيء من الطفولة، وهو عالم سمسم المليء بالمغامرات والتجارب، الذي يعلمنا التفرقة بين الصواب والخطا. وبطلة الفيلم "سمسم" ليست شخصية شريرة، لكنها أيضا ليست مثالية؛ هي إنسانة تخطئ وتصيب، تحاول أن تجرب وتتعلم وتكتشف طريقها في الحياة السليمة.
وتذكر الزعبي: "إن القضية الأولى التي تناولها الفيلم كانت قضية الشقاق والنزاع، كما تطرق بشكل غير موسع إلى قضية جنسية أبناء الأردنيات. وناقش الفيلم أيضا مجموعة من القضايا الاجتماعية المتنوعة، من بينها ارتفاع تكاليف الزواج، والعقبات التي تواجه الشباب في سبيل الزواج، وما يترتب على ذلك من تأثيرات سلبية، وكيف تحكم العادات والتقاليد المجتمع وتقيده رغم أنها لا تمت للدين بصلة، في وقت يفترض أن تكون المرجعية الأولى للدين".
وبالنسبة لفيلم أول ينجزه فريق من الخريجين الجدد والمواهب الأردنية الشابة، فإن النتيجة تلفت الانتباه فعلا. ليس فقط لأن العمل مبذول فيه جهد واضح على مستوى الصورة، الإخراج والأداء، بل لأنه أيضا تجرأ على طرح موضوع حساس وشائك: معاناة المرأة داخل الزواج في مجتمع لا يمنحها حق الاعتراض بسهولة، وجاء من عمق الواقع، خصوصا في القرى والمجتمعات الصغيرة التي ما يزال فيها الطلاق ينظر إليه كوصمة للمرأة، بينما يقف القانون في كثير من الأحيان إلى جانب الرجل.
وتنوه الزعبي إلى أنهم كتبوا القصة خلال ثلاثة أشهر، لكن وقبل التصوير بأسبوعين فقط، أبلغهم فريق الإنتاج بوجود مشكلة إنتاجية مرتبطة بالسيناريو، الأمر الذي تطلب تعديلات سريعة.
وبالفعل، جرى تغيير أجزاء من السيناريو، وتم بناء شخصيات جديدة وإعادة كتابة بعض الأدوار في وقت قياسي.
وتوضح الزعبي أن أحد التحديات التي واجهوها تمثل في طلب الهيئة منهم التصوير في العاصمة، لكنهم أرادوا أن ينجز الفيلم في إربد، بفريق عمل جميع أفراده من أبناء المدينة. وتشير إلى أن التصوير تم بالكامل في إربد، باللهجة الإربدية، والأكلات التقليدية، وفي الأحياء البسيطة، مع الحفاظ على العادات والتفاصيل المحلية، حرصا منهم على التمسك بالجذور والهوية.
وتقول الزعبي: "أحببنا أن نصنع فيلما من بيئتنا ويترجم أفكارنا وعالمنا لا ما يريده السوق. تركنا الحكم للجمهور، ورهاننا كان عليهم". وتضيف: "من أكثر ما أسعدنا هو تعليقات الجمهور التي قالت: شكرا لأنكم قدمتم فيلما أردنيا.. وأخيرا أولادنا يستطيعون مشاهدته، شكرا لأنكم رجعتونا لأيام المسلسلات الأردنية التي نحبها".
وتابعت الزعبي: "استطعنا أن نقنع شركة في الإنتاج بأن تراهن علينا، وتنضم إلينا، وتفتح بابا لإربد، وهو ما شجع باقي المحافظات على خوض التجربة ذاتها وكسر حاجز العاصمة". وتضيف: "لماذا يتمركز كل العمل في العاصمة؟ ليه ما نفتح أبواب تانية؟ الأردن مش بس عمّان، وهذه الفكرة كنا نريد أن نلغيها".
وتبلغ مدة فيلم "سمسم" ساعة وثلثا، وفي الوقت الحالي لا نية لبيعه لأي منصة رقمية، حيث يتجه صناعه لتنظيم عروض خاصة.
وتقول الزعبي: "كنا نعلم أننا سننجح، لكن لم نتوقع أن نصل إلى هذه الدرجة. لما نادوا اسم فيلمنا، كنا كثير مبسوطين وفخورين، وكانت الصدمة واضحة علينا". مبينة أن الجائزة كانت بمثابة تنويه خاص من إدارة المهرجان.
وكان "سمسم" الفيلم الأردني الوحيد المنافس ضمن فئة الفيلم الروائي الطويل في المهرجان، إلى جانب 11 فيلما عربيا.
وتوضح الزعبي أن الفيلم أُنجز على مدى عامين، إذ استغرق التصوير ستة أشهر، وأكثر من سنة في مرحلة المونتاج، وجرى عرض النسخة الأولية منه في المهرجان، فيما يتم حاليا العمل على إجراء بعض التعديلات.
وتنوه الزعبي إلى أن عاكف أبو جودة، ومركز أفلام إربد، هما من جمع الفريق، فهم المجموعة نفسها التي عملت معا منذ أكثر من أربع سنوات، وقد بذل أبو جودة جهدا كبيرا في تطويرها.
وتضيف أن الفريق تعلم منه مختلف المهارات من الكتابة، والتصوير، والإنتاج، والإخراج بكل تفاصيلها، وتصف نظرته في يوم العرض الأول وتسلم الجائزة بأنها كانت نظرة من حصد ثمار سنوات طويلة من العمل. وتشير إلى أنه كان الوحيد من الطاقم الذي رافق الفيلم من أول خطوة حتى آخر مشهد، كونه مدير مركز إربد.
وترى الزعبي أن التوليفة الفنية بين عناصر الكتابة والتصوير والإنتاج والإخراج كانت السبب الرئيسي في نجاح الفيلم، إذ امتزجت بشكل صحيح، مؤكدة أن النص لم يكن ليظهر بهذه الصورة الجميلة لولا جودة الإخراج، وأن الممثلة سجى الكيلاني ما كانت لتحصل على جائزة أفضل ممثلة عن أول دور لها، لولا وجود مخرج مبدع وبطل موهوب، مشيدة بجميع الممثلين الذين عملوا بجد واجتهاد.
وتذكر الزعبي أن البطلة سجى الكيلاني عملت على نفسها كثيرا، فهي أردنية مولودة في كندا وتعيش هناك، وقد تدربت على لهجة محافظة إربد رغم أن لديها فقط خمسة أيام لتكون جاهزة للدور، لكنها أبدعت في تقديمه.
وتضيف أن المخرجة سندس سميرات حرصت على تقديم الفيلم بأسلوب بصري يجعل المشاهد لا يشعر بأنه يتابع من خلف الشاشة، بل وكأنه يعيش داخل البيت مع الشخصيات، وهو ما نجحت في تحقيقه.
وتختم الزعبي بالإشارة إلى أن نهاية الفيلم لم تكن كما توقعها الجمهور، بسبب ضيق الوقت، حيث تم تغيير النهاية من قبل المخرجة لأسباب إنتاجية، ورغم ذلك كانوا حريصين على شرح تفاصيل الفيلم للمخرجة بشكل دائم، لضمان أن تنقله بالصورة المطلوبة، وهو ما تحقق في "سمسم".