عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Jul-2025

مقتلة القرن وعالم اللامعقول*د. محمود عبابنة

 الغد

الحرب على غزة أماطت اللثام عن المشاعر الحقيقية للتعصب والكراهية المخفية بقشرة بسيطة من بروتوكلات المجاملة والدبلوماسية سيئة النية ، فلقد تبين أن أميركا وبعض زعماء دول الغرب لا ينظرون إلينا إلا بعيون الصهيونية والتطرف والعنصرية، وفي نظرهم فنحن لسنا أكثر من دول طوائف وملل وعشائر وقبائل تملك كثيراً من الثروات والمنافذ البحرية الإستراتيجية، وليس مطلوبا غير السيطرة على هذه الشعوب وعلى مقدراتها، بالمجاملات والمساعدات واتباع سياسة «فرق تسد» وان تعذر ذلك فبسياسة العصا والجزرة، ما يؤكد أن نظرية صراع الحضارات ليست وهماً أو شطحةً من خيال هنتنغتون، ولا كان هذا بدوره قد كشف عن فتح جديد فقد سبقه الشاعر الإنجليزي «روديارد كبلنغ» في نهاية القرن التاسع عشر عندما قال «الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا».
 
 
فبعد أن أصبح العالم العربي من مشرقه إلى مغربه مسرحاً لصراعات مختلفة ذات طابع عربي وإقليمي، وفي الأونة الأخيرة دخلت على خط هذه الصراعات دول إسلامية غير عربية مثل: إيران، والكرة تتدحرج نحو تركيا والباكستان ليصبح صراعاً دولياً، وأصبحت المواجهة بين أميركا ودول الغرب المتصهينة ورأس حربتها إسرائيل من جهة، ومن جهة أخرى الشعوب العربية والإسلامية المتاخمة وبذلك فإن الصراع ليس على مسألة حدود وأراض فقط بل راح يتعمق لونه الحضاري العنصري، وها هو نتنياهو يخير العالم بين فسطاط الظلام وفسطاط النور كما كان يردد بن لادن «بأن العالم مقسوم بين فسطاط الحق وفسطاط الباطل» .
 
الأمة العربية التي فاتها قطار التحضر والديمقراطية والعدالة وتخلفت عن الانخراط في العلوم المنتجة، خذلت غزه خذلاناً كبيراً تحت وطأة التهديد الأميركي الإسرائيلي الناعم، وأصبح الحاكم العربي ومن ورائه عشرات الملايين حاكما بأمره على شعبه المروض المقهور، أما في مواجهة الكيان المحتل وأميركا فليس له إلا أن يدعو لعدم التصعيد وضبط النفس ويتحول إلى حاكم بغير أمره، ولذلك كان نصيب هذه الأمة في ميزان القوى لا شيء، رغم أن التغيرات الجوهرية تستجد وتتسارع بوتيرة عالية في غير مصلحتهم وعلى ملعبهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
الثنائي النازي العنصري نتنياهو وترامب ومن ورائهم رهط من الأوغاد المتحمسين لا يحفلون بكل الشعوب العربية والمسلمة، فالأول يعرض خرائطه على الملأ وترامب يفصح عن خيالاته ومآربه دون وجل، لا يبالون بإرادة هذه الشعوب ويتحدون قادتها وزعماءها ويشيرون بأوسط أصابعهم في مواجهة القانون الدولي والأمم المتحدة ومنظماتها ومحاكمها الدولية، وكأن مفوضي هيئة الحركة الصهيونية وذراعها التنفيذي في تل أبيب قدر محتوم على هذه المنطقة، وبالتالي لا يروننا أنداداً، ويستكثرون علينا نعمة العيش.
ولولا ما تبقى من المجاملات التي ستنتهي يوماً، لقالوا لنا: كثير عليكم البترول والطرق والجسور والجامعات والمدارس، فعندما يقرر رئيس أقوى دولة تهجير شعب كامل في مختلف أصقاع الأرض من أرضه وأرض أجداده، والاستيلاء عليها بعقلية الكاوبوي أو المقاول العقاري لإقامة منتجعات وكازينوهات، فهو فعلا يفكر خارج صندوق العقل والحقيقة والمنطق والواقع، ووصل الأمر بهذه الشخصية النرجسية والعنصرية حد التعامل مع شعوب المنطقة بلغة القطيع، وهو يعرف أن الشوارب لن تهتز على رأي الشهيد صدام حسين.
للحرب على غزة سلبيات وإيجابيات، ومن هذه الإيجابيات: انها دقت ناقوس الخطر الصهيوني أمام شعوب المعسكر الغربي التي تبلي بلاء حسناً وتجعل شعوبنا تشعر بالخجل وتأنيب الضمير، وبدا أن هناك صدعاً أو انشقاقاً بسيطاً في الجدارية الصهيونية والمظلومية اليهودية، أما الإيجابية الثانية فهي كشفها الوجه الآخر لمعزوفة القانون الدولي وحقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، عندها تتغير المسميات والاجتهادات والتفاسير فيصبح فعل الإبادة لشعب على أرض محتلة دفاعا عن النفس، ويصبح فعل المقاومة للمحتل عملاً إرهابياً، بل وصل الأمر إلى تشريع وإجازة الإبادة الجماعية لشعب مقاوم، وتشريع القوانين لفرض العقوبات على محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، وأخيرا ملاحقة الإيطالية الشجاعة فرانشيسكا ألبانيزي المقرره الخاصة بالأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية بسبب تقريرها الذي هز مصداقية الغرب ومدى تورطه في حرب الإبادة اليومية المعلنة.
ما يشهده المسرح الدولي هذه الأيام هو عالم اللامعقول ولا بد أن يكون رد الفعل أفكارا لا معقولة، لا ينفع معها التمسك بالقانون الدولي الإنساني ولا بالأمم المتحدة.