عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Oct-2025

"صالات السينما في عمان".. تفاصيل حياتية توثق ذاكرة المكان

 الغد-عزيزة علي

 يأخذنا كتاب "صالات السينما في عمان: ذاكرة المكان والناس والأفلام (1916 - 1989)" للكاتب وليد أحمد الحسين، في رحلة زمنية شيّقة عبر تاريخ دور السينما في العاصمة، منذ ظهور أولى الصالات في عشرينيات القرن الماضي حتى نهاية الثمانينيات، كاشفًا عن علاقة الأردنيين الأوائل بالفن السابع، وعن التحولات الاجتماعية التي رافقت ارتياد السينما، باعتبارها جزءًا من نسيج الحياة اليومية وطقوسها الجمالية والترفيهية.
 
 
يوثق الحسين في كتابه الذي صدر ضمن سلسلة "فكر ومعرفة" الصادرة عن وزارة الثقافة، ذكرياته الشخصية وذكريات جيله عن صالات السينما القديمة في وسط البلد، وعن الأفلام التي شكّلت وعيهم الفني والوجداني، وعن نجومٍ عربٍ وعالميين عاشوا في خيالهم أصدقاء وأحلامًا بعيدة. كما يرصد المؤلف كيف كانت تلك الصالات فضاءاتٍ للفرح، ومتنفسًا للناس، ومكانًا للقاء بين الثقافة والحياة، بين الحلم والواقع.
في مقدمة الكتاب، يشير المؤلف إلى أنه احتوى على الكثير من الذكريات الشخصية المرتبطة بصالات السينما في مدينة عمان، عاصمة الأردن. ويقول: "لقد واكبت جميع صالات السينما القديمة في وسط عمان، وشاهدت فيها مئات الأفلام العربية والأجنبية منذ بداية الستينيات وحتى نهاية القرن الماضي تقريبًا".
ويشير الحسين بأنه اعتمد في كتابه على ما سمعه من أشخاص أكبر منه سنًا حول سينمات عمان وأفلامها، إضافةً إلى لقاءاته مع من كان لهم صلة مباشرة بصالات السينما، سواء كمديري أو موظفي أفلام أو عارضين في بعض هذه الصالات. كما اعتمد على ما ورد في الصحف القديمة عن الأفلام ودور السينما في عمان، وعلى بعض كتب المذكرات الشخصية لكتاب أردنيين وغيرهم، التي تناولت الحديث عن بعض صالات السينما وأفلامها القديمة في المدينة.
ويعد الحسين أن ما عرضته صالات السينما في العاصمة عمان من أفلام متنوعة يشكل وثائق مهمة على الصعيدين التاريخي والاجتماعي، فضلاً عن قيمتها الوطنية والفنية والأدبية والإنسانية، سواء في الحاضر أو المستقبل. وإذا كانت الأفلام السينمائية تُعرف بـ"الفن السابع"، فذلك لأنها تجمع بين جميع الفنون في إطار واحد متكامل.
صالات السينما في عمان وفق تسلسل تاريخي
ويوضح المؤلف إنه في هذا الكتاب تم التطرق إلى كل دار وصالة سينمائية في عمان وفق تسلسل تاريخي، مبتدئًا بأول دار سينما في عشرينيات القرن الماضي، ثم الثانية، ثم الثالثة، وهكذا، حتى الوصول إلى عصرنا الحاضر.
ويشير الحسين إلى أهمية التمييز بين تاريخ إنشاء مبنى السينما وبين سنة تشغيله وتجهيزه لعرض الأفلام. فكمثال، قد تُبنى السينمات في عام 1948، لكن تجهيزها وتجهيزها لعرض الأفلام قد يستغرق سنة أو سنتين.
ويذكر المؤلف في صفحات كتابه، أن جميع دور السينما القديمة في عمان أُغلقت، حيث توقفت عن العمل منذ عقود، وكان بعضها قد أغلق أبوابه قبل سنوات قليلة فقط، لا سيما السينمات الشعبية في وسط البلد، وكان آخرها سينما الكواكب قبل نحو ست سنوات تقريبًا. ومع ذلك، لا تزال الصالات السينمائية الحديثة تعمل، وهي المعروفة الآن بسينمات المولات والمجمعات الفخمة، وتقتصر على غرب مدينة عمان.
وفي خاتمة الكتاب، يشير الحسين إلى أن الجيل السابق الذي ينتمي إليه، في عقد الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كان ارتياد دور السينما وحضور الأفلام جزءًا مهمًا من حياتهم اليومية. فكانت زيارة السينما تُعد مكافأة على النتائج المدرسية الجيدة، وفرصة للترويح عن النفس في يوم العطلة الأسبوعية الجمعة، أو خلال العطل الصيفية المدرسية، والاستمتاع بأيام الأعياد مثل عيد الفطر وعيد الأضحى.
ذكريات المشاهدين 
وفي فقرات الكتاب يصف المؤلف الحسين دور صالات السينما في الحياة اليومية:
كان حضورنا إلى دور وصالات السينما في عمان لمشاهدة الأفلام أشبه بدخولنا بيوت أقاربنا وأصدقائنا، فقد كانت تلك الصالات أماكن مألوفة لعقولنا وأرواحنا، لذلك ما تزال ذكرياتنا عن تلك الفضاءات المهيبة، بمبانيها المرتفعة وأفلامها، تحمل الزمن مكثفًا، كأحلام اليقظة أو رحلة إلى عوالم أخرى لم نكن نعرفها، بينما نجلس على كراسي السينما مع مئات المشاهدين.
وكان حضور الأفلام العربية ومشاهدتها، سواء للمتعلمين أو للأميين، أشبه بقراءة الروايات والقصص والتاريخ والفنون. فقد كان والدي، رغم أنه لم يكن يقرأ ولا يكتب، يستمتع بمشاهدة الأفلام في سينما "البتراء القديمة".
ويتساءل المؤلف الحسين ثم يجيب، هل هناك مزاج معين لمن يدخل السينما لمشاهدة الأفلام؟ نعم، هناك عدة أحوال. منها: المتعة والترفيه عن النفس، والسفر الذهني إلى بلاد جميلة لم نكن نعرفها.
أحيانًا يكون المزاج مختلفًا، حيث يذهب البعض إلى السينما للهروب من الهموم والملل والكآبة. تخيل شخصًا يجلس في صالة السينما، بأجوائها المظلمة قليلًا، يجلس بحرية مع ذاته، ويشاهد مجريات الفيلم التي قد تتطابق بعض أحداثه مع مفاصل حياته ومشاكله وهمومه. فهذه تجربة تنفيس عن الضغوط، حيث يشعر الشخص المهموم أنه ليس وحده المظلوم في هذه الدنيا.
وقد أكد بعض المشاهدين أن مشاهدة الأفلام ساعدتهم على تخطي مشاكل حياتهم وظروف معيشتهم، أي استخدام السينما كنوع من العلاج النفسي، كما يحدث مع من يشاهدون الأفلام الميلودرامية البكائية أو الأفلام العربية الرومانسية العاطفية.
كذلك هناك من تجرأوا بالقول: "إن مشاهدة الأفلام كانت الشيء الوحيد الذي يبقينا على قيد الحياة"، مثل الأفلام الهندية "سنجام، ولدي، ماسح الأحذية"، والأفلام العربية "كلهم أولادي، الحرام، نحن لا نزع الشوك، الخطايا"، حيث تتذكر الصفعة الشهيرة التي تلقاها عبد الحليم حافظ من والده عماد حمدي.
ومن كثرة ما شاهدناه من الأفلام العربية والأجنبية، نحن شباب عقد الستينيات والسبعينيات في عمان، أصبح أشهر الممثلين والممثلات العرب وكأنهم أصدقاء لنا، "ولكن من طرف واحد فقط"! كنا نتحدث عنهم، ونقرأ أخبارهم في المجلات مثل هواة الفنون الأردنية، الكواكب المصرية، الموعد والشبكة اللبنانية، ونتناقش حول أفلامهم وحياتهم.
وقد أعجبنا كثيرًا بشخصيات الفنانين الذين كانوا يُعرفون بحضورهم الطاغي في بطولات الأفلام، ومن بينهم: "شكري سرحان، أحمد رمزي، أحمد مظهر، كمال الشناوي، فريد شوقي، رشدي أباظة، حسن يوسف، صلاح ذو الفقار، عماد حمدي، يحيى شاهين، يوسف فخر الدين".
جمهور الشباب والسينما
ويذكر المؤلف تفاصيل السينما في الحياة اليومية سابقا:
كان بعض جمهور الشباب في عمان يحاول في حياته اليومية تقليد الشجاعة والوفاء والحب، تلك الصفات التي كان يتحلى بها أبطال أفلامهم أو "فتي الشاشة الأولى". وحتى أن بعضهم كان يعيد مشاهدة فيلم معين مرات عديدة في أيام متفرقة بصالات السينما في عمان.
وازداد عشقنا بأغاني أفلام المطربين مثل "فريد الأطرش، عبد الحليم حافظ، محرم فؤاد، ماهر العطار"، حيث تأثر العديد من شباب عمان بغناء هؤلاء الفنانين وتمثيلهم في أفلامهم، فكانوا يقلدونهم بين الأهل والأصدقاء، بأغانيهم، وأصواتهم، وحركاتهم، وملابسهم، وحتى مشاعرهم وآلامهم.
كما أعجبنا كثيرًا بالممثلين الكوميديين، الذين كان حضور أفلامهم مرتبطًا بالترفيه والضحك، مثل "إسماعيل ياسين، محمود شكوكو، فؤاد المهندس، أمين الهنيدي، محمد عوض، دريد لحام، عبد المنعم مدبولي، عبد المنعم إبراهيم، عبد السلام النابلسي، ثلاثي أضواء المسرح"، ومن الممثلات الكوميديات "زينات صدقي، وداد حمدي، ماري منيب"، اللواتي كن يُعرفن بالحماة الكوميدية المتسلطة.
لذلك، تأثر العديد من شباب وشابات عمان ببعض حركات وألفاظ ومقولات هؤلاء الكوميديين والكوميديات، وأخذوا يقلدونهم بكل متعة وسرور.
وقد أعجبنا جدًا بالممثلات اللواتي أجادن تجسيد دور الأم الحنون في أفلامهن، مثل "أمينة رزق، فردوس محمد، عزيزة حلمي"، اللواتي قدمن تلك الشخصيات كقدوة للأمهات الأخريات، مصبغات العواطف والتضحيات، وملتزمات بإبراز الحب الأسري لأفراد عائلاتهن.
كما بهرنا الممثلات الرائعات الجميلات بملامحهن الرومانسية، مثل "سعاد حسني، ناديا لطفي، ماجدة، لبنى عبد العزيز، هند رستم، نعيمة عاكف، زبيدة ثروت، فاتن حمامة، ليلى طاهر، شادية، صباح، سامية جمال، آمال فريد، إيمان، مديحة سالم، مديحة يسري".
وقد اعتبر بعض شباب عمان أن الممثلة الفلانية هي فتاة أحلامه الأبدية، مثل إعجاب أحدهم بـسعاد حسني أو ناديا لطفي، حيث كان يتمنى اللقاء بها أو الزواج منها، فكان يحرص على حضور أفلامهن، وجمع صورهن، واقتناء المجلات التي تتناول أخبارهن، "وذلك أشبه بجنون الحب من طرف واحد".
وقد قدرنا كثيرًا الممثلين الذين أجادوا دور الرجل الكبير السن والودود، مثل "حسين رياض، عبد الوارث عسر، شفيق نور الدين"، بينما لم نحب كثيرًا الشخصيات الشريرة التي قام بتمثيلها مثل "محمود المليجي، زكي رستم، توفيق الدقن، استيفان روستي، محمود فرج، عادل أدهم، حسن حامد، صلاح نظمي".
وخلص المؤلف إلى أن هذا الكتاب يمثل جزءًا بسيطًا من ذاكرة المكان والناس في مدينة عمان حول صالات السينما القديمة، وذاكرة بعض الأفلام التي عرضت فيها، وذلك من وجهة نظره وذكرياته الخاصة، ومن خلال ذكريات آخرين الذين تناولوا هذا الموضوع في كتبهم ومذكراتهم عن عمان. كما استند إلى مقابلات مع شخصيات عمانية، ومقالات صحفية، ولقاءات إعلامية، حيث تحدث هؤلاء عن علاقتهم بالأفلام وصالات السينما القديمة في عمان، وقد أشار المؤلف إلى ذلك ضمن صفحات الكتاب.