غزة تختبر التحالف.. هل يملك ترامب حق معارضة نتنياهو؟
الغد-محمد الكيالي
في خضم العدوان المستمر على قطاع غزة، تبدو العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس وزراء الاحتلال المتطرف بنيامين نتنياهو، محكومة بتعقيدات تتجاوز البعد الشخصي، لتعبر في هذا الإطار، عن توازن دقيق بين الدعم المطلق والامتعاض التكتيكي.
وفيما توحي تصريحات علنية لهما بوجود تباينات في المواقف، لكن الواقع السياسي يكشف عن تناغم مؤسسي متجذر بين الطرفين، يفرض إيقاعه على كل من يعتلي سدة الحكم في واشنطن أو الكيان. وبرغم أن إدارات أميركية، أبدت تحفظات ظرفية على سلوك حكومة الاحتلال، لكن تلك التحفظات لم تُترجم يوما إلى ضغوط حقيقية، يمكنها كبح السياسات الميدانية لنتنياهو، خصوصا في القطاع.
نفوذ بلا حدود
وتشير التقديرات السياسية، إلى أن ما يظهر من خلافات بين واشنطن والكيان الصهيوني الاحتلالي، لا يعدو كونه تباينا في أولويات الملفات، بخاصة قضية أسرى الكيان نفسه، والتي تحظى باهتمام أميركي بالغ، مقابل تعامٍ شبه تام عن الكارثة الإنسانية المتصاعدة في القطاع.
فنتنياهو، وإن بدا أحيانا وكأنه يسير في خط منفصل، يظل متموضعا ضمن الإطار الإستراتيجي العام لكيانه، الذي يحظى بدعم أميركي متواصل، عبر قنوات مؤسسية عميقة، تتجاوز حسابات الرؤساء وتعاقبهم.
وفي هذا السياق؛ يبرز نتنياهو كلاعب بارع في توظيف علاقاته داخل البنية السياسية الأميركية، بحيث يتمكن من تمرير أجندته، حتى في ظل الإدارات الأميركية التي لا تبدي حماسا واضحا لسلوك حكومته،
وبرغم أن رؤساء أميركيين، بمن فيهم ترامب، أظهروا في أوقات معينة، إشارات "عدم رضا" لسلوك الكيان، وكذلك لسلوك نتنياهو، إلا أن الأخير، واصل فرض رؤيته بثقة، مدعوما بنفوذ واسع في دوائر القرار الأميركية.
وتبقى تلك العلاقة مهما شابها من اضطرابات، شكلية، تقوم على أسس إستراتيجية ثابتة، تجعل من إسرائيل شريكا عضويا في المشروع الغربي الأوسع، وليس مجرد حليف تقليدي، يخضع لمعايير المحاسبة السياسية المعتادة.
التباينات بين نتنياهو وواشنطن تكتيكية
من هنا، أكد رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د.خالد شنيكات، أن تأثير شخصية نتنياهو على مجريات الأحداث بغزة والضفة الغربية لا يبدو حاسما، مشيرا إلى أن التفاهمات بين الإدارة الأميركية والكيان، تبقى قائمة برغم ما يظهر من خلافات سطحية، موضحا أن نتنياهو لا يتصرف بمنأى عن التوجهات العامة لسياسة الكيان، بل ينفذها ضمن سياق مؤسسي مستمر، برغم ما قد يبدو من اضطرابات أو تغيرات مرحلية.
وأضاف "يمثل نتنياهو امتدادا لنهج مستقر في سياسة الكيان المحتل، والتصريحات السابقة لمترشحي رئاسة أميركيين حول إنهاء الحرب، أو وقف إطلاق النار، لم تجد طريقها إلى التنفيذ على أرض الواقع منذ وصول بعضهم إلى السلطة".
وأشار شنيكات، إلى أن هناك توافقا إستراتيجيا بين نتنياهو والإدارة الأميركية بشأن هدف القضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية - حماس، لكن التباين بين الطرفين يتمحور حول أولويات بعض الملفات، لا سيما ملف أسرى الاحتلال لدى المقاومة.
وبالنسبة للجانب الأميركي، يمثل هذا الملف أولوية قصوى، وهو ما يفسر تركيز التصريحات الأميركية على قضية الأسرى، مقابل تجاهل شبه تام للأوضاع الإنسانية الكارثية في القطاع، مضيفا أنه "برغم ما خلفته الحرب على غزة من مآس إنسانية هائلة، فإننا لم نشهد موقفا أميركيا واضحا أو حاسما تجاه هذه المآسي، فالتصريحات الأميركية بقيت مقتصرة على قضايا محددة، دون التطرق الجاد لمعاناة المدنيين الفلسطينيين أو أزمة المساعدات الإنسانية".
تحالف إستراتيجي ثابت
وشدد شنيكات، على أن التحالف بين واشنطن الكيان، يرتكز على أساسات راسخة لا تهزها الخلافات المرحلية، معتبرا بأن التباينات القائمة تنحصر في البعد "التكتيكي"، دون أن تمس جوهر العلاقة الإستراتيجية، خصوصا في القضايا الإقليمية الكبرى، وعلى رأسها الملف الإيراني، مؤكدا أن نتنياهو وبرغم محاولاته أحيانا لاتباع مسارات خاصة في ملفات مثل سورية، لكنه لا يخرج في نهاية المطاف عن الإطار العام للتحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة.
نفوذ نتنياهو في المؤسسات الأميركية
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية د.بدر الماضي، إن علاقة نتنياهو بالرؤساء الأميركيين، لم تكن دائما ذات طابع شخصي مميز، بل شابتها توترات عديدة، سواء في عهد باراك أوباما أو جو بايدن؛ وحتى ترامب، وذلك على خلفية المواقف من القضية الفلسطينية، خصوصا ما يتعلق بما يجري في غزة.
وأوضح الماضي، أن نتنياهو يدرك جيدا بأن العلاقة مع الولايات المتحدة، لا تنحصر بشخص الرئيس، بل تمتد إلى عمق المؤسسة السياسية الأميركية التي غالبا ما توصف بـ"الدولة العميقة"، وهي الجهات التي تمسك فعليا بخيوط القرار السياسي، وتمتلك أيضا القدرة على توجيه الرئيس أو تقييد صلاحياته ضمن أطر مرسومة مسبقا.
وأشار إلى أن نتنياهو لطالما استثمر هذه العلاقة المركبة مع المؤسسات الأميركية، للضغط على أي رئيس يتولى السلطة في البيت الأبيض، مستفيدا من نفوذ مجموعات الضغط والدوائر المؤثرة في واشنطن، لإبقاء الدعم الأميركي للكيان، خارج نطاق المساومة أو التبدل الجوهري.
وأضاف الماضي، أن الرئيس الأميركي، رغم إرساله إشارات بعدم رضاه عن بعض سياسات الكيان، لم يتمكن من دفع نتنياهو لتعديل سلوكه، إذ واصل الأخير فرض أجندته بثقة، مدعوما بما وصفه بـ"فائض القوة" في التأثير على الإدارة الأميركية عبر شبكات الدعم داخل المؤسسات الفاعلة.
واعتبر أن هذه الاختلافات في وجهات النظر بين نتنياهو والرؤساء الأميركيين، لا ترقى لخلافات إستراتيجية، بل تبقى في إطار "الاختلافات التكتيكية" و"اللحظية" التي لا تمس جوهر العلاقة أو توازن التحالف الأميركي- الكيان.
وتابع، "إن رئيس الولايات المتحدة، يدرك تماما بأن هناك خطوطا حمراء، لا يمكن تجاوزها، فيما يعرف نتنياهو من جهته، أن بإمكانه الدفع باتجاه تغيير سلوك الإدارة الأميركية، ضمن هامش واسع، بما يخدم في النهاية مصلحة الكيان- أميركا المشتركة".
وختم الماضي حديثه بالتأكيد على أن الكيان المحتل، من منظور أميركي وغربي أوسع، "ليس مجرد حليف، بل مشروع إستراتيجي وجد ليبقى"، ما يجعل أي خلاف عابر غير ذي تأثير جوهري على بنية التحالف العميق بين الجانبين.